صفحات مختارة

زهير سالم, و احتكار الكلمة السواء

حمزة رستناوي
يمكن الوقوف عند النقاط الأربع الثلاثة التالية في دراسة السيد زهير سالم المعنونة “ثنائية العقل الديني و العقل السياسي” المنشور في الحوار المتمدن
* النقطة الأولى : أن الغرض من دراسة هو توضح أن ” المنهج القرآني في مقرراته الإسلامية كان خارج السياق التاريخي المشار إليه. وكانت له قوانينه وقواعده غير المنتمية إلى معطيات الفكر الزمكاني”
* النقطة الثانية :الاختلاف الجوهري بين الاسلام و المناهج الدينية و الوضعية الأخرى و تفرد المنهج القرآني بالدعوة للكلمة السواء” ” ينسب العهد الجديد إلى السيد المسيح / متى 12/30 / قوله: (من ليس معي فهو ضدي. ومن ليس يجمع معي فهو يفرق). تلك المقولة هي بعض معطى العقل الكلاسيكي التي ما زلنا نسمعها شعارات أو نلمحها سياسات, ونحن في القرن الحادي والعشرين.. بينما يتفرد القرآن الكريم بدعوته المفتوحة إلى الكلمة السواء في عصر الثنائيات التي لم تجد حلا للآخر في غير استئصاله أو إلغائه أو إقصائه..
ومنذ أن حط الرسول الكريم المدينة المنورة بادر تحقيقا للمنهج الذي جاء به إلى جمع المتفرق ليظلل المتعدد بمظلة واحدة فكانت صحيفة المدينة أول وثيقة لمجتمع متعدد الأعراق والأديان في بناء مدني واحد.”
* النقطة الثالثة : يقترح تفسيرا جديدا غير مألوف للكفر: “في حديث القرآن الكريم عن الكفر والإيمان، كأنك بالقرآن باختياره اللغوي عنوانا للكافرين ينفي وجود (الكفر) بمعناه الاصطلاحي المقرر (الجحود)!! فالذي (يعلم من خلق) يصف هذا الفريق من الناس بأنهم مراوغون أكثر منهم جاحدين. لأن الإيمان ذخر مخبوء في كل قلب وأقصى ما يستطيع هذا المراوغ أن ينفيه أو أن يخفيه. وكل ما يستطيع أن يفعله هذا الفريق من الناس أن يغطوا حقيقة الإيمان في قلوبهم بما تردده ألسنتهم أو تكسبه أيديهم.. فالكفر في لغة العرب لغة القرآن هو التغطية والحجب كما يكفر السحاب النجوم على حد قول لبيد..( في ليلة كفر النجومً غمامُها). على أساس هذه الرؤية الإسلامية في آفاقها المفتوحة المتسامية ستتخلف معنا عقلياً وعملياً ثنائيات الفرز الآلية أو المسبقة.”
انتهى الاقتباس.
&
المناقشة :
* النقطة الأولى : الدراسة تعرض “المنهج القرآني” خارج السياق التاريخي فهو – من وجهة نظرها- لا ينتمي إلى معطيات الفكر الزمكاني؟ والقول بجوهرانية المنهج القرآني, يعبر عن جذور مصالح شكل جوهرانية تجعل هذا المنهج متمايز جوهريا عن غيره, و لا كمحصلة لأبعاد الكينونة الاجتماعية المعاشة؟
و يكفي للتدليل على منافاة هذه المصالح للبرهان القول أن النص القرآني يعرض لمصالح تتعلق بالعبيد و ما ملكت أيمانكم مثلا ً؟ و هذا أمر لا يمكن فهمه خارج السياق الزمني ؟
و كذلك يكفي للتدليل على منافاة المصالح المعروضة للبرهان التذكير بكون المصالح القرآنية معروضة باللغة العربية و المخاطب بها أساسا العرب؟
و كذلك كون النص القرآني يختص بعض الأشجار بالذكر كالنخيل و التين و الزيتون لكونها معروفة في بيئة العرب المعاصرين للبعثة النبوية , و لم تُذكر المنجا و الأناناس و الكيوي مثلاً؟ و كذلك يكفي للتدليل على زمكانية النص القرآني وجودة في تاريخ معين على مسرح التاريخ ؟ و هذا لا يحمل أي انتقاص من قيمة النص القرآني كنص يتحوّى البعد الزمني و المكاني, و لكنه يعري دعاوى القول بلا تاريخية القرآن و تعاليه عن الفكر الزمكاني؟
و اللغة هي بُعْدْ و نتاج “زمكاني” بامتياز؟
&
* النقطة الثالثة : المصالح المعروضة في الدراسة تتحوّى إشكالية “تفرد القرآن الكريم بدعوته إلى الكلمة السواء” دون غيره, و هي إشكالية صراعية عند عموم الناس من غير الموالين للعقد الفئوي الإسلامي, و رغم أن المصالح المعروضة ذات توظيف عقدي فئوي إسلامي إلا أنها أكثر حضورا ًفي الصراع و الهجوم على المخالفين منها في مخاطبة الموالين لها , و هي لا تستند في أحكامها على نصوص العقد الفئوي الإسلامي فقط, بل تعرض لنفسها من خارج مرجعية العقد الفئوي الإسلامي عند ما تعرض لنصوص من العهد الجديد و تناقشها استنادا لمرجعية برهانية عامة عند البشر , فالمصالح المعروضة هنا صراعية مع المولين للعهد الجديد “المسيحيين” و سائر الدعوات غير القرآنية لاحظ قوله “بينما يتفرد القرآن الكريم ” و تفسير كونها مرجعية منافية للبرهان,حيث أنها تقوم على ذاكرة انتقائية في تعاملها مع نصوص الإنجيل و نصوص السيرة النبوية,بما يؤسس لازدواجية معايير , حيث أنها تقوم بانتقاء نص من العهد الجديد يؤسس لمصالح أحادية سلبية , و يقوم بانتقاء نص من السيرة النبوية يؤسس لمصالح تعاون ايجابية مع يهود بني عوف, و من ثم تعرض لمصالحها المنافية للبرهان في كون” يتفرد القرآن الكريم بدعوته المفتوحة إلى الكلمة السواء”, و المصالح التي تعرضها الدراسة تعميمية ,تعمم وجهة نظرها على المسيحيين و سائر الدعاوى و الرسائل الأخرى في كونها لا تدعوا إلى كلمة السواء” يتفرد القرآن الكريم بدعوته المفتوحة و سأقوم هنا بعرض مصالح مُصَمَّمَة بطريقة مماثلة للمصالح المعروضة و لكن من وجهة نظر أخرى – عقد فئوي مسيحي- , للبرهنة على منافاة المصالح المعروضة للبرهان و عرضها لازدواجية المعايير.
النص الافتراضي: ورد في أنجيل متى ” سمعتم أنه قيل: تحب قريبك وتُبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مُبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم (مت 5: 43 ، 44)” , و هذا ما ينفرد به الدين المسيحي عن بقية الأديان و خاصة الدين الإسلامي, لنرى وصية نبي المسلمين التي تقوم على مبدأ الفرز بين البشر بين من هو معنا و من هو ضدنا , و كيف أنه بناء على هذه الوصية يستحل المسلمين دماء غيرهم من البشر” عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى. (رواه البخاري ومسلم)” فالنص الافتراضي الذي عرضته هو نص يعرض لمصالح صراعية كونه يتحوّى اشكالية, و لا يعرض حلاً , و رغم أنه يعرض مصالحه ضمن مرجعية عقد فئوي مسيحي, إلا أنه يتحوى حضور قوي لمصالح صراعية مع المسلمين , و أما الحكم على الجذور المنطقية للمصالح فهو :شكل جوهر كلي, كونها تقدم مصالح منافية للبرهان,تستند على ذاكرة انتقائية في اختيارها للاستشهادات , و هي تعميمية تبرر ازدواجية معايير؟
انتهى
إن ادعاء المصالح المعروضة- المقال – بكون” يتفرد القرآن الكريم بدعوته المفتوحة إلى الكلمة السواء” فهي دعوى غير برهانية – على الأقل كما وردت في الفقرة المُقاسة – فهذا يستلزم منطقيا من المصالح المعروضة استعراض وجهات نظر الدعاوى الأخرى برهانيّا, و ثم عرض وجهة النظر “الإسلامية” بعد مناقشة مستفيضة للنصوص المختلفة ..الخ . فعلى سبيل المثال : دعاوى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الأولى “يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء.” هي دعوة إلى الكلمة السواء , و الدعوة إلى الكلمة السواء متفشية في التراث الإنساني و الديني للشعوب و المجتمعات و ليست حكرا على فئوية معينة؟
&
النقطة الثالثة :المصالح المعروضة- في المقال- تتحوّى فهم جوهراني للمنهج القرآني كمنهج فوق تاريخي , لاحظ : “في حديث القرآن الكريم عن الكفر والإيمان، كأنك بالقرآن باختياره اللغوي عنوانا للكافرين ينفي وجود (الكفر) بمعناه الاصطلاحي المقرر (الجحود)!! فالذي (يعلم من خلق) يصف هذا الفريق من الناس بأنهم مراوغون أكثر منهم جاحدين.” فضمير المتكلم هنا على لسان على القرآن “كأنك بالقرآن ..ينفي وجود الكفر” فالمصالح المعروضة تتحوّى مصالح القرآن بأل التعريف , و ليس اجتهادها هي في فهم القرآن ؟! و هي تعرض لمرجعية منافية للبرهان عند تعريفها للكفر ؟ لاحظ ” فالكفر في لغة العرب لغة القرآن هو التغطية والحجب كما يكفر السحاب النجوم على حد قول لبيد..( في ليلة كفر النجومً غمامُها).” فالذي يفهم من هذا القول أن الكفر= التغطية و الحجب في اللغة العربية , دون أن يحتمل دلالات أخرى كدلالة الجحود و الرفض لاحظ ” كأنك بالقرآن باختياره اللغوي عنوانا للكافرين ينفي وجود (الكفر) بمعناه الاصطلاحي المقرر (الجحود)!!” , رغم أن الكفر بمعنى= الجحود و الرفض ورد في كلام العرب و معاجمهم فالقول أن الكفر يعني التغطية فقط و ليس الرفض ,هو قول منافي للبرهان للغوي ؟
فلو أن المصالح المعروضة قالت “من معاني الكفر التغطية و الحجب و هم ينسجم مع المعاني القرآنية للكفر في القرآن الكريم ..الخ” لكان الوضع مختلفا , و هي لا تعرض لقرائن برهانية كافية فيما يخص شرحها للكفر= الحجب و التغطية. و تستشهد بشطر بيت شعر للبيد بن ربيعة ,و لا تعرض وجهات نظر من يقول بالخلاف ذلك و لا تناقش حججهم؟
فللكفر دلالات مختلفة : منها دلالات في اللغة متعددة و متطورة تبعا للزمان و المجتمع و السياق , و أخرى دلالات اصطلح عليها المشتغلون في علوم الدين, بمعنى الكافر نقيض المؤمن. و مما ورد في معجم لسان العرب حول معاني كلمة “كفر””
و “الكُفْرُ: نقيض الإِيمان؛ آمنَّا بالله وكَفَرْنا بالطاغوت؛ كَفَرَ يَكْفُر كُفْراً وكُفُوراً وكُفْراناً. ويقال لأَهل دار الحرب: قد كَفَرُوا أَي عَصَوْا وامتنعوا.
والكُفْرُ: كُفْرُ النعمة، وهو نقيض الشكر. والكُفْرُ: جُحود النعمة، وهو ضِدُّ الشكر. وقوله تعالى: إِنا بكلٍّ كافرون؛ أَي جاحدون. وكَفَرَ نَعْمَةَ الله يَكْفُرها كُفُوراً وكُفْراناً وكَفَر بها: جَحَدَها وسَتَرها.
وكافَرَه حَقَّه: جَحَدَه. ورجل مُكَفَّر: مجحود النعمة مع إِحسانه. ورجل كافر: جاحد لأَنْعُمِ الله، مشتق من السَّتْر، وقيل: لأَنه مُغَطّىً على قلبه. ”
* الخلاصة :المصالح التي تعرضها دراسة زهير سالم تتحوّى مصالح “شكل جوهراني” ,تدعي لنفسها دون غيرها الانتساب إلى جوهر الهي , و تعرض للمنهج القرآني كمنهج متعالي عن التاريخ و أبعاده الزمكانية . و رغم أن المصالح المعروضة في الدراسة ترفض الفرز على أساس ديني وتدعو للانفتاح على غير المسلمين
كاستشهادها بقصة المرأة التي دخت النار في قطة حبستها..الخ , و كذلك بعرضها لمصالح (وكلكم آتيه يوم القيامة فرداً).( كل امرئ بما كسب رهين) (لا تزر وازرة وزر أخرى) و كذلك في ادانتها لتصنيف ” الناس حزمة واحدة مصمتة ثم نرميهم بما نشاء من أوصاف الهدى أو الضلال، أو الخير أو الشر.” أقول كل هذا عرض لمصالح ايجابية , تتحوّى الجذور المنطقية للشكل, و لكنه شكل يستند إلى مرجعية “شكل جوهرانية” تتحوّى المنهج القرآني ككينونة متعالية عن التاريخ و تتميز عن غيرها جوهريا, و رغم أن المصالح المعروضة تفيد المسلمين قبل غيرهم , إلا إنها لا تلزمهم بالضرورة المنطقية, فلا يوجد ما يمنع من الأخذ باجتهادات أخرى ضمن إطار المرجعية العقدية الفئوية الإسلامية ذاتها. و هي لا تعرض مصالحها بالاستناد إلى البداهة الكلية للمصالح المشتركة , و بشكل ملزم برهانيا للمسلمين و غير المسلمين , أو على الأقل من خلال مرجعية غير منافية للبرهان و غير مبررة لازدواجية المعايير,
و هي لو فعلت ذلك فلن تخسر شيئا غير ازدواجية المعايير و الكيل بمكيالين ,و بذلك تبرهن – حقيقة- على أنها دعوة مفتوحة للكلمة السواء, و ليست –كما عرضت نفسها في الدارسة- دعوة احتكارية للكلمة السواء؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى