صفحات الحوار

قسطنطين زريق: القومية ظلّت حلماً ولم تنزل الى الواقع … نحن مبعثرون وغياب العقل سبب هزائمنا المتعاقبة

null

ميشال معيكي

حوار غير منشور أجري معه عند صدور أعماله الكاملة …

قسطنطين زريق قامة فكرية عريقة، متماسكة الشخصية والأفكار. في دمشق كانت ولادته عام 1909، ثم انتقل الى بيروت والتحق بالجامعة الأميركية في بيروت لدراسة الآداب، ثم درس التاريخ والفلسفة في جامعتي شيكاغو وبرينستون في الولايات المتحدة الأميركية (1930).
في عام 1946 عينته الحكومة السورية وزيراً مفوضاً في واشنطن وفي الوفد السوري لدى الأمم المتحدة. نائب رئيس للجامعة الأميركية في بيروت وعميد كليات وأستاذ للآداب والتاريخ والفلسفة وأستاذ زائر في أكثر من جامعة في الولايات المتحدة

ترك أعمالاً كثيرة منها: «الوعي القومي»، «معنى النكبة»، «أيّ غد؟»، «نحن والتاريخ»، «هذا العصر المتفجر»، «في معركة الحضارة»، «معنى النكبة مجدداً»، الى الكثير الكثير من المؤلفات

أكاديمي، مفكر، صاحب تجربة سياسية واقتصادية واجتماعية، درس طويلاً واقع المجتمعات العربية، رابطاً بين النتائج المزرية وأسبابها وفق تعليل منطقي. أفنى قرناً من العمر وهو يصرخ «أيها العرب عليكم بالمعرفة والعلم!».

مؤرخ ثاقب البصر والبصيرة، قومي النزعة، علماني المنحى، رصد حركات التحول التاريخية – الاجتماعية – السياسية في هذا المشرق العربي ومغربه. هندس الفكر القومي المعاصر، وأخرج القومية من رومانسيتها الحالمة، الى «واقعية» حديثة تسترشد بالتحليل العلمي سبيلاً الى الالتزام. كتب يوماً: «من نكبة عام 1948 الى نكسة 1967، الى هزائم الحاضر العربي… فتش عن غياب العقل!».

بعنف أو تشبث العارف المستشرف المستميت، هزّ الضمير العربي الغارق في سبات، وبنبل الفارس الحزين المكسور، وقف على رصيف الشرق شاهداً على انكفاء وهج الأفكار التنويرية السمحة، أمام هياج الغرائز. ثم مشى شاهد العصر

هذا الحوار معه كان ذات أصيل من صيف 1996، في بيته في «رأس بيروت»، في مناسبة صدور أعماله الكاملة قبل اربعة أعوام من رحيله (2000). وقد ظل طي الأدراج طوال تلك الأعوام، لكنه يبدو وكأنه أُجري اليوم، نظراً الى راهنيّته وخلفيته النقدية.

ما هي الروافد الأساسية التي ساهمت في تكوين اتجاهاتك القومية العلمانية؟

أنا كمفكر، وكمتتبع لمسارات الأحداث في العالم عموماً وفي بلدنا خصوصاً، وجدت من خلال تطلعاتي ودراساتي التاريخية أن القومية تلعب دوراً كبيراً في تكوين الشعوب، وأن شعوبنا العربية، تحاول أن تتقدم على الطريق القومي. فوجدت أن من واجبي أن أستوضح معنى القومية، كي أستطيع أن أخدم بلادي فكرياً. أما المؤثرات فكثيرة، أولها في طفولتي ونشأتي الأولى في دمشق، إبان الهبّة الأولى للقومية التي جاءت مع تحرر سورية من الحكم العثماني، وتطلعها الى إنشاء كيان عربي قائم على الاستقلال والاتحاد مع بقية الشعوب العربية.

ثانياً: المدارس التي درست فيها في طفولتي الدمشقية، وكانت طائفية لكنها مفتوحة على الطوائف الأخرى فنشأتُ فيها متجهاً نحو الفكرة العربية.

ثالثاً: عندما جئت الى الجامعة الأميركية في بيروت، التقيت شباناً كثيرين من الأقطار العربية، وكانت صدورهم مفعمة بفكرة القومية العربية وبحلم تحقيقها، وترسخت الفكرة أكثر فأكثر زمن التحصيل في الولايات المتحدة وحين عدت الى بيروت للتدريس.

تناولت في كتاباتك بخاصة فترة الأربعينات من القرن الماضي، أزمة المجتمع الإنساني، ماذا تغيّر اليوم؟

أعتقد أن المجتمع الإنساني الآن يجتاز أزمة خطيرة جداً، وهذه الأزمة تزداد تعقيداً، وهي لا تتمثل فقط في الحروب بين الأمم القوية والضعيفة، ولا في المنافسات الاقتصادية. إن الإنسان المعاصر ارتقى كثيراً في النواحي العلمية والطبيعية ولم يترقَّ في النواحي الخلقية. ازدادت قدرته على السطوة على الآخرين وقلَّت قدرته على كبح النزوات العدوانية. لذلك اتسعت الفجوة بين القدرة المادية والعجز الخلقي. وهنا سبب هذه الأزمات التي يعانيها مجتمعنا الحديث. وما يقع في العالم، يحصل في مجتمعاتنا العربية بفعل هذا الترابط الكوني الحاصل، مع الأخذ في الاعتبار خصوصيات منطقتنا العربية، التي عندها من الطموحات أكثر من القدرة على التنفيذ. وعندما أتكلم عن الطموح، أعني أفراد مجتمعاتنا، بسبب الفجوة بين المجتمعات العربية والحكام. وهذه سمة كل المجتمعات المتخلفة في العالم الثالث

هذا الاختلاف بين طبيعة الناس وتطلعاتهم والحكام القيّمين على الأنظمة، ليس جديداً كما تعرف. ففي مطلع القرن العشرين، وحتى ما قبل، فترة الهيمنة العثمانية، وبعدها، الاستعمار الأوروبي، وصولاً الى مرحلة الاستقلالات العربية، حين اعتقدت الشعوب انها انتقلت الى عصر جديد، يتطلب رص الصفوف، خصوصاً مع قيام إسرائيل ودعواتها العدوانية… مجتمعاتنا العربية اليوم منقسمة الى قسمين. واحد متخلف يعيش في العصور الماضية، وآخر يحاول اللحاق بالعصر من طريق ملتوية، وبتعبير آخر بواسطة أنظمة متسلطة على شعوبها، وبالتالي جميع الأنظمة المسيطرة راهناً على شعوب المنطقة العربية، سواء كانت تخلّفية أو تعسفية هي سبب أساسي في هذه الأزمة التي نعاني وفي تخلفنا عموماً!

في تشخيصك لأسباب التخلّف العربي – عبر كتاباتك – كتبت عن غياب الشعوب عن المعترك العربي وتحويلهم الى «رعايا طيّعة»، ثم تناولت مسألة غياب القضايا عن المعترك، ثم تحدثت في مكان آخر عن غياب العقلانية أو النهج العلمي في فهم المشكلات ووضع الحلول الملائمة، وغياب القيم في السلوك الخاص والعام. ألا تعتقد أن وجوه أو أسباب التخلف لم تتغير منذ كتبت هذه الأمور في الأربعينات حتى اليوم؟

يسود الاعتقاد أن أسباب التخلف في المجتمعات العربية تتجلى في وضعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أنا أعتقد أن هذه الأوضاع ظاهرية، إنما هناك مشكلات أساسية. ففي مسألة تغييب الشعوب، نلاحظ تراجعاً في الممارسة الديموقراطية، والشعوب تحولت الى رعايا، تتحمل أعباء الحكّام. كما إنني ألاحظ غياب القضايا. في الماضي كانت الوحدة العربية مثلاً، تشكل قضية، فلسطين كانت قضية تهزّ الجماهير، قضية استقلالات الدول العربية كانت همّاً. اليوم تراجعت هذه الاهتمامات الكبرى وتحول اهتمام الناس الى السياسات الداخلية الصغيرة، والمسائل الهامشية، على حساب قضية الإنسان، والتحرر والتقدم. وأعزو هذا التراجع الى غياب التوجه العقلاني في وعي المسائل الكبرى وطرق مواجهتها. العقل العربي في سبات، وهو مخدّر وغير فاعل! أما القيم فتكاد تكون معدومة، خصوصاً على مستوى القيادات والتعاطي بينها وبين الشعوب. ولم يعد هناك حد فاصل بين الحلال والحرام. كل شيء أصبح مباحاً وحلالاً إذا كنت تستطيع بلوغه. أصبحت المادية والبراغماتية القيمة الرئيسة، وتقدمت المطامح الفردية على محاولة بناء الأوطان. مجتمع لا تسوده الأخلاق والعقلانية ليس مجتمعاً صحيحاً قابلاً للتقدم والتطور والحياة.

الى ماذا تعزو غياب العقل العلمي المنهجي، الذي أباح تنامي موجات التخلف والظلامية وأجَّج العصبيات على أنواعها التي نشهدها؟

نمو العقل يتطلب جهوداً على مستوى الأفراد والشعوب والحكومات. إنها مسألة وعي وتخطيط، وهي مراس وليست هبة تمنح، وفي ناحية أخرى هي نضال للقضاء على الأوهام التي تهيمن على الفكر وتعمي العيون عن الحقائق. على مستوى السلطات، المسؤولية أراها أشد خطورة، خذ مثلاً الإعلام الأحادي الموجه، الذي يعتّم على حقائق، أو يعمّم أوهاماً، ما يشلّ قدرة التفكير لدى الشعوب.

كيف تفهم تراجع الملكات العقلية عند بعض الشعوب وتوقدها في مجتمعات أخرى بصرف النظر عن المناخات المواتية، سياسية كانت أو اجتماعية؟

أنا لا أقول إن العقل الإنساني بعامة قد تراجع، بل أقول لم يتقدم في شكل متناسق مع القدرة المادية أو التقنية التي اكتسبتها الشعوب المتقدمة. ولذلك نرى بعض النزعات لدى الشعوب المدعوة متقدمة، تؤشر الى مزيد من التخلف، ونعجب من ذلك! الشعوب المتقدمة، ليست متقدمة بالمعنى الشامل للعقل، بل هي متقدمة في مجال التطبيق العلمي… ولا بد من الإشارة الى وجود فجوة بين العلم والأخلاق!

بالعودة الى مؤلفاتك، أما زلت على قناعتك في طروحات كتابك «أي غد؟ أو النهضة المرجوة»؟

كتابي «أي غد؟» وسواه من الكتب التي تناولت فيها مسائل مستقبلية، نشأت من تطلعات شخصية ومهنية. إنني مؤرخ وأسعى لخدمة هذا العلم بين طلابي وفي مجتمعي. وكثيراً ما يؤدي التأريخ الى الاعتزاز بالماضي، الى درجة الإهمال العقلي وصرف النظر عن التطلع الى الحاضر والمستقبل. حاولت وأنا أمارس مهنتي أن أستطلع المستقبل، مع استخدام التاريخ وتسخيره لخدمة الحاضر والمستقبل. ولا يجوز أن نرهن الماضي والحاضر في سبيل التاريخ!

نعود الى كتاب آخر «نحن والتاريخ». هل من دور حقيقي للمؤرخ في عالمنا الحديث في غمرة وسائل الإعلام والتوثيق المرئي والتقنيات الحديثة؟

حاولت أن أميّز بين التأريخ والتاريخ. التأريخ صناعة لها أساليبها. والواجب الأول على المؤرخ أن يتقن صنعته، في التدرّب لتقصّي الحقائق ونشرها بحيادية وعلمية. ومن واجبات المؤرخ تنبيه الشعوب الى دور التاريخ في نهضات الأمم وحياة الشعوب. وهناك ميل الى الاعتقاد لدى بعض الشعوب التي عرفت أمجاداً وزهوات في تاريخها بديمومة أو استمرار هذه الحال.

أنا أقول إن لا حتمية في هذا المجال. المهم هو الحاضر! إذا لم نفهم الحاضر لا نستطيع أن نتقدم، مهما كانت زهوات الماضي. وهنا لا بد من التمييز بين المؤرخ وبين بنك المعلومات… وأشير الى أن كثرة المعلومات لا تكوّن مفكراً صحيحاً بالضرورة.

قضية فلسطين استحوذت على قدر كبير من اهتمامك عبر كتابك «معنى النكبة» ونكسة 1948… موضوع خطر بدأ بنكبة وانتهى الى كارثة؟

شعوري بالنكبة هو السبب في نشري هذا الكتاب، بعد عام 1949، وأعقبته بآخر «معنى النكبة مجدداً» بُعيد نكسة عام 1967… في عام 1948، بعد النكبة الرهيبة التي أدت الى تهجير عدد كبير من الفلسطينيين والى الاستيلاء على قسم كبير من فلسطين، شعرت بمرارة الهزيمة، وتبينت لي أسباب هذه النكبة الداخلية والخارجية… بعضنا يزعم أن من أسبابها الخارجية الدور الشنيع الذي مارسته عصبة الأمم والدول الأوروبية، وأنا لا أنكر أهمية هذه العوامل، ولكن هناك أسباباً أخرى نحن مسؤولون عنها، بينها تخلف المجتمع الفلسطيني والعقل العربي، وأن هذا المجتمع يجب أن يتحول الى مجتمع عقلاني، يستطيع أن يفهم مشكلاته ويتصدى لمعالجتها بطرق عقلانية. كان السائد: بما أننا على حق فسننتصر. وهذا توهم خطير. وهناك توهم آخر بأن الحتمية التاريخية ومقولة العدو تكفي للنصر وإحقاق الحق: مقولة ملايين العرب في مواجهة حفنة صهاينة! يوم وقعت نكبة 1948 كنت مسؤولاً في الجامعة الأميركية، تركت عملي واتجهت الى الجبل (برمانا) لتدوين أفكاري. وفي مدة أسبوع كتبت «معنى النكبة» بهدف توجيه أفكار الناس الى أن هذه الأخطار الخارجية، وإن تكن جدية، ليست الوحيدة، فالأخطار الفاصلة هي فينا، في أننا متخلّفون في مجتمع متخلّف، ويجب أن تقوم في مجتمعنا الانقلابات الثورية الضرورية وليس العسكرية. وجاءت نكسة عام 1967، التي رسخت قناعتي بأننا ازددنا توغلاً في التخلف وعلى المستويات كافة، وكانت مناسبة للفت الانتباه الى فضيلة النقد الذاتي والمساءلة.

إذا رغبت في كتابة رأيك اليوم عن «معنى النكبة مجدداً، ومجدداً»! ماذا تغير في العقلية السائدة؟

لم يتغير شيء أساسي، فالفرد بقي على حاله وكذلك المجتمع العربي. التغيير يحصل عندما تتحول من التخيّل والتوهم الى الإدراك العلمي الصحيح.

إذا أردت أن تكتب مجدداً عن «معركة الحضارة» عن أية حضارة تكتب، على ضوء ما يسمى تيار العولمة الجارف، وبالنسبة الى أحادية زعامة العالم اليوم بعد سقوط الساحة الحمراء؟

أظل على ما عبّرت عنه في كتبي السابقة، وهو أن الدول المتقدمة قد ارتقت في التكنولوجيا والاقتصاد، لكنها لم تتقدم على المستوى العقلاني أو الخلقي. ففي نظري الموضوع ليس في الثنائية القطبية أو أحاديتها طالما أن الدول الصناعية، تتجه الى الاستفادة المادية، بالتسلط على مصائر الشعوب الأخرى.

مطلوب تحول في خلق الإنسان وتفكيره، كي نتكلم على تقدم الحضارة. وإلا ازداد الخطر بل الشؤم على الوضع البشري. الأمم القادرة في الوقت الحاضر تتمسك بما أنتجته من قوى مدمرة ولا تريد أن تتخلى عنها. ومثال ذلك، الولايات المتحدة التي شنت حرباً شعواء، بواسطة الأمم المتحدة، على العراق لأنه تقدّم في مجالات التكنولوجيا، وفي المقابل لا تقبل أن تتخلى إسرائيل عن أسلحة الدمار وبينها الصواريخ النووية

بدأ هذا العصر زاهياً، على مستوى الأفكار والأحلام الكبيرة، وانتهى هزيلاً مهيضاً. ألا تعتقد أن فكرة القومية صارت من الأحلام الطوباوية لماضٍ جميل؟

الخطأ هنا هو ان القومية ظلت في بعض الأذهان حلماً، ولم تنزل الى الواقع. إذا درسنا تاريخ القوميات، وجدنا انها نشأت في الغرب بعد أن خاضت الشعوب معارك تحررية هائلة. خذ مثلاً معركة النهضة والتنوير في أوروبا والاتجاه نحو العقل، الإصلاح الديني والسياسي في بريطانيا وفرنسا. هذه الثورات مهَّدت لنشوء القومية. أما عندنا، فعندما تكون المجتمعات خالية من هذه الممهدات والقوى الفاعلة، فقومياتها تبقى حلماً كما تقول، أنا أختلف أساساً مع الذين يبحثون ويكتبون في القومية، لأنها ليست شيئاً واجباً!

القومية تُكتسب. خذ المنطقة العربية بكلامها، بقيت قروناً تحت سيطرة العثمانيين ولم تفعل شيئاً، لأنها اعتقدت أن القومية شيء حاصل وواقع! فهي لا تقوم على التشابه في النسب أو اللغة أو التاريخ. يمكن أن تسقط معاني القومية ذات يوم، إذا حصل تضامن إنساني حقيقي، يمكن أن يكون أكثر فائدة وأفضل من القومية.

هذا ما حصل عندما ارتقى الإنسان من مستوى التضامن العائلي والعشائري والمدني الى المستوى الوطني، ثم ارتفعت القومية فوق الانقسامات الداخلية وكانت سبباً في نشوء الدول الحديثة. يمكن في المستقبل أن يحصل تطور في الذهن البشري، بأن ترتفع الإنسانية فوق التوجهات القومية.

كيف ترى الواقع العربي على ضوء المفاوضات العربية – الإسرائيلية؟

المجتمع العربي يملك قدرات هائلة لا تزال دفينة، إضافة الى موارد كثيرة، لكنه لا يحسن استثمارها، وطالما بقي على حاله من الجهل، سيبقى الوضع مزرياً، سواء فاوضنا أو لم نفاوض. نحن مبعثرون. ثم هناك الفجوة بين الوهم والعلم. نحن نعيش في عصر توهمي، لكن من يدرس حالة إسرائيل يفهم أن عنصر قوتها ليس في المال أو الاقتصاد أو الإعلام على أهمية هذه العناصر، إنما في العلم، وفي مراكز البحث العلمي.

أنا أعتقد، وأقولها بأسف وحزن، بأن إذا بقينا على جهلنا وهذا الادعاء الفارغ، فإن إسرائيل ومن معها ستنتصر حتماً علينا في الحرب وفي السلم. المعركة إنجاز في مجال الإنسان، وإذا لم نصنع هذا الإنسان العربي الجديد، فلن نتمكن من إقامة وطن عربي جديد ولن ننتصر في أية معركة!

حين تتكلم على وطن عربي، أي وطن عربي تقصد؟

ذكرت في كتابي انني لا أستخدم لفظة «الوطن». أنا أعتقد أننا نستخدم هذه الكلمة عندما يكون هناك وطن حقيقي، ويكون ذلك عندما يكون الولاء الأول للوطن الأم. وفي غياب هذا الأمر لا يمكننا التكلم على هذا الأمر. الوطن العربي هو مطمح، وأفضّل كلمة المجتمع العربي.

ماذا تكتب اليوم؟

أنا أتأمل، وأنمّي نفسي، ولا أعتقد أن الإنسان يمكن أن يتوقف عن هذه العملية. تنمية الذات. شعرت أن الكتب التي نشرتها تعبّر عن كياني حتى العام الماضي (1996) ربما استطعت أن أصحح، إذا اكتشفت اخطاءً. أنا الآن في دور التعبئة.

ألا زلت تؤمن بكل ما كتبت، مع صدور هذه المجموعة الكاملة لأعمالك حديثاً؟

إن الذي يؤمن تمام الإيمان سواء بعقيدة عامة أو بعقيدة خاصة، يرتكب الخطأ الأول الأساسي في تكوين فكره. ثمة محاولات! أنا لا أنسب العصمة الى هذه الكتب ولا الكلمة الأخيرة في هذه القضايا الشائكة، الخطيرة التي عالجتها! انها محاولة لفرد في مرحلة معينة، وهي تقتضي الجهد اللازم في سبيل تصحيحها وإكمالها مما يستمده الإنسان من الآخرين، ومما تعلّمه الحياة.

الحياة – 28/04/08

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى