بشار العيسىصفحات سورية

إذا ساءت فعال المرء ساءت ظنونه” تقتضي الأخلاق من المبدع أولاً، الصدق مع الذات بالانحياز إلى معركة العدالة”

null
بشار العيسى
الى بعض الاصدقاء من (الرجال) الجبناء..انا علي فرزات انا فنان غير منتمي لأية سياسة او نظام لأن السياسة بدون اخلاق والفن قمة الأخلاق فهما خطان متوازيان لايلتقيان وان المعارضة والنظام سياسيا في كل العالم هما وجهان لعملة واحدة ان هدفي من رسومي وكتاباتي هو كسر حاجز الخوف الذي بدأته في جريدتي الدومري واغلقتها الحكومة واكملته… هناأحرص على قبول المرأة في اضافاتي لأنها ارجل من بعض الرجال (..
في صفحته على الفيس بوك قرأت الكلام أعلاه لرسام الكاريكاتير السوري المعروف علي فرزات، لا أعرف الخلفية او التداعيات التي أدت بالرسام المعروف إلى قول هذا الكلام الذي أقل ما يقال فيه وان بدا في ظاهره بريئا فيه الكثير من التجني على خيرة ابناء وطنه سوريا ممن يسميهم هو ذاته بالمعارضين وهو انحياز للسلطة التي لا تبريء نفسها ابدا في انها قمعية وبامتياز وفئوية وبامتياز ومخابراتية بامتياز عال العال. نحفظ للسيد فرزات كل الحق في تسمية أصدقائه هو، بالجبناء إذ أن أهل مكة أدرى بشعابها فهو أدرى منا بأصدقائه، ولكن أن يوصف السياسة هكذا بغير أخلاق فهو اولاً يفضح نفسه،لأن كلامه هذا ينطق عن هوى وغواية، وليس عن سذاجة حاشى، لا ترضي غير الحكام الطغاة ممن لا يؤمنون بالسياسة وسيلة لإدارة أمور الناس والأوطان بالمنفعة المشتركة، ممن يجهدون ويجيرون غوغاء اتباعهم وماكينة اعلامهم لوسم خصومهم بأنهم على شاكلتهم، والسيد فرزات مع كل الاحترام والتقدير لمهنية رسومه في فن الكاريكاتير فهو بهذا يدين نفسه أولاً، خاصة وأن رسومه تندرج في باب الرسم السياسي للكاريكاتير وهو الذي بنى سمعته على نقد الشرطي الدركي بقبعته المشهورة وكرشه المدلى والأوسمة الكثيرة التي تزين صدره وضد الحكام العرب بعقلهم وعقولهم، وها هو يأتي ليجزم بان السياسة بغير أخلاق وأنه لانه فنان يمثل قمة الأخلاق، وهو في هذا يخطيء مرتين مرة حين يقول بان السياسة بغير أخلاق والحال هذه يدعونا السيد أن ندين خيرة النبلاء الذي قدموا حيواتهم تضحية لأوطانهم وشعوبهم والمثل الاخلاقية السامية من الثوار والشهداء، لن نذكّره بيوسف العظمة ولا بسلطان باشا الأطرش ولا بشهداء جمال باشا السفاح ولا شهداء الاحتلال الفرنسي ، لربما غدت هذه الاسماء في في محيطه اليوم من الممنوعات، ولا بنلسون مانديلا ولا بغيفارا ولا بلوركا الشاعر ولا بسني الاعتقال الطويلة لأولئك الرجال والنساء ممن أمضين السنين الطوال يكافحون من اجل تحسن حياة شعوبهم وتحرير بلدانهم وتقدمها عبر مراحل التاريخ الإنساني، ليس صحيحا أن الفن الذي يدعيه السيد فرزات هو دائما قمة الأخلاق، و إن كان صحيحا أن الأخلاق شرط من شروط الفن النبيل والجليل ولكن ما هي الأخلاق التي يدعيها السيد فرزات؟ أهو التواطؤ مع الحكام أم الخضوع لأولي الأمر أم الجلوس على موائد السلاطين وأتباعهم؟ أم أن للأخلاق معنى ومفهوما ( يقول الكواكبي: لا تكون الأخلاق أخلاقا ما لم تكن ملكة مضطردة على قانون فطري تقتضيه أولا وظيفة الإنسان نحو نفسه، وثانيا وظيفته نحو عائلته وثالثا وظيفته نحو قومه ، ورابعا وظيفته نحو الإنسانية، وهذا القانون هو ما يسمى عند الناس بالناموس.) إذ حتى الأديان فصلت العبادات عن الأخلاق كأركان أساسية للإيمان فالعبادات تخص العلاقة بين الإنسان وخالقه، ولكن الأخلاق هي العلاقة بين الإنسان وغيره من البشر وخاصة قومه أهله مجتمعه.
فالمرء حرّ بعباداته ومسؤول عنها أمام خالقه يوم الدينونة، أما الأخلاق فحق عام يتجسد في الممارسة اليومية تجاه الآخرين عليه أن يثبت حسن استحقاقه لها. وإذا كان للعامة، وهم مستويات شتى بما فيهم السياسي مسؤوليات مخففة الشروط فان الفنان مطالب وهو المشرّع المتدخل في صياغة ذائقة العامة بمن فيهم السياسي، نموذجا ومثالا يدخل سلوكه وثيقة التاريخ، عليه الاجتهاد بالترقي بسلوكه إلى مصاف قوله او ابداعه، بالتوفيق الدائم بين ما ينتج وما يتصرف أي انه مطالب بالأخلاق من حيث هي معيار الانتماء للجليل والنبيل في أخذ جانب الحق والعدالة ضد كل اعتداء على الجمال ومثاله مصالح الناس و قوانين الطبيعة لا هواه في دغدغة الحكام الذين ما إن يعطوك شيئا من دنياهم إلا وأخذوا دينك كله حسب الإمام الغزالي.
لقد كان بيكاسو فنانا ليس اقل قدرة من السيد فرزات رغم أنه لم يدع يوما امتلاكه للحقيقة الخالصة ولا التمجد بكونه مصدر تعيير الأخلاق وتوزيع الحصص والبراءات، لكن حين قصفت الدكتاتوريات المعتدية فاشية فرانكو والنازية الألمانية وطنه اسبانيا وجمهوريتها الفتية بما كانت تضم في فضاءاتها خيرة السياسيين والمثقفين والنبلاء خلقا من المبدعين في أوربا والعالم اختار بيكاسو جانب الشعب وقيم العدالة والنبيل في السياسة عامية الجمهورية على الملكية المستبدة وقوى الفاشية، ورسم رائعته “غرنيكا” التي أدت القسط الأخلاقي الذي يليق بمجد الفنان. و لوحة “غرنيكا” ليست ذروة إبداع فن بيكاسو لكن خصوصية الموقف هي التي أشهرت بيكاسو وفنه بالموقف الأخلاقي سياسياً الذي وقفه بيكاسو الذي ارتقى بالمشهد ألاستشهادي وعذابات الناس وقيم الجمال والعدالة إلى جلجلة السيد المسيح.
وعليه نسأل السيد فرزات وهو ينتفخ ابتسامة مجلجلة متربعا على قمة الأخلاق و هو يشتم المعارضين، فاقدي أخلاقه هو، وهو يقصد بالسياسة بالمعارضين، ماذا كان موقفه حين اغتالت السلطة الحاكمة في وطنه سوريا مدينة ولادته حماة سنة 1982 حين قصفها جيشه بالطائرات وفرقه المختارة من الوحدات الخاصة والفرقة الثالثة وخرجت من تحت أنقاضها أضعاف مضاعفة لما فعلته النازية والفاشية في “غرنيكا” ماذا كان موقف السيد فرزات هل بقي يبتسم ابتسامته الجميلة العريضة أم جبن مثل أصدقائه من الرجال الجبناء عن قول كلمة ترحّم على آلاف الرجال والأطفال والنساء والأعراض المهتوكة خوفا من قسوة الأمن والمخابرات وعلي دوبا وعلي حيدر وشفيق فياض وحافظ الأسد فاستتر بجبنه صامتا حتى لا نقول اخذ جانب الشيطان واعتبر كل أولئك الشهداء عناصر مارقة خارجة على القانون والتطرف وما ذنب الجدران والمدينة الأثرية وما ذنب النواعير والأطفال والنساء؟
كان حرياً بعلي فرزات أن يستتر بالحديث عن الأخلاق وإدانة السياسة وشرفاء وطنه.
كيف سينظر الرسام الموهوب علي فرزات وكلامه يرن في إذنه وهو أمام الحقوقي المسالم  “هيثم المالح” نزيل سجون بشار الاسد ام للصبية المدونة طل الملوحي ورغدة الحسن وحسيبة عبد الرحمنوهدية علي يوسف ومي حافظ وهبة دباغ ومنال ابراهيم وتهامة معروف …… ماذا سيقول للشاعر “فرج بيرقدار” نزيل تدمر وسائر السجون السورية بقسوتها التي تضاهي معتقلات النازية تغدو أمامها السجون الإسرائيلية مشاتل ورد ماذا سيقول للنحات “طلال أبو دان” يعتقل مرارا ومرارا وماذا سيقول لروح زميله الصحافي رضا حداد تلد طفلته في غيابه في الاعتقال سنين طوالاً بغير سبب إلا أخلاقه النبيلة ويقضي مريضا منهكا بعد ثلاثة عشرة سنة من الاعتقال المضني والتعذيب ماذا سيقوا السيد فرزات لابنته وقد غدت صبية وربما أماً ولم تر أباها أو أمها إلا خلف القضبان او على سرير الموت؟ وكيف سينظر في وجه الكاتب “آرام كره بيت”  ويسين حج صالح وانا هنا لا أذكر معتقلي الإخوان المسلمين حتى لا يحتج السيد فرزات برجعيتهم التي يستحقون عليها الموت، ولكن النساء يا منافق النساء ما ذنب النساء الحوامل والمولدات في المعتقلات هل عليه ان يتمثل بشجاعة الروائية المبدعة روزا يسين ويقرأ  فقط يقرأ ما وثقته عن المعتقلات في السجون السورية؟ هل يتذكر السيد فرزات القاص “جميل حتمل”  طهره وبراءته وموقفه السياسي وهو القاص المبدع دفعته أخلاقه النبيلة الى الاعتقال والهروب وعودته إلى الوطن في تابوت مغلق؟
لن اذكر السيد فرزات بالمئات بل الآلاف من الشهداء والمفقودين السوريين والفلسطينيين واللبنانيين رهائن نزوة سلطة فاشية مدمرة، بل سأذكره بالشيوعيين ممن لم يرفعوا يوما سلاحا ولم يتآمروا على وطن ولا على سلطة ممن قضوا أعمارا في السجون وهو ممن يحبون رسومه ولربما مازالوا يحتفظون بها في غرفهم، غابوا وعادوا ليروا أطفالهم كبروا وتخرجوا من الجامعات وهم بدورهم امضوا طفولة ومراهقة على الطرف الآخر من القضبان والاسيجة الحديدية، هل تذكرهم يوما السيد فرزات وهو ينعتهم الوجه الآخر للعملة مع السلطة وهو صديق السلطة باعترافه أنه طلب رخصة صحيفة الدومري من بشار الأسد قبل أن يصبح رئيسا بالوراثة، وبأي صفة له يستجديه الأخلاقي  بقمة أخلاقية منحطة رخصة صحيفة؟ أليس في ذلك تزكية له بالوراثة التي حدثت وهو صامت الناقد الكاريكاتريست الذي يجلد من عشرات السنين الشرطي المسكين يخدر الناس  بمن لا يرى وهو لاه عما يرى؟  لا نحتاج من السيد فرزات لنمجده لان سلطة بشار الأسد تنكرت له وأوقفت صحيفته “الدومري” لان القباحة هي كيف أخذت الصحيفة رخصة النشر لا المنع  التي يدعي انه ناضل بها وهو يعرف جيدا أن آلاف السوريين قضوا سنوات الجمر في الزنازين لأنهم حملوا في حقائبهم أو جيوبهم صحافة حزبية مهترئة من صفحتين أو حتى وريقة مكتوب عليها أسماء وأرقام هواتف رفاقهم منهم الأحداث والشيوخ والعجزة رهائن عار، وهل تمنح له إغلاق الدومري موقع يوزع على الناس الأخلاق بالقسطاس فكيف وهو أدرى منا أن السلطة تأكل أعوانها انظر ماذا فعلت بمحمود الزعبي بمسدسه حين وجهه طواعية إلى رأسه وماذا فعلت بغازي كنعان جزار لبنان بمسدسه الخاص وهو وزير داخلية النظام وانظر ماذا فعلت بهاشم معلا  وماذا صار حال خدام بعد أربعين سنة من الخزمتجية على الابواب وهؤلاء من أركان السلطة .
ليس الغريب أن تغلق السلطة السورية صحيفة مستقلة بل الغريب أن تسمح بصحيفة يقال عنها  غير تابعة.
كان حريا بالرسام المعروف والمحبوب علي فرزات أن يقتدي بزميله الشجاع والمتصوف الثائر ناجي العلي في تألقه بالسياسة الى قمة الاخلاق وروعة الشهادة كان له أن يتفادى السقطة، هذه، وهي سقطة اليمة مهما حاولنا أن نجمل موقفه ضد قبعة الشرطي الدركي البسيط إن رامي مخلوف ومحمد حمشو والشركات القابضة والتروستات المالية التي تنهب وتبيع الوطن بالسرّ والعلن في صيغة مشاريع تنموية أفقرت البلاد وأجاعت الناس. ننتظر من السيد فرزات كلمة حق ولو بنصف أخلاق ولو من القاع ولا داعي لعناء الصعود إلى القمة، لو يتكرم السيد فرزات بسياحة ترفيهية حول دمشق ويزور مخيمات الفقر والجوع والإهمال المتعمد والإنهاك العام لكل ما هو خير ومأمول منه التغيير في البلد.
السلطة كل سلطة بحاجة إلى من يجمل لها ليس وجهها القبيح وحسب بل حتى رائحتها النتنة. ونربأ برسام نحبه أو كنا مثل علي فرزات أن يصبح قناعها المأجور تنال بجهده من خيرة أبناء الوطن حتى ولو تقافز بعض الهواة بين الكراسي يستجدون لقمة هنا أو حظوة هناك فالفنان بحدسه الإبداعي يكشف الحقيقي من المزيف فالكثير من الضفادع تحاول أن تصبح ثيرانا بشرب الماء لكنها فقاعات خلبية لا مبرر بسببها أن يجعل فنان من  ماء وجهه مادة لغسل أوساخ السلطة التي هيهات وهي الذكية أن تقبلهم أو تكافئهم بدلالة اغلاق الدومري لقد تطوع كثيرون  من حول بشار الأسد ليصبحوا سدنة هيكل التوريث طمعا في أخذ مكان تبع أبيه لكن السلطات الفاسدة تلفظ حتى النصف نظيف لا تقبل إلا القذارات ونربأ برسام قدير مثل علي فرزات أن يغدو مثال: “إذا ساءت فعال المرء ساءت ظنونه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى