صفحات سورية

ما الذي حدث فعلاً يا هيئة التحرير ؟

null

غالب عامر
نشرت هيئة تحرير موقع ” النداء” لإعلان دمشق بتاريخ 23 / 2/ 2008 افتتاحية الموقع حول “بيان المجلس الوطني .. النقاط السبعة” تعرضت فيها لمشروع إعلان المبادئ الذي أطلقه حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي ,من أجل الحوار الديمقراطي منكرة عليه هذا المشروع نظراً لتوافق سابق حول البيان الختامي لاجتماع إعلان دمشق,
والذي تضمن سبع نقاطٍ رئيسة كانت بمثابة مبادئ أقرتها قوى الإعلان ومنها حزب ( الاتحاد الاشتراكي ) … وقد اتسمت الافتتاحية بلغةٍ سجالية حاول أصحابها إقصاء منطق الحوار ,ولغته ,ومفرداته الخاصة به , كما تضمنت عدداً من التعابير المشحونة بلغةٍ انفعالية تختزن في ثناياها العديد من الاتهامات البعيدة عن أية عقلانية سياسية .

ومع ذلك كله, لا يمكننا في هذه اللحظة الحرجة من عملنا الوطني , وما يصيبه من تعثر وارتكاب المزيد من الأخطاء ,أن نُستَجر لردود الأفعال ,ونستخدم منهج السجال ومفرداته الذي يخلص أصحابه إلى تكريس منطق الإقصاء والوصاية. ولابدّ أن نؤكد على منهج الحوار الفكري والسياسي الحر والمفتوح, حول كافة المبادرات المطروحة لتعميق أسس التحالفات الوطنية الديمقراطية ,وتوسيع إطارها للخلاص من ربقة الاستبداد ,وإنجاز مهام التغيير الديمقراطي بطريقةٍ سلمية متدرجة تنبذ العنف والإقصاء والوصاية, وذلك من أجل بناء الدولة المدنية الحديثة وتحصين الاستقلال الوطني. ومن هذه المبادرات ما تقدم به حزبنا أخيراً من مشروع لإعلان مبادئ للحوار الديمقراطي .

وقبل متابعة الحوار , والتنبيه إلى الأوهام الخاطئة التي تعشش في الأذهان وضرورة التخلص منها, عبر الانتقال بالحديث من موقع السجال إلى منطق الحوار تجدر الإشارة إلى عددٍ من الملاحظات المنهجية:

1. في مرحلة التحولات العميقة والمتسارعة على مستوى العالم, يعتبر زمن الاستبداد في عقوده التي ما تزال ممتدة ,زمناً للشدة الوطنية المستمرة بموجاتها المتلاحقة , من الضغوط الأمنية والاعتقالات المستمرة ,والتي لا نعتقد أنها يمكن أن تتوقف, ومن لم يكن يتوقع إمكانية قيام الأجهزة المخابراتية بحملة اعتقالات واسعة في أعقاب اجتماع المجلس الوطني لإعلان دمشق, لا يدرك فعلاً الطبيعة البنيوية للنظام القائم واتجاهات سياسته الداخلية, بل ويحتاج إلى مرحلة إعداد طويلة لكيفية الممارسة السياسية. وبالتالي لم يكن مفاجئاً لنا ما حدث من حملةٍ “أمنية” نفترض على الاتفاق حولها أنها كانت مفهومةً تماماً . إلاّ أنّه من غير المفهوم الاستجابة التلقائية لأهداف هذه الحملة عبر التوقف عن متابعة تداعيات الأخطاء التي ارتكبت, والتي حاولنا جاهدين أن تبقى في إطار التداول الداخلي بين قوى الإئتلاف المعني بها, بالرغم من الاستفزاز الذي نتعرض له من فيل هذه القوى والشخصيات الوطنية الأخرى… لكن يبدو أنه لم يعد من الممكن أن نلوذ بالصمت المعلن عما حدث ,ولماذا حدث فعلاً يا هيئة التحرير .

2. وإذ يبدو لنا أنّ مرور الزمن يبتعد بنا عن تدارك الثغرات وتجاوزها بالحوار الديمقراطي , فلا يمكن, والحالة هذه, أن تقف قضبان العسف والاضطهاد حائلاً دون متابعة القضايا العالقة, ولم نكن نعبأ بها في السابق لتفويت الفرص السانحة لخدمة العمل الوطني , ولا أدلّ على ذلك مما قمنا به سابقاً من إقناع أحد الرموز الرئيسة في إعلان دمشق للتوقيع على الوثيقة الأساسية للإعلان عندما كان في سجن عذرا , مما هو معروف لدينا جميعاً ولا يستطيع أحد أن ينكر تلك الواقعة الإيجابية, ولا نعتقد أننا بحاجة من أحد للمصادقة على تجربتنا التاريخية في العمل من أجل الحرية والديمقراطية.

3. ومن المثير للجدل فعلاً , أن يتم إقحام هيئة تحرير موقع النداء ” للتجمع الوطني الديمقراطي” في المسافة الحاصلة بيننا, بوصفها نتيجة منطقية لما حدث من ممارسات اللامعقول السياسي والتنظيمي قبيل وأثناء اجتماع المجلس الوطني للإعلان , وتجاوزات فاقت حدود التصور المنطقي لأصول التحالفات السياسية. ولسنا بحاجةٍ هنا للتذكير بأنّ التجمع الوطني الديمقراطي كان ,وما يزال , وسوف يبقى بكلّ ماله وعليه, البيت الوطني الأول للأحزاب السياسية التي ساهمت بفاعلية عالية في بناءه واستمراره, بوصفه التحالف الاستراتيجي الأوثق في علاقاته الداخلية , ورؤاه الأوضح عن غيره في مداه الممتد نحو آفاقه المستقبلية. ولا نعتقد أنّ هناك من يستطيع النيل منه أو فرض الوصاية عليه ,كما آلت إليه الأوضاع في ائتلاف إعلان دمشق , وإذا كان هناك من بشّرَ سابقاً ” بتجاوز” التجمع الوطني الديمقراطي من خلال الإئتلاف الأوسع والأشمل!! تبقى له وحده رؤيته القاصرة والقائمة على عدم التمييز بين ما هو مرحلي من التحالفات التي تقوم أساساً على تحقيق هدف معين بذاته, وبين ما هو استراتيجي من مهام , يتمّ المضي في العمل على تحقيقها بعد ذلك الهدف الأول المقصود بالتغيير الوطني الديمقراطي ,و الذي تنبثق من خلال تحققه أسئلة الحاضر والمستقبل لما بعد المرحلة الانتقالية , مما هو معروف .

وحتى يستقيم الحوار الموضوعي, وتجاوز منطق السجال الذي لا يجدي نفعاً ,نتمنى على الزملاء في إعلان دمشق ( وخاصةً من لا يعرف الأكمة وما خلفها) عدم إقحام التجمع الوطني الديمقراطي, ومحاولة توظيف أوضاعه الداخلية في غير مواضعها , وهو المعني أصلاً في البحث فيها وتعزيز مساره المستمر والدائم على امتداد ربع القرن الماضي . وهذا لا يعني بحال, أنّ التجمع غير معني قبل غيره , بالبحث في كيفية تصويب الأخطاء في إعلان دمشق , بوصفه أحد الأركان الرئيسة المكونة له. ومن هذا المنطلق نؤشر لأحد أبرز مهامه الإيجابية في الاشتراك بالحوار الديمقراطي لتوسيع وتعميق الأسس الموضوعية التي تؤدي ,في المحصلة, إلى تعزيز دوره في إنجاز المهام المرحلية والإستراتيجية على حدٍّ سواء.

4. الفكر الإقصائي الذي يتسم بالعجز عن فهم الدوافع الحقيقة التي تؤدي إلى طرح الأفكار والتصورات الجديدة ,والتي تتصل بما قبلها, هو وحده الذي يعتبر أنّ وثيقةً سياسية أو فكرية ما , يمكن أن تشكل بديلاً لما سبق من توافقات تمّ تسطيرها وتنظيمها في إطار الوثائق المشتركة. ولا ريب أنّ هذا الفكر يريح أصحابه من عبْ الاستمرار في الحوار لتوطيد أسس المشتركات , من جانب, وعدم تعرضها للاختراق من قبل أيٍّ من الأطراف المتوافقة عليها, كما حدث للتوضيحات التي قدمها ” الاتحاد الاشتراكي” إضافةً للوثيقة الأساسية لإعلان دمشق, والتي حظيت بإجماع اللجنة المؤقتة , ليعقب ذلك اتخاذ المواقف المواربة منها بين الرفض والقبول المتأرجح. وكذلك الأمر بالنسبة للاختراقات التي حدثت في الممارسة السياسية لعددٍ من القوى والشخصيات الموجودة حتى داخل مكتب الأمانة السابق , والتي أسست لخلافات في الخط السياسي كان من نتيجتها الاتفاق الجانبي لإقصاء الاتحاد الاشتراكي وفق خطةٍ مبرمجة قبيل انعقاد اجتماع المجلس الوطني ,إذ لم يعد الإنكار مجدياً إلاّ في حال الإصرار على المماثلة بين الخطأ والصواب, وعلى المضي في نفس المسار الذي تجاوز فيه أصحابه أصول الممارسة الديمقراطية إلى ما يتعارض حتى مع احترام مضامينها وأبعادها

5. أما عن الموضوع نفسه المتعلق بمشروع إعلان المبادئ , والذي تجدر مناقشته من كافة أطياف المعارضة في سورية, إذ ليس الأمر موجهاً فقط لإتلافٍ معين مهما بلغ شأنه, نؤكد على أنه مجرد مشروع خاضع لكل التعديلات التي يمكن التوافق عليها. وسوف يتضح لنا في القسم الثاني من هذا المقال مدى المقاربة بينه وبين الوثائق الأساسية لإعلان دمشق ومنها البيان الختامي ,إضافةً لقضايا لا يمكن لإنسان يؤمن فعلاً بالتغيير الديمقراطي أن يتعارض معها , وخاصةً ما يتعلق بدور منظمات وهيئات مؤسسات المجتمع المدني في الإعداد لعملية التغيير السلمي التي نطمح لإنجازها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى