صفحات أخرى

هل الحداثة العربية منفصلة عن نظيرتها العثمانية؟

مراجعة: محمد م. الارناؤوط
ماذا يعني أن تصدر 25 طبعة لكتاب في أقل من 25 سنة، وخاصة اذا كان في التاريخ التخصصي وليس في الطبخ أو السحر؟.
يحتاج الأمر إلى أكثر من تفسير اذا عرفنا ان الكتاب صدر في الدولة المجاورة (تركيا) التي نشترك معها في التاريخ الحديث وندخل معها الآن في علاقات جديدة من موقع القوة الاقتصادية والمكانة الجيوسياسية التي أصبحت تتمتع بها.
الكتاب هو “الإمبراطورية في أطول القرون” للمؤرخ التركي البير اورطايلي الذي صدرت ترجمته العربية اخيرا في دمشق بعنوان “الخلافة العثمانية: التحديث والحداثة في القرن التاسع عشر” التي أنجزها عبد القادر عبدلي.
وتنبع أهمية الكتاب من انه يدرس بمقاربات جديدة تجربة الحداثة في الدولة العثمانية خلال القرن التاسع عشر، وبذلك فقد قدم خلفية شاملة موضوعية عن تجربة الحداثة ومآلها.
ونظراً لأن الحداثة لم تكن حداثة تركية، كما يعتقد، بل هي حداثة عثمانية شارك بها أفراد من أصول قومية مختلفة (أتراك وألبان وشركس الخ) واستفادت منها شعوب مختلفة كانت تكوّن الدولة العثمانية (الأتراك والعرب الخ)، فقد حظي هذا الكتاب بالاهتمام في الدول المنبثقة عن الدولة العثمانية. وهكذا فقد ترجم حتى الآن إلى اليونانية والصربية والمجرية وأخيرا إلى اللغة العربية.
ولكن بالمقارنة مع الطبعات التي صدرت للكتاب في التركية والترجمات التي صدرت له وأثارت الاهتمام، فإن الترجمة العربية تبدو كأنها خجولة سواء من حيث عدد النسخ التي صدرت بها أو من حيث الاهتمام بها إذ لم يصدر حسب علمي أي عرض لهذا الكتاب حتى الآن.
ومن المستغرب بشكل خاص أن يبقى هذا الكتاب مجهولاً لمن يهتم بالحداثة ويشتغل بها وينظر لها، حيث إن الحداثة العثمانية هي أم الحداثة في المنطقة التي آلت لاحقاً إلى حداثات “قومية” جديدة في الدول التي انبثقت عن الدولة العثمانية العتيدة.
ان النقطة الأولى التي ينطلق منها المؤلف هي ان الحداثة العثمانية لها جذورها في القرن الثامن عشر وحتى ما قبل ذلك. ومن هنا فإن ما تحقق في القرن التاسع عشر لم يأت من فراغ.
وأما النقطة الثانية التي تعنينا أكثر فهي أن الحداثة العثمانية ليست تركية خالصة بل هي عثمانية شارك في إطلاقها أفراد من عدة قوميات واستفادت منها عدة شعوب كانت ضمن الدولة العثمانية. وبالاستناد إلى ذلك يعتبر المؤلف ان دراسة الحداثة العثمانية لم تنته مع هذا الكتاب بل هي تبدأ به طالما يمكن أن يثير نقاشاً مع المؤرخين في الدول المنبثقة عن الدولة العثمانية (من البوسنة في الشمال وإلى اليمن في الجنوب)، وبالتالي يجب أن يستكمل تاريخ هذه الحداثة بالاستناد إلى مراكز الوثائق في هذه الدول (وليس الارشيف العثماني فقط) وبالتعاون فيما بين المؤرخين والباحثين في هذه الدول.
ويتوقف المؤلف في النقطة الثالثة عند مآل الحداثة العثمانية. فقد أثمرت هذه حداثة جديدة مع الجمهورية الكمالية، بمعنى أن ما جرى في عهد مصطفى كمال كان استمرارا لما بدأ وليس قفزا في المجهول.
ومع أن المؤلف لم يتعرض لمآل الحداثة العثمانية خارج تركيا الحالية على اعتبار ان هذه مهمة المؤرخين والباحثين في الدول المنبثقة عن الدولة العثمانية، ولذلك يطرح السؤال هنا: هل يمكن الحديث عن حداثة عربية بدون الاقتراب من الحداثة العثمانية ومعرفة الظروف التي أفرزتها ومآلها؟.
وبالاستناد إلى ذلك يطرح السؤال التالي: هل يمكن الحديث عن تحديث ساطع الحصري (الذي أشار له المؤلف بشكل عابر) في سورية والعراق دون معرفة موقعه في الحداثة العثمانية؟
وبعبارة أخرى ان هذا الكتاب يكشف فيما يكشف بعد حوالي سنة من صدوره، عن غربة الحداثة العثمانية عن ورثتها العرب حيث انه يستحق اهتماما أكبر من قبل المعنيين بالحداثة في المنطقة ومآلاتها.

الكتاب: الخلافة العثمانية: الحداثة والتحديث في القرن التاسع عشر
الكاتب: البير اورطايلي
الناشر: دمشق، دار قدمس 2007
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى