صفحات أخرى

الروائي الفرنسي شارل دانتزيك: يجب أن نقرأ لأن القراءة لا تفيد في شيء

أصدر الروائي الفرنسي شارل دانتزيك كتاباً عنوانه “لماذا القراءة؟”، ونال لأجله جائزة جان جيونو الفرنسية الرفيعة. صحيفة “لوموند” (16 تشرين الاول 2010) قابلته، وهنا أهم ما جاء في حوارها معه:
– “لوموند”: العديد من الأهالي يتحسّرون على كون أولادهم لا يقرأون. ماذا تقول لهم؟
– شارل دانتزيك: إغراء القراءة يجب تنظيمه. هؤلاء الناس يريدون من أولادهم أن يقرأوا، معتقدين بأن القراءة أمر جيد وطبيعي. والحال ان القراءة لا هي جيدة ولا هي أخلاقية. عندما نطالب الأولاد أن يقرأوا، ينفرون من القراءة، ولهم الحق في ذلك. لو كان لديّ أولاد، لوضعتُ أقفالا من حديد على مكتبتي، ثم صففتُ على أدراجها الكتب الجيدة، وأخفيتُ المفتاح وتركتهم ينظرون إلى مكانه. بهذه الطريقة قرأتُ بودلير وفرلين وأنا في العاشرة أو الحادية عشرة من عمري.. كانوا يقولون لي: “هذه مكتبة أبيك، لا يجب ان تذهب إليها”. ان التظاهر بالمنع يعطي طعما للأشياء.
– “لوموند”: في كتابك تعطي الكثير من الإجابات على سؤالك “لماذا القراءة؟”. ولكن اذا كان عليك ان تقدم إجابة واحدة…
– شارل دانتزيك: بمعنى من المعاني، يجب أن نقرأ لأن ذلك لا يفيد بشيء. أتكلم هنا عن قراءة الأدب. يبدو لي اننا نقرأ الأدب بسبب خلوه من ادعاءت نفعية. فالكتاب مثل المنحوتة، علينا الدوَران حوله، واعتباره شيئا من بين الأشياء دون البحث عن شيء نتعلّمه. قوة الأدب هي في ضعفه. ففيما يقضي الناس الجديين وقتهم بالأشياء العملية، يصنعون دبابة، او يستثمرون في المشاريع، فان القارئ يقضي وقته وحيدا وصغيرا، مع كتابه. لكنه يجد فيه لنفسه تمنحه قوة هائلة. ان الوظيفة الأساسية للأدب هي إبقاؤنا أحياء في عالم شرس.
– “لوموند”: تؤكد في كتابك بأن القراءة أمتع من الترفيه. واليوم كل الناس تعتقد العكس، أي بأن الترفيه أمتع من الفراءة.
– شارل دانتزيك: نحن نعيش في عالم عُمّم فيه الترفيه. اما أنا فان الأشياء الهادفة إلى الترفيه عني، تبعث فيّ الضجر. الأفلام الكوميدية تبدو لي متجهمة. والكتب الهادفة إلى تربيتي تغضبني. انا أحذَر من كل ما له نية معينة. الرواية لا نيّة لديها ولا قصد. انها تكتب لتكون فقط. وفي مجال القراءة نحن اليوم في أوج العصر “التربوي الكشْفي”. (من كشّافة) (…).
– “لوموند”: أنت تعلم بأن هناك من سيقول بأن كتابك هو كتاب لبرجوازي حظي بوجود مكتبة في بيته.
– شارل دانتزيك: عالم الاجتماع الفرنسي فرنسوا بورديو لم يكن دائما مخطئا، ولكن اتباعه ليسوا دائما على حق. كان من حظي فعلا ان مكتبة أهلي مليئة بكتب، كانت بمتناول يدي وانا صغير، ولكنني استطيع ان اذكر لك عددا من ابناء العم والخال البرجوازيين الذين لم يفتحوا كتابا. انه لوضع ملفت: ذلك التخلّي البرجوازي عن القراءة. كان أبي أستاذا في الطب، لكنه درس أيضا اللغتين اليونانية واللاتينية، وكان يقرأ. ما هو وضع الأطباء اليوم؟ كان هناك برجوازية انسانوية تحب الأدب والقراءة، أو تتصرف كأنها تحبهما. هذه الفئة لم تعُد حتى تفتعل هذا الحب. انني أحذر من الفرز الاجتماعي. القراءة فعل غير اجتماعي، فعل يفصلك عن الآخرين. حركة القراءة نفسها تدلّ على ذلك. نُحني رأسنا بين حدّي الصفحة الواحدة بعيدا علن الفعل وعن التباهي (…).
– “لوموند”: نهاية كتابك متشائمة، تقول: “الانسانية لن تقرأ، وسوف تعود الى الوضع الطبيعي، بين الحيوانات”…
– شارل دانتزيك: هناك خطر، ولكن الخطر يوقظ الانتباه. ما يهدّدنا، ليس الشبكة الالكترونية أو التكنولوجيات الجديدة، بل ذاك اللطف المزيّف الذي يجعل الأدب تافها، لا يستحق الاهتمام. العزلة التي يضع القارىء نفسه فيها، عنيفة جدا بالنسبة للعقول العملية. والقراءة ليست محبوبة بالقدر الذي نعتقد. فلا ننسى ان القراء همّ تحمله أقلية في المجتمع.
– “لوموند”: هل تعتقد، مثل الأديب الأميركي فيليب روث، بأنه سوف يكون هناك كتاب أكثر من القراء وبأن لا أحد تقريبا سيكون قادرا على قراءة الرواية؟
– شارل دانتزيك: الأدب ليس له وجود ان لم يكن هناك من يقرأه. القراءة ليست بالضرورة سهلة. وعلى الرغم من اننا نعيش في عالم يحترم الجهد، فان الجهد الوحيد المرفوض هو الجهد المطلوب لقراءة الأدب. فيليب روث محقّ بالقول ان معنى الرواية صار فقيرا، ولم نعد نصدق سوى الشهادات. اذ باتت الرواية تُعتبر كذبا. يتكلمون عن “الحياة الحقيقية” وكأن الحياة في الكتب مزيفة. الرواية ضرورية لأنها تدلّ على ما هو مختبئ. الرواية هي تلك الطاقة التي ترفع السجادة، فيما اللياقة تتطلب ان نعجب بنقوشها رسومها. بهذا يكون الأدب والقراءة فعلي احتجاج.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى