صفحات العالمقضية فلسطين

القَبضة لا تُصافح

خيري منصور
هذه العبارة نقلها صحافي أوروبي عن أنديرا غاندي، وقد تكون سمعتها من نهرو أو هي حكمة شرقية، لأن دلالتها عميقة. فالقبضة تعني التهيؤ للضرب إضافة إلى التوتر، لهذا فهي لا تصلح للمصافحة، ويجب أن تقابل بقبضة أخرى مضادة، وليس بيد مبسوطة كل البسط وأصابع رخوة نسيت كل وظائفها من الشهادة حتى الزناد.
ما قالته أنديرا غاندي كان لمناسبة أخرى لا علاقة لها بالصراع العربي الصهيوني. لكن القاسم المشترك بين الصراعات كلها، خصوصاً إذا كانت وجودية وليست حدودية يتيح للمقولات أن تهاجر من بلد إلى آخر ومن لغة إلى أخرى، لأنها عابرة للقارات والثقافات.
وقد لا يكون فرق كبير بين الأسلوب الذي قاومت به شعوب آسيا دفاعاً عن هوية وتاريخ واستقلال وبين الأساليب التي قاومت بها شعوب إفريقية أو من أمريكا اللاتينية، لأن ثنائية الاحتلال والمقاومة خالدة وذات تجليات لا تحول دون أن يكون الجذر الإنساني والتاريخي واحداً.
ومنذ بدأت محاولات إنهاء الصراع العربي الصهيوني.. والمشهد ذاته يتكرر، قبضة صهيونية، ويد عربية مبسوطة وأصابع رخوة نسيت أهم وظائفها.
ما من مرة جنح فيها العرب المعتدى عليهم إلى السلم حتى قاومتهم القبضة، والرهان على مصافحة بين قبضة مشدودة ويد مبسوطة يثير سخرية من تعلمت منهم السيدة غاندي تلك الحكمة، والتي سرعان ما تحولت إلى موعظة تاريخية وأخلاقية، لمن يعانون من انتهاك بلغ النخاع.
إن من يعود إلى المربع الأول دائماً هو الطرف المعتدي والمحتل، لإدراكه أن من سرق شيئاً عليه أن يتشبث به ويتسلح للدفاع عن امتلاكه، فهو المريب الذي يوشك أن يقول: “خذوني.
لكن الإفراط في المعالجات السياسية الإجرائية حجب جملة من الحقائق التاريخية، وقدر تعلق هذا بالصراع العربي الصهيوني، فإن الأسس تم تناسيها وأحياناً التواطؤ عليها، بحيث بدت مسألة الاحتلال كما لو أنها حذفت من معالجات هي أشبه بالتخدير المؤقت، فما ترتب على الاحتلال أصبح منقطعاً عنه وكأنه نبت شيطاني لا جذور له.
إن كل ما جرى في الأراضي العربية المحتلة، بدءاً من الحصار والتجويع والتجهيل هو من محاصيل الاحتلال، لهذا فهو السبب الأول والأخير الذي أدى إلى هذه النتائج.
المبادرة العربية على سبيل المثال يد مبسوطة وممدودة، لكن التعامل الصهيوني معها هو القبضة المحكمة، والمهيأة للضرب، ولا ندري لماذا يتجاهل المتفائلون بسلام أنكى من أية حرب أن عدوهم بنى جبهته نفسياً وثقافياً وعسكرياً على طريقة القبضة الدائمة، ولعل ما قاله واحد من أهم مؤرخي القرن العشرين هو أرنولد توينبي عن الصهيونية هو الحقيقة ذاتها، فقد وصفها بالخطأ التاريخي الذي قاد إلى خطيئة سياسية وكان يقصد إسناد الكولونيالية الغربية لمشروع الاستيطان في فلسطين، وأضاف توينبي قائلاً إن دولة من هذا الطراز وبهذه الخلطة الايديولوجية مع الأسطورة لا تستطيع الحياة من دون حروب متصلة، فهي تموت بالسلام، وتفقد ذريعتها الوحيدة التي تتأسس في ضوئها تربويات الكراهية والإقصاء والعزلة.
كم ستستمر الأيدي مبسوطة تتدلى منها أصابع رخوة مقابل قبضة كالتي وصفتها الراحلة غاندي؟
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى