صفحات ثقافية

واشنطن وهوليوود على حبال السياسة: يمين ويسار يفحصان الحرب والرئاسة

null
إذا ما زرت فيلم كلينت ايستوود الذائع الصيت “مليون دولار بايبي”، وهو الفيلم الذي مكّن مخرجه من الفوز بأوسكارين عن أفضل إخراج وأفضل فيلم، كما مكّن بطلته هيلاري سوانك وممثله المساند مورغن فريمان من نيل أوسكار لكل منهما، ستجد أن في الفيلم خطوطاً تلتقي، من دون قصد، مع الوضع الثقافي والسياسي السائد في الولايات المتحدة اليوم مع اقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية.
كتب الفيلم الذي أنتج عام 2004 بول هاغيز، الذي انتقل الى صف المخرجين بعد ذلك، حول مدرّب ملاكمة أسمه فرانكي (ايستوود) لا يعرف سوى عالم الملاكمة من خلال النادي الذي يملكه لتدريب الناشئين. المشهد الأول بالفعل هو له متابعاً تلميذه الشاب ويلي (الممثل الأفرو أميركي مايك كولتر) على الحلبة. لاحقاً، بعد فوزه، يحاول ويلي إقناع مدّربه فرانكي بأهليته لدخول المبارايات الرسمية، لكن فرانكي يطلب منه التمهّل لدورة تمرينية اخرى او إثنتين قبل أن يصبح جاهزاً. لاحقاً، بعد مشاهد عدّة، يبلّغ ويلي فرانكي بأنه سيتركه ليلتحق بمدرّب آخر وعده بأن يقدّمه الى المباريات المحترفة.
لاحقاً أيضاً يتابع فرانكي المباريات التي يتنافس فيها ويلي على بطولة العالم ويفوز. بذلك يخسر فرانكي فرصة العودة الى الشهرة بنفسه. لو أنه وافق ملاكمه على اندفاعه، لتحقق له المال والمكانة اللذان يفتقر اليهما اليوم، وبعد كل تلك السنوات التي أمضاها في الحرفة. لكن فرانكي (كذلك ويلي) شخص صادق مع نفسه. ربما متذمّر، لكنه صادق. يساعده في أعماله رجل أفرو- أميركي آخر هو إيدي (مورغن فريمان) الذي كانت له صولاته وبطولاته فوق الحلبة قبل أن يُصاب ويضطر للتوقف. الآن يشرف على النادي ويتحمّل تذمّر فرانكي وشكواه (“قلت لك مئة مرّة لا تشتر مسحوق التنظيف الغالي هذا… كل المساحيق تنظّف بالقدر نفسه”).
فرصة فرانكي الثانية كانت فتاة شابّة أسمها ماغي (هيلاري سوانك) تطلب منه الإشراف على تدريبها. هو يعلم أنها صادقة لكنه لا يؤمن بأن الملاكِمة الأنثى تستطيع فعل أي شيء باستثناء العيش لحظات وجيزة على الحلبة قبل العدول عن رأيها بعد أوّل إصابة. او لعله لا يريد أن يؤمن. خلال النصف الأول من الفيلم ستسعى ماغي الى إقناعه بمدى جدّيتها، ومع دخول النصف الثاني من الفيلم يكون اقتنع، وها هو حبّه للملاكمة وعشقه لحياة الحلبة يعاوده من خلال إشرافه على تمارين ماغي. مثلها، لا يعرف شيئاً في الحياة سوى الملاكمة. مثلها يريد أن يفوز.
لكن سوء الحظ وحده هو الذي يمنعها من الوصول. إذ تتعرّض لحادثة. فتسقط. وتدكّ عنقها. الآن هي ترقد في المستشفى غير قادرة على الحياة. حلمها بالوصول الى البطولة هو الذي سقط ودُكّ عنقه أيضاً. ها هي ترقد في المستشفى وتطلب (بالإيماء والإشارة) من مدرّبها فرانكي أن ينهي حياتها. يفعل ذلك ويغادر المستشفى محملاً الإحباطات كلها.
فرانكي كان له ولد ومات، والعلاقة بينه وبين ماغي كانت أصبحت أبوية أيضاً. لقد احتلّت مكان إبنه بالنسبة إليه، لذلك كان قراره إراحتها من أوجاعها البدنية والعاطفية قاسيا. تعليق نهاية الفيلم يقول إنه اختفى بعد ذلك ولا يزال.
وراء القصّة سطّر بول هاغيز عالماً من الخطوط الإجتماعية المهمّة، أحدها بالطبع الوضع الإقتصادي الذي خرجت ماغي من أجوائه. وضع صعب يمتطيه الفقر وتحيط به ظروف عائلية صعبة. وذاك الذي نراه يحيط بويلي أيضاً: عليه أن يشرف على تعليم إبنه، لذلك عليه أن يحقق -كما يقول لفرانكي- كل شيء يستطيع تحقيقه من نجاح في الفترة القصيرة التي سيعيشها فوق الحلبة. فهو يعلم حدود الملاكم التي عادة لا تزيد على سنوات قليلة، وهو يريد تحقيق الأفضل. الوصول الى سدّة البطولة ليس سوى وسيلة لتحقيق النجاح المادّي. ذلك الذي لا يستطيع تحقيقه بأي سبيل آخر. كذلك الحال مع ماغي: لا سبيل آخر أمامها.
هوليوود والإنتخابات
في الوضع الراهن نرى الأبيض والمرأة والأسود في صف واحد من المنافسة على سدّة الرئاسة الأميركية. بقليل من استبدال الخطوط بأخرى، نجد أن ايستوود قد يكون جون ماكّين الذي يسعى الى الفوز بالرئاسة على رغم عمره الذي تجاوز السبعين، وهيلاري سوانك هي سارا بالين التي تسعى الى الوصول الى مركز نائب الرئيس، ثم هناك بالطبع باراك أوباما الذي هو الترجمة لشخصية ويلي. وبحسب مراكز الدراسات فإن باراك هو الأقرب الى تحقيق حلم الرئاسة لا جون ماكّين ولا سارا بالين.
هذا التشابه في المصائر يدلل على أن الفيلم كان أعمق مما تخيلناه، نحن النقاد ومجمع المثقّفين، في البداية. ليس لأننا تجاهلناه او لم نستوعبه، لكن لأن تركيزنا كان على العلاقات الطبقية والعنصرية في مستواها الأوّل. الآن يتبيّن أكثر أن المسألة المنشودة في الفيلم والتي لم نعرها في غالبيّتنا أي اهتمام هي أن مستقبل البطولة (الرئاسة) لجيل أسود آت من القهر المنظّم وغير المنظّم، وأن البيض، رجالاً ونساء، سيعيشون ليروا أن خيوط القيادة ستسلّم الى غيرهم. بذلك، قد يتحقق حلم قديم للملاكم العجوز إيدي (فريمان)، ففي أيامه أيضاً هو حارب من أجل الوصول، لكنه لم يصل.
تطرح الإنتخابات الرئاسية الأميركية اليوم الكثير من المسائل التي لها صورها على الشاشة. في الأساس، العلاقة بين واشنطن وهوليوود بأسرها علاقة تحتاج الى تأمّل كبير من ناحيتيها التاريخية والراهنة حيث تقف معظم هوليوود مع أوباما، وحيث ليبيراليّتها لا تزال الواجهة التي يرفض اليمين الأميركي النظر إليها او التعامل معها. واشنطن تجد ان هوليوود تحب انتقاد البيت الأبيض والنظام والمؤسسة والحاشية اليمينية والكنسية المحيطة بهما.
لكن العلاقة بين العاصمتين غريبة للغاية كيفما نظرنا إليها. تاريخياً هي علاقة شد وجذب قوى بين الطرفين، كما هي علاقة صراع بين ممثلي الطرفين في السينما. هوليوود الصامتة في العشرينات من القرن الماضي كانت مشغولة بالقضايا والأطروحات الإجتماعية والسياسية على جانبي خط الوسط.
United Snakes of America او “إتحاد الأفاعي الأميركية”، سنة 1917 فيلم يميني يهاجم اولئك الذين ينتقدون فكرة دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية. فيلم “تجنيد باد” او Bud’s Recruit سنة 1918 انتقد التجنيد وحبّذ مجتمعاً مسالماً.
العشرينات الصعبة اقتصادياً دفعت نقابات العمّال واتحاداتهم لاحتمالات تطبيق المبادئ الشيوعية التي غزّتها الأحزاب الشيوعية آنذاك، ووصلت الى مستوى من التأثير ميّز العديد من الإنتاجات الأميركية والأفكار المتداولة على الشاشة ومن بينها تلك التي هضمها ونفّذها تشارلي تشابلن وجوزف لوزي وإيليا كازان (الى حين قبل إنقلابه)، وجووال داسن وجون غارفيلد والعديد سواهم. ما ان انتبهت واشنطن الى ما يحدث بين العمّال والمثقّفين آنذاك حتى أطلقت حملتها المضادّة والتي عرفت بالحملة الماكارثية التي نجحت في وقف ذلك المد ولو أنها لم تكن لتنجح الا بوسائل فاشية من بينها إثارة الذعر من الخطر الأحمر وإجراء المحاكمات لوضع المفكّرين (كتّاباً ومخرجين) في السجون او منعهم من العمل في مهنهم تلك.
ربما لهذا السبب نجد أن واشنطن وهوليوود تجاوبتا مع صرخات الحرب حين قررت الولايات المتحدة دخولها، وقد امتلأت السينما الأميركية أواخر الأربعينات وطوال الخمسينات بمئات الأفلام التي دارت حول الحرب العالمية الثانية مع قلّة قليلة انتقدت تلك الحرب.
حين نقفز الى ما بعد أزمة الصواريخ الكوبية الى حين نشوب الحرب الڤيتنامية، فإننا نجد الموقف قد تغيّر مجدداً. معظم الأفلام الأميركية في السنوات الأخيرة من الستّينات ولمعظم السبعينات ولجزء من الثمانينات،  كانت ضد تلك الحرب بشكل او بآخر. أفلام مثل “سفر الرؤيا… الآن” لفرنسيس فورد كوبولا و”العودة الى الوطن” لهال أشبي ثم “سترة معدنية كاملة” لستانلي كوبريك، كلّها نظرت بعين ناقدة الى مآسيها وفوضاها. طبعاً، كانت هناك أفلام مضادة للحرب بمجرد إتاحة معايشتها واختبار العنف المتمثّل فيها (مثل “إذهب واخبر الأسبرطيين” و”همبرغر هِل” و”الفرقة سي” و”بلاتون”)، لكن كان هناك أيضاً الأفلام المستمدّة منها، النابعة من مد الخيوط من تلك الحرب الى تاريخ حافل وخصوصاً حين يأتي الأمر الى تاريخ الأميركيين الحقيقيين (الهنود الحمر) كما في فيلم آرثر بن “الرجل الصغير الكبير” وفيلم رالف نلسون “الجندي الأزرق”.
بطولات من ورق
الرجولة كانت مفقودة بسبب عار الهزيمة كما فسّرت وسائل الإعلام والأوساط الثقافية المختلفة نتيجة الحرب الڤيتنامية. الجنود الذين عادوا كثيراً ما أصبحوا مهمّشين (ألوف منهم لجأوا الى الجبال يعيشون فيها بعيداً عن المجتمعات لأن نظرة المجتمع الأميركي اليهم هي أنهم إما ارتكبوا الفظائع في ڤيتنام وإما أنهم خسروا الحرب). وذلك انعكس على البطل الأميركي على الشاشة.
حين لعب سيلفستر ستالوني بطولة “دم أول” (أخرجه تيد كوتشيف سنة 1982 وكان التمهيد لسلسلة رامبو، عالج هذا الوضع تحديداً: ها هو مجنّد عائد من ڤيتنام لا يبدو أن له مستقبلاً في أي مكان. يحمل امتعته فوق ظهره ويمشي من مدينة الى أخرى الى أن يلتقطه رئيس بوليس بلدة شمالية (برايان دنهي) ويطلب منه مغادرة البلدة لأنه غير مرحّب به. لكن رامبو  يرفض ويؤدي رفضه به الى الزنزانة حيث يحاول أحد رجال البوليس الشرسين (جاك ستاريت) أن يلقّنه درساً. ينتفض رامبو غاضباً ويضرب رجال البوليس مستخدماً مهارته العسكرية ثم يدخل معركة يستخدم فيها ما يجيده أكثر من سواه وهو القتال في الأدغال.
لكن، في حين عاد الجندي الأميركي من الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية بطلاً مظفراً فانعكس ذلك على نوعية البطولات التي نراها ورسالات الأفلام الأخلاقية، يُلاحظ أن الوضع بعد الخسارة الأميركية في ڤيتنام معاكس تماماً. البطولات الرجالية القائمة على المواقف الأخلاقية العالية اختفت او كادت لتليها بطولات مفتولي العضلات التي حملت قدراً كبيراً من الخيال الجانح الساخر من نفسه ومن الواقع في حد ذاته. مهما بلغت جدّية تشاك نوريس او سيلفستر ستالوني او أرنولد شوارتزينغر فإنها جدّية زائفة وفي أفضل مستوياتها عبارة عن إنتقام سينمائي يميني من خسارة الحرب بصنع أفلام تدور حول انتصار لم يتحقق.
وهذه ذابت في التسعينات. إنها التسعينات التي نشبت خلالها حرب جديدة (حرب الخليج الأولى) والتي نشبت على إثرها (عام 2002) حرب العراق الراهنة. وإذا كان الجذب والشد بين اليمين واليسار باستخدام السينما كوسيلة تعبير لكل جهة، قد استرجع بعض وجوده من خلال أفلام العضلات الضخمة ذات المهام العسكرية وأفلام تدعو الى تنفيذ القانون من دون اللجوء الى المحاكم او الى البوليس، وهو منهج يميني، فإن المنهج اليساري عاد فاستولى على واجهة الإنتاجات غالباً بسبب هاتين الحربين إذ أفرزتا مواقف مناهضة لسنوات جورج دبليو بوش في الحكم على صعيدي الفيلم التسجيلي، وامتدت، طوال العام الماضي ومطلع هذه السنة لتشمل أفلاماً روائية أيضاً شاهدنا منهاIn the Valley of Elah  و Stop-Loss و Redacted.
صحيح أن النجاحات التجارية ذهبت الى تلك الأفلام المقتبسة من شخصيات الكوميكس، والتي خلّفت أفلام العضلات، الا أن حقيقة أن هوليوود اكترثت لإنتاجها هو الموقف الذي أرادت أن تقوم به. هذه الأفلام، والأفلام التسجيلية التي سارت في محاذاتها، وفي مقدّمتها سلسلة أفلام المخرج اليساري مايكل مور (آخرها “ثورة الأهالي” المتوافر على الإنترنت داخل أميركا مجاناً) كانت تعالج في الوقت ذاته عالم ما بعد 11 أيلول. وهذا العالم اختلف كثيراً عن سابقه حتى بالنسبة الى تلك الأفلام التي لا علاقة لها ظاهرياً بالسياسة. فيلم ستيفن سبيلبرغ “حرب العالمين”، وهو من الخيال العلمي، ينطلق من افتراض أن العدو يكمن في الداخل. فيلم الرعب “كلوڤرفيلد” لمات ريڤز، يصوّر وحوشاً تهدم نيويورك بالتأثير الناتج من العملية الإرهابية التي تعرّضت المدينة لها. “إعادة تأهيل” لكيڤن هود، هو عن الريبة في المواطن الأميركي ذي الأصل العربي  في هذا العصر.
وإذا كانت أفلام شوارتزينغر ونوريس وستيفن سيغال وسواهم التي اعتمدت على المهارة القتالية للفرد الواحد والقوّة العضلاتية التي تمكّنه من طرد البطل المثقّف من الصورة، ذابت بفعل افتقارها الى الصدقية في زمن حرب جديدة، فإن أفلام الكوميكس وشخصياتها المؤلّفة من “سوبر هيروز”، أو أبطال خارقين للطبيعة، من أمثال باتمان وسبايدر مان والأربعة الرائعين والعفريت ورجال إكس، وهي الفترة التي لا تزال نشطة، هي التي خلفت الأبطال “الآدميين” السابقين معلنة أن البطل- البشر لا يستطيع أن يحرز إنتصاراً كافياً في العالم الذي نعيش فيه. أترك الحرب إذاً للأبطال الخارقين للعادة المقنّعين ولابسي الأزياء الغريبة التي تمكّنهم من مقاومة كل الأخطار وكل أوجه الطبيعة بما فيها قانون الجاذبية.
المحكمة تنتظر
في الصالات اليوم وقريباً، أكثر من فيلم ينتقل من هذا الجانب الى جانب جديد آخر مستمد من رحى فترة الصراع على الزعامة الأميركية المقبلة.
ذلك لأنه إذا كان فيلم “مليون دولار بايبي” الذي تم عرضه بعد فوز جورج دبليو بوش بالولاية الثانية، كان شيئاً من القراءة في المستقبل المنظور، فإن هناك أفلاماً أخرى بعده أفرغت مواقفها على نحو واضح وجلي (من وجهة نظر فنيّة تعتبر مقياساً) وهذا ما يجعلها أقل قيمة ثقافية وفكرية مما يجب، لكنها أقدر على الوصول الى الجمهور العريض (إذا ما شعر هذا أن ما يريد مشاهدته فعلاً). أحد هذه الأفلام هو “أنشودة أميركية” او American  Carol  كوميديا تدور حول منطقتين: الأولى نقد موقف السينما الأميركية اليساري من ناحية، وهي المنطقة العامّة من الموضوع، ونقد المخرج مايكل مور ونظرته ومفهومه الى اميركا من ناحية ثانية، وهي المنطقة الأكثر خصوصية. يدور الفيلم حول مخرج قريب الهيئة من مايكل مور تزوره ثلاث شخصيات قادمة من العالم الآخر وتأخذه في رحلة لكي تعرض عليه تاريخ أميركا وما تقوم عليه. بذلك تجذبه الى إعادة تقويم رؤيته مع نهاية الفيلم.
طبعاً، هذا من الصعب جداً أن يحدث حتى ولو زار شبح او ملاك او عائد من العالم الآخر مايكل مور. فهو مخرج نشط في ممارسة موقفه السياسي المعادي لليمين وللوضع السياسي السائد وفيلمه الحالي الذي قرر توفيره على الإنترنت لمن يشاء، “ثورة الأهالي”، ليس سوى استمرار لأعماله التسجيلية والريبورتاجية السابقة في هذا المضمار وآخرها “سيكو” وقبله “فاهرنهايت 9/11” الفيلم الذي استخدم فيه ذلك المشهد الصادم حول الرئيس بوش وهو غير قادر على استيعاب ما حدث حين جاءه نبأ تدمير مبنيي “مركز التجارة العالمي”.
فيلم آخر له علاقة بالمسألة، ولو أنه لا يذكر الرئاسة بالأسم، هو فيلم تسجيلي للاري تشارلز. فيلم رديء التنفيذ بعنوان “تديّن” (المخرج هو نفسه الذي حقق الفيلم الرديء الآخر “بورات”) وفيه يقوم المقدّم التلفزيوني المعروف (أميركياً على الأقل) بيل مار بالإنتقال بين رجالات الدين، مسلمين ومسحيين ويهود، ومناقشتهم في أمور الحياة والآخرة. بيل مار ملحد معروف (ومعاد لمن يجلس على سدّة البيت الأبيض) وما يطرحه هنا، من مفهومه وبلغته، هو كيف يسطو الدين على عقول البشر ولماذا لا يزال الإنسان يؤمن بالمعتقدات. ثم حين يصل الأمر الى الدين الإسلامي، فلماذا هذا الدين يؤمن بالعنف ويمارسه؟
المشاهد الأميركي المتخذ موقفاً من الإسلام، لن يشعر بأن الفيلم حقق له شأناً كبيراً إذ هو أيضاً معاد للمسيحية (قسم محدود يتعرّض لليهودية وليس بالقدر ذاته من الضدّية) والإقبال عليه محدود من متطفلين أكثر من باحثين عن فيلم تسجيلي مزوّد رؤية واقعية او مضمونا قابلا للطرح على صعيد شعبي واسع.
المحكمة ستنتظر الى حين عرض فيلم أوليڤر ستون الجديد W وهو الحرف الذي يتوسّط إسم جورج بوش لأنه يدور عليه. المخرج ستون سبق وقدّم أفلاماً حول الرئيسين جون ف. كينيدي وريتشارد نيكسون والرئيس ياسر عرفات والزعيم الكوبي فيديل كاسترو، كما اشتغل على الحرب الفيتنامية في أول أفلامه “بلاتون”، وفي فيلم لاحق هو “مولود في الرابع من تمّوز”، وكان آخر أفلامه دراما حول سقوط برجي “مركز التجارة العالمي”.
الذين شاهدوا الفيلم انقسموا حوله، وقد يكون من النوع الذي يستدعي فعلاً هذا الإنقسام لأن مواقف ستون، عبر أفلامه السابقة، دائمة الإنتقال على قدمين.
بعده بأسبوعين سنشاهد فيلم رون هوارد الجديد “نيكسون/ فروست”  ويدور على اللقاء الذي تم بين الرئيس ريتشارد نيكسون والصحافي المخضرم ديفيد فروست. نيكسون من بين أكثر الرؤساء الأميركيين الذين قامت هوليوود بالإنفاق على أفلام تقدّمهم. ويبدو أن المحكمة ذاتها لا تزال منعقدة في شأنه أيضاً ¶

محمد رضا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى