صفحات سورية

رحيل مشرف

null
حسام عيتاني
انتهى عهد الرئيس برويز مشرف مثلما بدأ: فوضى سياسية وتوتر متصاعد مع الهند وأزمة اقتصادية خانقة وسؤال مقلق عن مستقبل الحكم المدني في باكستان.
أراد مشرف في خطاب الاستقالة وضع الإنجازات التي تحققت في باكستان في الأعوام الماضية، من توسيع للبنية التحتية، وخصوصا شبكة الطرق وتحسن في العلاقات مع الهند (قبل أن تعود الى التدهور قبل أشهر)، في خانته والتحذير من أن التحالف المعارض الذي يتولى الحكومة سيعيد البلاد الى ما كانت عليه قبل تشرين الاول ،١٩٩٩ تاريخ انقلابه على رئيس الوزراء آنذاك وخصمه الحالي نواز شريف. كانت باكستان قبل تسعة أعوام تقترب من الانهيار الاقتصادي الشامل. فالفساد كان قد نخر كامل البنية الادارية، فيما الأداء العام للاقتصاد الوطني في حال يرثى لها. والحرب الصغيرة التي دارت بين باكستان والهند في مرتفعات الهمالايا (جبال كارغيل) قد انتهت بإصابة العلاقات بين المؤسسة السياسية المدنية الباكستانية والجيش بنكسة خطيرة ومهدت لانقلاب مشرف بسبب إصدار شريف الأمر بانسحاب القوات الباكستانية التي رأت أنها تحقق انتصارا في الحرب.
في التحذير الذي ساقه مشرف قدر من الحقيقة كبير. فليس من يتوقع أن يتفق شريف وحليفه المؤقت زعيم حزب الشعب آصف علي زرداري على كيفية انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفا لمشرف. زرداري الذي حل مكان زوجته الراحلة بنازير بوتو على رأس حزبها، يمثل العدو الكامل لشريف، وهذا ليس إلا الرجل الذي نكّل بعائلة بوتو وألقى بزرداري في السجن بسبب جرائم فساد. ومعلوم أن الرجلين يتشاركان بتاريخ حافل بالتلوث المالي واستغلال المناصب العامة وتعميم الزبائنية. هذا ما شكل سنداً مهماً في مسعى مشرف لتأكيد شرعيته منذ أن استولى على السلطة وما لا ينكره أحد، على أي حال.
وليس سرا أن تحالف الضرورة الذي نشأ في أعقاب اغتيال بنازير بين آصف زرداري ونواز شريف والذي اتخذ من تقصير مشرف في حماية رئيسة الوزراء الراحلة عنوانا لتركيز الهجوم عليه، هو أقل بعد من »رفقة الطريق« بين خصمين لن يتورعا عن الانقضاض على بعضهما بعضاً عند أول سانحة.
ومشرف الذي تمتع في الأعوام القليلة الأولى بعيد وصوله الى الحكم بشعبية لا تُنكر، ارتكب سلسلة من الأخطاء التي أدت الى حشد معسكر واسع من الخصوم ضده. من إصراره على الجمع بين منصبي الرئيس وقائد الجيش، الى عدائه لقضاة المحكمة العليا والمحامين، الى إخفاقه في معالجة الاضطرابات في المناطق القبلية.
والاضطرابات القبلية التي تمددت في العامين الماضيين لتشمل أكثر مناطق إقليم الحدود الشمالية الغربية، لا تعود كل أسبابها الى نشاط طالبان وأنصار تنظيم القاعدة هناك. بل إن جزءا من الأسباب يرجع الى جملة من العوامل الاقتصادية والتاريخية المتعلقة بمستوى من الفقر مدقع يندغم على ولاءات قبلية عابرة للحدود مع الباشتون في أفغانستان المجاورة الذين يشكلون العمود الفقري لطالبان، وبالتالي الأرضية التي ينشط أتباع أسامة بن لادن عليها.
صحيح أن معادلة مستحيلة نهضت في وجه مشرف في الأعوام التي تلت أحداث ١١ أيلول، يمكن اختصارها بربط القوى الإسلامية وبعض القبائل بين وتيرة مطاردة الأجهزة الرسمية الباكستانية لطالبان والقاعدة بدرجة التصعيد الأمني في الداخل الباكستاني، وبالتالي بالحدود التي يمكن لمشرف الذهاب إليها في تحالفه مع الولايات المتحدة والانخراط في حرب هذه الأخيرة على الإرهاب. لكن هذه المعادلة لم تكن، في نهاية المطاف، السبب الأهم في القضاء على حكم مشرف.
بل يمكن القول إن مشرف قد خسر رصيده في المعارك مع الفصائل السياسية في اسلام اباد وكراتشي وروالبندي قبل ان يخسر الحرب على طالبان والقاعدة. وعلى غرار الكثير من عسكريي العالم الثالث الانقلابيين الذين يصورون أنفسهم منقذين لشعوبهم في لحظات الأزمات، أبى مشرف الاعتراف بتواضع قدراته على الإحاطة بخريطة داخلية وخارجية شديدة التعقيد. واذا كان قد نجح في لجم التوتر مع الهند من خلال إمساكه بمقاليد الجيش وجهاز الاستخبارات العسكرية الواسع النفوذ، إلا أن انهيار حلفائه في الانتخابات التي جرت في شباط الماضي، أرسل رسالة واضحة الى الجيش والاستخبارات بالتخلي عن الرجل الغارق في مشكلاته الداخلية.
المسألة الأكثر تعقيدا تبقى في هذه القدرة الباكستانية على السير من انقلاب عسكري الى آخر، مرورا بفترة مضطربة من الحكم المدني الفاسد. وهي قدرة ليست فريدة في بابها، غير أنها في المثال الباكستاني تبدو أسطع اذا قورنت بدول مجاورة قطعت أشواطا مهمة على طريق التنمية والإصلاحات السياسية والاقتصادية.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى