قضية فلسطين

تهريب السلاح، أم الاحتلال؟

الياس سحاب
من لم يستسلم لاطمئــنان سطحي على مصير قطاع غـزة، لمجرد الوقف الهــش لاطلاق النار، وتوقف بث صــور المـجازر اليومية ضد الاطفال وسائر المدنيين، ما زال يطلع، حتى عبر الصحافة الاميركية والاوروبية،على ان مأساة غزة ما زالت تراوح مكانها، حتى في ظل »التهدئة« الهشة، حيث تصف صحيفة مثل »نيويورك تايمز«، مشهد قوافل شاحنات المساعدات الاوروبية والعربية، المحملة لكل وسائل مواصلة الحياة الطبيعية، متوقفة بالعشرات في الملاعب المتاخمة للمعابر، لان اسرائيل ما زالت مصرة على عدم فتح المعابر التي تسيطر عليها، الا ساعات قليلة كل بضعة ايام، ولأن مصر ما زالت تصر على اقفال معبر رفح، وضرورة سلوك المساعدات المعابر التي تسيطر عليها اسرائيل.
على خط مواز، يتابع المراقب ذلك الدأب العالمي الصـاخب كخلية النــحل الذي يحصر كل همه في »وقف تهريب السلاح«، والذي يشمل اوروبــا والدول العربية الرئيسية، ويدفع الرئيس الامـيركي الجديد الى أن يكون اول تحــرك سيــاسي يفتــتح به عهده، تعيين مبعوث مرموق للنظر في مشكلة اسرائيل/ فلسطين (هذا هو الاسم الجديد الذي تعتمده الصحافة الدولية)، والى ارساله فورا الى بعض عواصم الشرق الاوسط المعنية، كل ذلك لهدف اساسي هو وقف اطلاق الصواريخ على اسرائيل، والبحث في كل الوسائل التي تؤدي الى جعل هذا الوقف نهائيا، عن طريق استنفار القوى العالمية البحرية (وعلى رأسها القوى البحرية للحلف الاطلسي) لفرض »حصار صاروخي« على حركة حماس في غزة.
هناك اذن شيء يحصل يفوق الاحتمال والتصور. فهل حقا يوجد سوء تفاهم وسوء تبادل معلومات اساسية عن الحقائق الاساسية، ما جعل الرئيس الاميركي الجديد، يصرح بأنه يرسل مبعوثه ميتشل ليستمع هذه المرة؟ وهل ما زال هناك، بعد تجاوز الصراع عامه الستين، حقائق أساسية لم تصل الى مسامع الخارجية الاميركية، او البيت الابيض؟
الاخطر من ذلك، كما يقول المفكر الاميركي المرموق نوام تشومســكي، في مقال حديث له، ان الرئيس اوباما، »الرجل الحصيف واللماح، الذي يجب ان نأخــذ بجد ما يقوله وما يغفل قوله«، لم يتــوان على ما يبدو رغم قلة كلامه في الموضوع حــتى الان، عن الافصاح عما يعتبره اساسيا في الصراع عندما قال: »لو ان صاروخا قد وصل الى الموقع الذي تنام فيه ابنتاي، لحق لي ان افعل اي شيء لمنع وصول مثل هذا الصاروخ مرة ثانية اليهما«.
أذكر انه بعد كل خيــبة امل عــربية (ما أطول مسلسل خيبات املنا)، كان يسـود اعتقاد يجد صداه الاقوى في اوساط المثــقفين العرب، وبعض الدوائر الحاكمة، ان مشكلة العرب مع العـالم، هي مشــكلة سوء تفاهم، واننا لو بذلنا ما يكفي وما يـجب من الجهد لنشر حقائق قضايانا العربية، وخاصة قضــية فلسطين، في دول العالم الاساسية، بالاســاليب المصرية المعتمدة، لكسبنا حــتما الرأي العام الى جــانبنا، ولقام هذا الرأي العام بالضغط المــطلوب على حكوماته لاعتماد المواقـف العــادلة، حتى ان مكاتب الاعلام العربية، الخاصة والعامة، مــلأت اقطار الدنيا، وحتى اندفع كبار المثقفــين العرب الى وضع مؤلفات بلغات اجنبية عدة، عن الحقائق الاساسية للصراع، الى أن وصــلنا في هذا المجال الى اقصى ما يمكن فعــله، بالاداء الاعلامي المميز لقناة »الجزيرة« باللغتين العربية والانجليزية، الذي جعل من مقــتل كل طفل في غزة، حدثا عالميا، يراه العـالم كله فور حدوثه، بمجتمعاته المدنـية وبدوائره الحاكمة. ولقد استطعنا وسط عاصفة غزة الهوجاء ان نلمس بعض اثار التعاطف الانساني، وحتى السياسي، في عواصم قريبة منا وبعيدة عنا، ولكن اين وصل كل هذا سياسيا؟
ما زال حديث الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة (والجولان السوري وشبعا اللبنانية)، منذ اربعة عقود، نسيا منسيا.
وما زالت مخالفات اسرائيل لكل بنود اتفاقية جنيف التي ترسم لقوى الاحتلال حدود تصرفاتها التي لا يجوز تجاوزها في الاراضي التي تحتلها، في كل يوم من عقود الاحتلال الاربعة، نسيا منسيا.
بل ما زالت مخالفة اسرائيل الاقدم للقانون الدولي (وهي بنت هذا القانون) بتجاوزها حقها التي اقتطعها لها قرار التقسيم من اراضي فلسطين التاريخية (ستة وخمسون بالمئة فقط)، نسيا منسيا منذ العام ،١٩٤٨ وحتى استكمال احتلال كل ارض فلسطين في العام .١٩٦٧
ها هو العالم، بعواصمه الدولـية الاساسية في اميركا واوروبا، يضع كل هذه الحقائق الاساسية للصراع في ســلة المــهملات، بما في ذلك قرارات الامم المتــحدة نفسها ذات الشأن، ولا يريد سوى معالــجة ظاهرة واحدة من الظواهر الحديــثة لهذا الصــراع المــعقد، ظاهرة الصواريخ التي تطلق على اسرائيل من غزة، وذلك تحت شعار الدفاع عن امن اسرائيل (الاسم الحركي للاحتلال الاسرائيلي).
غير ان مصيبتنا لا تتوقف عند حدود اصرار العواصم الدولية على عملية تزوير الحقائق الاصلية للصراع، بل انخراط بعض العواصم العربية الكبرى، وبحماسة شديدة، للضلوع في هذه العملية.
لا ادري بعد ذلك، من اين يحق لنا ان نتوقع تفهما للحقوق العربية في فلسطين، في العاصمة الاميـركية اولا، ثم في هذه الــعاصمة الاوروبية او تلك؟ ومن اين يحق لنا انتظار امل جديد للقضية، مع كل رئيس اميركي جديد؟
وهل حقا تعتقد الدول الاجنبية والعربية المنخرطة في هذه المهزلة ـ المأساة، انها مقبلة فعلا على ايجاد الحل المنشود؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى