صفحات سورية

حروبنا وأزماتنا في الداخل من صنع أيدينا

null
د.نديم معلا
لم تعد محاولات تحميل الآخرين (الخارج) وزر ما يجري في الداخل، من قتل وتعذيب وتنكيل. ولم يعد الخارج (سواء كان اسرائيلياً أم اقليميا)، الشماعة أو المشجب الذي تعُلق عليه الحروب الأهلية الصغيرة والكبيرة، الطويلة أو القصيرة. فالأرواح التي تُزهق، والأطفال الذين يُيتمون، والعائلات التي تُشرد، واللجوء الذي يأخذ برقاب اللجوء، أياً كانت المسافة أو المساحة التي يصل اليها، كل هذا ما عاد مقبولاً.
المأساة الآن هي في انزياح ما كان يدعى «الخطوط الحمر» (الدم الفلسطيني خط أحمر).
يسهل التنصل من المسؤولية. يسهل القول بالمبررات والمسوغات الأخلاقية والوطنية، من أجل الغاء الآخر (الداخل) أو اسكاته.
لماذا يتمزق هذا الداخل في فلسطين والعراق ولبنان؟!..
الداخل ينقسم على الداخل، والداخل يريد التهام الداخل، والرصاص يخترق أجساد الأخوة، ويطيح الوحدة واللُحمة والعيش المشترك والجيرة! حماس في مواجهة فتح، وهذه الأخيرة في مواجهة الأولى.
هل اسرائيل هي حقيقة المسؤولة أولاً وأخيراً عن النار التي يهدد أوارها بأن يأتي على الجميع حماس وفتح.
في الحرب الأهلية اللبنانية، كان يحلو للكثيرين من المنظرين العاديين الى بعض أمراء الطوائف، أن يرددوا انها «حرب الآخرين على أرضنا»! في الوقت الذي كانت شراسة الاقتتال تصل الى الطائفة الواحدة، والمذهب الواحد، وفي بعض الأحيان الى الحي الواحد والقرية الواحدة (لنتذكر على سبيل المثال لا الحصر ما فعلته القوات اللبنانية -جعجع- بأنصار سليمان فرنجية وما دُعي بمجزرة اهدن).
وما يجري الآن في العراق، يقع على كاهل أبنائه، الذين يدمرون النسيج الواحد ويفتتون البنية الواحدة، ويزعمون أن الاحتلال مسؤول عما يحدث!.
قد تختلف التأويلات، وتتباين التفسيرات، لما يعانيه الداخل العربي، ووسط هكذا تعدد وجهات النظر، يمكن أن نعزو تآكل الداخل وتمزقه، الى الانكفاء نحو الذات بمفهومها الجمعي أي عائلياً وقبلياً ومذهبياً وطائفياً.
انه الرجوع الى الانطواء والتقوقع واقفال الدائرة على الأقربين اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. لنلاحظ أن العلاقات الانسانية تتقوض حتى داخل الأسرة الواحدة، وان كانت الأسرة هذه، تستجمع قواها لتواجه الغريب (أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب).
موضوع أو محور الصراع في الداخل، السعي الى السيطرة والاخضاع والاستحواذ على السلطة ومشتقاتها، أي ما يمكن أن تأتي به هذه الأخيرة من منافع ومصالح دنيوية رغم الغطاء الروحي الذي قد تتقنع به.
نزعة الاستبداد، والظن بامتلاك الحقيقة، وأننا الوحيدون المصيبون دائماً، ومن يختلف عنا أومعنا مخطئ دائماً، هي التي تفتح الجرح. وكلما اقترب من أن يندمل يُنكأ مرة أخرى!..
(في العراق ترتفع أصوات الفرقاء مطالبة بالمصالحة الوطنية، وفي فلسطين تطالب حماس وفتح بالحوار سبيلاً الى الوحدة الوطنية، وفي لبنان يجري الحديث عن حكومة الوحدة الوطنية ومصلحة لبنان الواحد).
وفي كل مرة تعود الأمور الى بداياتها. لا شيء يتأسس على شيء، ولا شيء يبنى على شيء.لا أحد -كما يبدو– يريد أن يصل الى منتصف الطريق. الكل في انتظار أن يأتي الطرف المقابل اليه صاغراً!.
بات من المألوف الكلام على غياب تراث الحوار، والقبول بالاختلاف، في ثقافة صارت مستوحدة بعد أن كانت متعددة (في مرحلة الفتوحات الاسلامية) أولنقل أنها -الثقافة- كانت أقل تشدداً وانغلاقاً.
والغريب أن العالم الذي ارتمى في أحضان العولمة -طوعاً أوكرهاً- ما عاد يستهجن وجود الغريب، أويناصبه العداء لمجرد أنه غريب ومختلف، بل ان تواصلاً بدأ يُفصح عن نفسه وتُرى عقابيله في كثير من الأمكنة. والغريب أيضاً أن الداخل العربي المتشظي، ليس بعيداً عن عدو يحتل أرضه أو يستطيع اختراقها لحظة يشاء (كما كان يحدث في لبنان). في فلسطين يقف الاسرائيليون على بعد كيلومترات، يتفرجون شامتين وضاحكين على الأخوة وهم يريقون دماءهم بايديهم.ألا يرى هؤلاء الأخوة، أنهم ينتصرون للعدو ويثبتون أقدامه؟.
اسرائيل تعرف كيف تسوق مثل هذا الخلاف الدموي، فها هي الناطقة باسم الخارجية الاسرائيلية أميرة أرون «تشيد» بانسانية المحتل الذي اوى ابناء عائلة حلس، ورفض اعادتهم الى غزة حفاظاً على حياتهم!. صورة مخزية طالما اشتهتها اسرائيل تُقدم لها على طبق من ذهب!.
وفي العراق الذي تُدمر فيه الحياة، ويتناسل فيه «الانتحاريون» يسخر المحتل من هكذا شعب.
قد يختلف الوضع في لبنان من حيث عدم وجود المحتل عيانياً، الا أن هذا الأخير متحرك، ولم يكن ساكناً في يوم من الأيام.
كيف نريد من العالم أن يسمع صوتنا، ويتفهم اننا مغبونون، وأننا لم نهاجم أحداً، ولم نسع الى احتلال أو اجتياح أرض غريبة، ونحن لا نكف عن قتل بعضنا بعضاً!.
أيها السادة الذين بأيديهم القرار،كلكم مخطئون، والوطن وحده على صواب، نحن أولاً وأخيراً مسؤولون عن أخطائنا، مسؤولون عما يحيق بنا، وأزماتنا وصراعاتنا من صنع ايدينا.
كاتب من سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى