صفحات سورية

نقاش حول صواب عزل سوريا وتأكيد لاعتماد الحذر معها

null
“السياسات الأوروبية في المشرق” ندوة ديبلوماسية: أين أخطأت، أين أصابت، وهل تدير النزاعات بدل حلّها؟
هل اخطأت اوروبا في عزل سوريا عام 2005، فدفعتها الى احضان ايران؟ هل يكتفي الاتحاد الاوروبي بإدارة الازمات في الشرق الاوسط بدل البحث عن حلول لها؟ باختصار، هل سياساته حيال المشرق فاعلة حقّا؟
هذه بعض الاسئلة التي اثارتها حلقة نقاش نظمها “مركز كارنيغي للشرق الاوسط” في فندق فينيسيا امس، وعرضت خلالها الباحثة الزائرة في المركز الدكتورة موريال أسبورغ ابرز محاور ورقتها المقبلة، في حضور عدد كبير من السفراء والديبلوماسيين وبعض الاكاديميين والمهتمين.
اما الاجوبة، فحاول تقديمها المشاركون الآخرون في الندوة، وهم: رئيس بعثة المفوضية الاوروبية السفير باتريك لوران، السفيرة البريطانية فرنسيس غاي، المستشار الاول في السفارة الالمانية مايكل اونماخت، والسكرتيرة الاولى في السفارة الفرنسية جَنَينا هيريرا.
ورسمت المداخلات والنقاش الذي تبعها، صورة للايجابيات والسلبيات، علما ان الجميع اكد التزام اوروبا حيال لبنان والمنطقة.
بعد تقديم من مدير مركز “كارنيغي” الدكتور بول سالم، أوجزت أسبورغ ابرز عناصر ورقتها عن موضوع الورشة: “السياسات الاوروبية حيال لبنان وسوريا والاراضي الفلسطينية: نحو مقاربة اكثر فاعلية”.
فرأت بداية ان الأوروبيين عززوا نشاطهم في الشرق الاوسط منذ مؤتمر مدريد للسلام، وحددوا ثلاثة اهداف: دعم حل للنزاع الفلسطيني – الاسرائيلي قائم على اقامة دولتين اسرائيلية وفلسطينية، التوصل الى سلام شامل بين اسرائيل وجيرانها، وتوفير مناخ ملائم للاستقرار في المنطقة مع الحد من الأخطار الامنية الآتية من هذه المنطقة وخصوصا الارهاب والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة.
وفي التفاصيل، تطرقت الى المشاركة الاوروبية في “اليونيفيل”، وفي مشروع ادارة الحدود في شمال لبنان، وفي “الرباعية الدولية”، الى المساهمات الامنية في الاراضي الفلسطينية ولا سيما معبر رفح. فلاحظت مثلا في ما يتعلق بالقوة الدولية في جنوب لبنان ان “اوروبا ساهمت في تجميد النزاع ولكن ليس في ايجاد حل له، وباستثناء مسألة الاسرى ما زالت كل المشكلات قائمة، وحزب الله يعيد تسليح نفسه ولا سيما خارج منطقة اليونيفيل، ولم يعد حظر السلاح فاعلا، والخطر بتجدد المواجهات مستمر”.
اما في ما يتعلق بالجهود الامنية على الحدود الشمالية للبنان، او على معبر رفح، فرأت انها “قد تكون مفيدة على مستوى بناء القدرات، لكنها لم تساهم في حل النزاع وتطبيق الاصلاحات، اي انها لم تأتٍ بالنتائج المرجوة”، مضيفة ان “على الاوروبيين بذل جهود توازي بين الوجود على الارض، وبناء القدرات، وحل النزاعات”.
وفي السياسة، اعتبرت ان الاوروبيين سعوا منذ 11 ايلول 2001 الى وضع سياسات تكمّل السياسات الاميركية، بدل تشكيل الوزن المقابل للادارة الاميركية. ولاحظت ان “السياسات الاوروبية بدأت تتناقض مع القيم الاوروبية”. واشارت الى  الموقف من “حماس”، الذي ساهم في تعميق الهوة بين الفلسطينيين. وقالت ان “المقاربة المرتكزة على عزل سوريا لم تؤثر على هذا البلد، بل قرّبته من ايران. ففوّت الاوروبيون فرصة اخراج النظام السوري من دائرة العنف. لكن الوضع تغيّر هذا الصيف” (مع الانفتاح الفرنسي على دمشق).
وقدمت اسبورغ سلسلة توصيات الى اوروبا، منها: “الانتقال من ادارة النزاع الى حل النزاع. واعادة احياء عملية السلام انطلاقا من المسارين الفلسطيني والسوري، ومعالجة ملف لبنان بالتعاون مع الامم المتحدة وباحترام القرارات الدولية”.
وقالت ان في امكان الاوروبيين تحقيق ذلك، “في اطار تعاون حقيقي وفاعل مع الادارة الاميركية المقبلة، التي قد تكون مهتمة بدور اوروبي ارفع، شرط ان يكون الاوروبيون راغبين في هذا الدور وجاهزين للمساعدة في مسيرة السلام وملء الوقت الضائع بين الادارتين الاميركيتين”. رد اوروبا
وتولّى المتحدثون الآخرون التعليق على ورقة أسبورغ، والرد على بعض ما تضمنته من انتقادات لاوروبا.
فأكد السفير لوران ان اوروبا تدرك الحاجة الى حل النزاعات، وتنظر الى الموضوع من زاوية المعالجة التدريجية لاسباب النزاعات، وكذلك عبر تطبيق الاصلاحات الاقتصادية في ما يتعلق بلبنان، واكد ان “من مصلحة اوروبا ان يكون لبنان دولة مستقلة قادرة على فرض دولة القانون. لذلك يجب تعزيز الدولة ودعمها، وهذا ما نفعله. وثمة صعوبة متعلقة بقدرة الادارة اللبنانية على مد يدها الى الاتحاد الاوروبي وبطبيعة لبنان الطائفية”. وامل، مع عودة مجلس النواب الى العمل، في تطبيق الاصلاحات المطلوبة، معربا عن سروره بتخصيص جزء لافت من البيان الوزاري للمجال الاجتماعي والاقتصادي.
اما غاي، فرأت ان التركيز الاوروبي على اقامة دولتين اسرائيلية وفلسطينية يشكل السياسة الصحيحة، لافتة الى الدور الاوروبي المهم في اطلاق عملية مدريد للسلام، ومسيرة الحوار الاوروبي-المتوسطي في برشلونة. واشارت الى صعوبة اتخاذ القرارات ضمن الاتحاد الذي يضم اليوم 27 دولة.
واذ وافقت اسبورغ على اهمية الدور الاوروبي في المرحلة الانتقالية بين الادارتين الاميركيتين، رأت انه لا يقتصر فقط على الوصل بين مرحلتين بل يمكن ايضا ان يعجّل عملية السلام. وشددت على مشكلة كبيرة تتمثل في غياب كلي للثقة بين الاطراف في المنطقة، كاشفة انها صُدمت عندما علمت ان بعض المسؤولين البريطانيين الكبار اعترفوا اخيرا بأنهم ادركوا للتو معنى القضية الفلسطينية!
ورد اونماخت على استنتاج اسبورغ ان السياسة الخارجية الاوروبية في الشرق الاوسط سيئة لانها لم تتمكن من تحقيق ثلاثة اهداف، مشددا على وجود لاعبين من خارج اوروبا لهم تأثير اكبر بكثير في المنطقة. ولفت الى “ان الاهداف محقة، والطريق المختارة جيدة، لكن هذا لا يعني اننا نملك دائما الوسائل الضرورية”.
ولفت الى ان العرب يقدرون الدور الاوروبي المتوازن، وان الوضع في المنطقة كان سيكون أسوأ بكثير من دون اوروبا. وركز على اهمية دور اليونيفيل، “حيث لم نصل بعد الى حل النزاع، ولكن حيث يظهر بوضوح ان ادارة النزاع افضل من استمراره”.
وأوضحت هيريرا موقف الرئاسة الفرنسية للاتحاد الاوروبي من بعض المواضيع التي ذُكرت. فاشارت الى ان اوروبا تساهم منذ عام 2006 في تطبيق القرار 1701 عبر المشاركة في اليونيفيل وفي مشروع ادارة الحدود، لافتة الى ان اليونيفيل تابعة للامم المتحدة لا لاوروبا، وان مهمتها محددة وليست حل النزاع.
وقالت ان الرئاسة الفرنسية تراهن اليوم على الدور الايجابي لسوريا حيال لبنان، وتدعم المفاوضات السورية-الاسرائيلية. وذكّرت ان الاتحاد الاوروبي يبذل جهده حيال النزاع الفلسطيني-الاسرائيلي، وانه الممول الاول للسلطة الفلسطينية، لافتة الى مشكلتي الجدار الامني والمستوطنات. واكدت ان اوروبا مستعدة لدور اكبر في المنطقة، ولا سيما في التوصل الى السلام، مشيرة الى اهمية مبادرة “الاتحاد من اجل المتوسط” في دفع مسيرة برشلونة، وضرورة اصلاح الاتحاد الاوروبي.
عزل سوريا خطأ؟
وكان نقاش حيوي مع الحضور، اتاح للمشاركين شرح اسباب اهتمام اوروبا بالشرق الاوسط، ومنها “المصير المشترك والجغرافيا المشتركة”، والمسؤولية الاخلاقية وخصوصا من بريطانيا، والمصالح الاقتصادية.
وسئل المتحدثون الآخرون هل يوافقون اسبورغ على قولها ان عزل سوريا كان خطأً ودفعها الى احضان ايران، ام يعتبرون انها تبذل اليوم جهدا للخروج من العزلة، مما يدفعها الى التعامل بايجابية نسبية مع لبنان، علما ان العلاقات الديبلوماسية لم تتحقق بعد وثمة مواضيع كثيرة اخرى عالقة بين البلدين؟
فتوافقت غاي وهيريرا على ان سوريا لم تتقرب من ايران بسبب سياسة العزل، بل ان العلاقة بينهما اقدم بكثير. واضافت هيريرا: “صحيح ان العلاقات الديبلوماسية بين لبنان وسوريا لم تتحقق بعد، وما زلنا ننتظر خطوات اخرى في قضايا مهمة. ونتابع كل هذا عن كثب”.
بدورها اوضحت اسبورغ موقفها: “لم اقل ان الضغط على سوريا كان خطأَ، بل كان مصيباً. الخطأ كان في عزل سوريا وقطع كل الاتصالات الرفيعة المستوى بها، لأن اوروبا يجب ان تتواصل دائماً مع الآخرين. والآن يجب الا يتدافع الاوروبيون نحو دمشق، بل ان يتأكدوا من انها ستنفذ الوعود. ويجب ان يكونوا حذرين حيال الحوافز الاقتصادية التي قد تنعكس سلبا على الاصلاحات في سوريا. فسوريا لم تدرك الحاجة الى الاصلاح الا بعدما دُفعت الى خارج لبنان وتعرضت للعزلة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى