صفحات العالم

الانسحاب بعد الدمار

سميح صعب
بانسحاب القوات الاميركية المقاتلة من العراق بعد أيام ينطوي فصل آخر من فصول الحرب “غير الضرورية” على حد وصف الرئيس الاميركي باراك اوباما. فالذي يثبت يومياً ان إطاحة صدام حسين لم تكن تستأهل كل هذه الدماء التي سالت في العراق وحرباً مذهبية بين السنة والشيعة وتوتراً بين العرب والاكراد وغموضاً في ما سيؤول اليه مستقبل بلد كان في وقت من الاوقات قوة اقليمية مرهوبة الجانب، فضلاً عن ما يمتلكه من ثروات طبيعية وبشرية على حد سواء تؤهله كي يحتل مكانة مرموقة بين الدول النامية التي تحتل اليوم موقعاً متميزاً على صعيد التقدم الاقتصادي والتطور العلمي.
هذا ما كان يجب ان يكونه العراق. لكن مع الدخول في حرب الخليج الاولى بدأت عملية استنزاف قدرات هذا البلد، واتت حرب الخليج الثانية لتستنزف ما تبقى من الطاقة العراقية. حربان خاضهما العراق من دون طائل. وكان الحصار الذي فرضته الامم المتحدة منذ الغزو العراقي للكويت قاتلاً بالنسبة لإحداث تحول حقيقي في قدرات العراق وشل قواه، حتى اذا جاء الغزو الاميركي عام 2003 كانت الامور قد وصلت الى ما لا طاقة للعراقيين على احتماله. فكان السقوط السريع للنظام وما تلا ذلك من عنف مذهبي ذهب ضحيته عشرات الآلاف من العراقيين ليضافوا الى قائمة الضحايا الذين سقطوا نتيجة الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضاً منذ غزو صدام حسين للكويت.
وبالنتيجة حل الدمار بالعراق، ولم تفلح حتى الآن كل الجهود في اعادة تركيب نظام سياسي مستقر. فلا اتفاق بين الكيانات الشيعية نفسها في النظرة الى المستقبل ولا اتفاق على طريقة اقتسام السلطة. كما لا اتفاق بين السنة والشيعة على المستقبل وعلى الكيفية التي يجب ان يحكم فيها العراق، في حين ان الاكراد ماضون في بناء مستقبلهم بمنأى عما يجري بين السنة والشيعة وكأنهم باتوا مفصولين قولاً وفعلاً عن الحكومة المركزية في بغداد او كأنهم لم تعد تعنيهم الصراعات على السلطة في المركز في الوقت الذي يجري فيه تدعيم مقومات دولة مستقلة على الارض في الشمال تتحين اللحظة المناسبة لاعلان انفصالها الفعلي عن المركز.
وفيما الجيش الاميركي ينسحب من العراق، فإنه لا يترك وراءه تجربة ناجحة حتى ولو صوّر البيت الابيض الامور على غير ما هي. فإطاحة صدام لم تحقق حتى قيام نظام ديموقراطي يتم فيه تداول السلطة بسلاسة. واكبر دليل على ذلك ذاك التعثر في الاتفاق على تشكيلة الحكومة الجديدة على رغم مضي خمسة اشهر على اجراء الانتخابات النيابية. فمن في السلطة لا يريد التخلي عنها، ومن يطمح اليها لا يريد اعطاء الآخر الضمانات التي تجعل منه شريكاً في الحكم.
وينسحب الجيش الاميركي والوضع الامني ليس في مستوى مثالي، وفيما الهجمات لا تزال تتوالى والضحايا يسقطون. فإذن بماذا يحق للاميركيين بأن يفاخروا به خلال اكثر من سبعة اعوام من وجودهم في العراق. واذا كان اسقاط نظام صدام هو اكثر ما يتباهى به المسؤولون الاميركيون، فإن كلفة ذلك كانت ثقيلة على الشعب العراقي وعلى مستقبل العراق. وعلى رغم الاعوام السبعة لم تتمكن واشنطن من “بناء امة” في العراق. وفشلت في تحقيق ديموقراطية حقيقية، وفشلت في ارساء الامن. لا بل كانت السبب في زعزعة امن العراق وادخال تنظيم “القاعدة” اليه.
وكل ما فعلته الولايات المتحدة بقيادة رئيسها السابق جورج بوش هو تدمير بلد من دون رؤية واضحة لكيفية اعادة تركيبه. ويثبت ايضاً قصور الرؤية الاميركية عند اتخاذ قرارات استراتيجية على مستوى احتلال بلد ومحاولة اعادة بنائه وفق رؤية لا تتفق والواقع المعاش فيه.
فهل يتعظ باراك اوباما من التجربة العراقية ولا يكررها في افغانستان؟
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى