ما يحدث في لبنان

عندما يتحوّل بريق المقاومة برقاً

null

محمد الرميحي

حتى الآن، فإن ردة الفعل العربية هي ضبط النفس وكظم الغيظ تجاه ما يحدث في مدينة النور العربية بيروت. كل من شاهد الصور التي تذكّرنا بظلم الإسرائيليين للعرب الفلسطينيين، أو بظلم الكروات للمسلمين،
شاهدها مجددا في بيروت، يقوم بها عناصر حزب الله وأمل تجاه إخوانهم في الدين وفي الوطن، هم مدججون بالسلاح حتى أسنانهم، والآخرون يرتجفون من الخوف، ُعزل من كلّ سلاح إلا إيمانهم بوطنهم. الجماعة نفسها توجهت إلى محطتي المستقبل وجريدة المستقبل فأحرقتهما، وتمّ قتل حتى من مشى في جنازة يودّع للمرة الأخيرة عزيزاً عليه أسقطه رصاص المقاومة الذي استهدف الأهل، وبذلك سقطت مقولة قديمة صدّقها البسطاء أن سلاح حزب الله لن يرتدّ إلى أهله وذويه، أولئك الذين ناصروه في الضّراء، فعاد إليهم لمّا اشتدّ عوده.

ما حدث من حرق ومداهمة للوسائل الإعلامية هو محاولة لفرض «جمهورية خوف» جديدة على عاصمة النور، وإن تحقق ذلك فإن الذين يبلعون ألسنتهم اليوم من دون أن يجهروا بالاعتراض سوف ينالهم ما نال سابقيهم، سوف تقطع ألسنتهم بسبب قبولهم بلعها في الوقت العصيب.

قلنا أكثر من مرة، إن حزب الله ذو شوكتين أولاهما ضد إسرائيل، وهي غير الفعّالة، والثانية الفعّالة هي في قلب بيروت، وقد صدّقت الأحداث في اليومين الماضيين ذلك.

لم يجرؤ أحد بعد، حتى في عز الحرب الأهلية اللبنانية اللعينة السابقة، أن يخرج الناس من بيوتهم، أو يخرب المؤسسات، فقط عند احتلال بيروت قامت القوات الغازية الإسرائيلية باقتحام مؤسسة الدراسات الفلسطينية وبعثرة محتوياتها، قام حزب الله ومناصروه باقتحام مؤسسة الحريري، وهي مؤسسة خيرية قامت بتعليم خمسة وثلاثين ألف طالب وطالبة لبناني تعليماً عالياً في جامعات العالم، لم تفرّق بينهم من حيث الطائفة أو المذهب أو الدين، وكان جزاؤها أن دخل عليها بضعة مسلحين، ربما لا يعرفون في حياتهم غير السلاح، ليعبثوا في سجلاتها، ترى أية أسرار عسكرية في تلك السجلات؟!

ما حدث في بيروت أفقد كثيرين تعاطفهم مع مقولات حزب الله، بل ووضع فكرته وسلاحه موضع الشك العميق.. فاستمرار المواجهة ربما يقود إلى أن يقتل حزب الله من المواطنين اللبنانيين العزل، من طائفة واحدة، أكثر بكثير من الإسرائيليين الذين قتلهم في حرب دامت أكثر من شهر، عندها سيحقق النصر المبين على أهله وعلى فكرته.

لقد أخرج حزب الله سلاحه المنظم برجاله الملثمين وبخلفيتهم التدريبية العالية ليواجه عزلاً في تلفزيون المستقبل وفي جريدة المستقبل في أحياء بيروت، إلا أن القوة الفظّة لا تُكسب نصراً على الأهل، النصر هو القيمة الإنسانية الأخلاقية التي تمثلت في خطاب فؤاد السنيورة، ذلك الرجل الصابر الذي طعنت مواطنته في أكثر من مكان بطعنات نافذة، واتهم أكثر من اتهام باطل، وظل صابراً لا من أجل تحقيق مكاسب شخصية أو فئوية، بل من أجل الحفاظ على لبنان، كل لبنان، دولة مستقلة عربية وديمقراطية، ومن أجل عدم تحويل لبنان إلى جمهورية خوف.

وها هي المسيرة السلمية الشجاعة التي تجمهر فيها طائفة من العاملين في الإعلام اللبناني كي يمشوا محتجين تحت تهديد السلاح إلى مقر تلفزيون المستقبل، في ظاهرة رمزية تقول لمن يريد أن يعرف: إن الحق فوق القوة، وشجاعة الرجال المؤمنين لها صوت يفوق صوت الرصاص ودوي القنابل.

لقد كانت الأزمة السياسية في لبنان تسرق النوم من عيون اللبنانيين، وتبعثرهم شتاتاً في أنحاء العالم، فأصبحت تسرق النوم من عيون العرب، من المحيط إلى الخليج. قد يقتل حزب الله آلاف الرجال والنساء في بيروت، ولكنه لا يعرف أنه يضيّق الخناق على فكرته، فكرة المقاومة التي ذهب بريقها وأصبح برقاً يغشى العيون.
أوان الكويتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى