صفحات سورية

أميركا من الداخل ..الفقــــر

null
سمير التنير
ليس الحديث عن الفقر في أميركا (وهي أغنى دولة في العالم) مجرد مزاح، بل حقيقة واقعة. اذ يتجاوز عدد الفقراء في اميركا ٣٦ مليون نسمة. بينهم اكثر من مليون طفل يعيشون تحت خط الفقر، وذلك وفق تقدير لمكتب الاحصاءات الاميركي الحكومي، الذي لا ينشر الا الاحصاءات الموثقة والصحيحة. اما المفارقة المذهلة فهي ان اغنياء اميركا يلقون في براميل النفايات، ما يقارب مئة مليار طن من الاغذية الفائضة عن حاجتهم سنويا.
من المعروف انه لا توجد مجاعة في اميركا. لكن العجز عن تحمل تكاليف المعيشة الباهظة يفتك بالفقراء الاميركيين. لذلك تعلو بعض الاصوات في اميركا مطالبة بجزء من المساعدات الخارجية المخصصة للبلدان النامية الفقيرة الى المحتاجين من الاميركيين. الا ان احصاءات عام ٢٠٠٦ تشير الى انخفاض طفيف في عدد الفقراء وذلك عن العام الذي سبقه. ولكن المشكلة تبقى قائمة. ولا يوجد أي مسعى جدي من قبل الحكومة الفيدرالية او الحكومات المحلية للعمل على حلها. ويذكر التقرير السنوي لمكتب الاحصاءات الاميركي ان هناك ٣٦,٥ مليون شخص، أي واحد من كل ثمانية في اميركا يعيش تحت خط الفقر، بينما هناك ٤٧ مليون شخص محرومون من أي ضمان صحي.
ما يزيد من حدة مشكلة الفقر في اميركا هي التكاليف المرتفعة للمعيشة، بالمقارنة مع غيرها من الدول، علاوة على ان بين الفقراء ١٢,٨ مليون طفل وفتى لم يبلغوا بعد سن الثامنة عشرة من العمر و٨,٧ ملايين طفل ليس لديهم أي تأمين صحي. وقد سجل ارتفاع في عدد هؤلاء الاطفال مقارنة مع عام .٢٠٠٥ حيث كانوا ٨ ملايين. وقد سجل دخل الأسرة الاميركية ارتفاعا طفيفا للسنة الثانية على التوالي، بلغت نسبته ٠,٧ بالمئة ليبلغ ٤٨,٢٠٠ دولار سويا. لكن متوسط دخل الفرد تراجع حوالى ٥٠٠ دولار للرجل ليبلغ ٤٢,٢٦١ دولارا سنويا و٤٠٠ دولار للنساء ليصل الى ٣٢,٥١٥ دولارا سنويا. وشهد المواطنون البيض ارتفاعا في الدخل نسبته ١,١ بالمئة وكذلك الآسيويون ١,٨ بالمئة والمتحدرون من اميركا اللاتينية ١,٧ بالمئة. بينما لم تتجاوز نسبة ارتفاع دخل السود ٠,٣ بالمئة. ونسبة الفقراء بين السود ٢٤,٣ بالمئة. وهي نسبة بقيت على حالها منذ عــام ٢٠٠٥ لكنــها اكـثر مما هي عليه بين الناطقــين بالاســبانية ٢٦,٦ بــالمئة.
اما من ناحية جغرافية الفقر فالولايات الجنوبية الاكثر فقرا هي ميسيسبي (٢١,١ بالمئة من الفقراء) ولويزيانا (١٩ بالمئة) والعاصمة واشنطن (١٩,٦ بالمئة). في حين تقع المناطق الأكثر ثراء في ضواحي واشنطن (فيرفاكس في فرجينيا ومنتغمري في ميريلاند). وتعد ولايات ميريلاند ونيوجرسي وكونتيكات في شرق البلاد الاكثر ثراء في دخل الأسر. وتعتبر مدينتا سان خوسيه في قلب سيليكون فالي في كاليفورنيا (غرب) وبلانو في تكساس (جنوب) الاكثر ثراء في حين تعتبر كليفلاند (اوهايو شمال) وديترويت (ميشيغن شمال) وميامي (فلوريدا جنوب شرق) الاكثر فقرا.
وأظهر تحليل اقتصادي بشأن الفقر في الولايات المتحدة ان عدد الاميركيين الذين يعانون من الفقر المدقع وصل الى ١٦ مليون اميركي. وهو ما يشير الى ارتفاع نسبة الفقراء. وقد نشر تحليل في صحيفة »ماكلاتشي« جاء فيه ان نسبة الاميركيين الذين يعانون من الفقر المدقع وصلت الى أعلى معدلاتها خلال ٣٢ عاما. وقد استند تحليل الصحيفة الى أرقام الاحصاء الرسمي لعام .٢٠٠٥ والذي يشير أيضا الى ان الاسرة المكونة من اربعة اشخاص، من والدين وطفلين ولديها دخل سنوي اقل من ٩,٩٠٣ دولارات (وهو نصف خط الفقر الفيدرالي الرسمي) كانت تصنف باعتبارها اسرة تعيش في فقر مدقع في عام .٢٠٠٥
يمثل الفقر في اميركا تناقضا صارخا مع كونها أغنى بلد في العالم. كما ان استمراره يعد أمرا غير مفهوم حتى بالنسبة الى اقتصادات اقل ديناميكية منه مثل الاقتصادات في اوربا الغربية. ان ثمن الرأسمالية الاميركية كان مجتمعا دارونيا حيث يداس الضعفاء بالأقدام. ولكن الامور ليست بهذه السهولة، فشبكة الامان ضد الفقر كانت الاضعف من أي بلد اوروبي (وعلى سبيل المثال السويد) وعندما اعلن ليندون جونسون الحرب على الفقر في عام .١٩٦٥ كان فقراء ذلك الزمن من الكبار في السن من الذين يعيشون في المدن، وكان اغلبهم من السود، الذين شكلوا اكثر من ٣٠ بالمئة من مجموع الفقراء، الذين يعيش اغلبهم في الولايات الجنوبية. وكان اربع من عشر عائلات من الفقراء، من السود.
يتركز الفقر في اميركا في العائلات التي تقوم بإعالتها امرأة وحيدة عزباء. وتلك العائلات هي الاكثر نموا في فقرها. وتبلغ نسبة الفقر في تلك العائلات ستة اضعاف عما هي عليه في الأسر التي يقوم بإعالتها اثنان، زوج وزوجة. ان الانهيار العائلي في اميركا هو أحد اسباب الفقر الأساسية. وثلاثون بالمئة من الاطفال الفقراء يعيشون في أسر يعولها فرد واحد.
أما السبب المهم الآخر للفقر فهو الأجور المنخفضة. والشريحة الكبرى المتأثرة بهذا الأمر هي من العمال غير المهرة. وتشكل الامهات الوحيدات العدد الأكبر من منخفضي الدخل. والأم العزباء الوحيدة تواجه مصاعب كبرى، فهي تحصل على أجر قليل، وتدفع تكاليف باهظة من اجل تربية طفل واحد. ويعــزو بعض الاقتصاديين انخفاض اجر العمال غير المهرة الى التقدم التكنولوجي الذي حدث في العقود الأخيرة.
ويشكل العمل الجزئي ايضا سببا آخر رئيسيا من اسباب الفقر. ان الفقراء لا يعملون كامل الوقت (Full Time). وعلى الرغم من محفزات العمل، فإن ١٣ بالمئة من الفقراء يحوزون على عمل بكامل الوقت. ويرجع ذلك احيانا الى معاناة بعضهم من امراض نفسية او من ادمان المخدرات والكحول.
تتوفر فرص العمل في ضواحي المدن اكثر منها في المدن المكتظة. ولكن العمال غير المهرة يعيش معظمهم في المدن. وبين العوام ١٩٩٤ و١٩٩٧ على سبيل المثال وفرت مدينة اوهايو ٦٣٦ فرصة عمل. في حين وفرت الضواحي ١٨٦ الف فرصة عمل. ويشكل ايجار الشقق ايضا سببا آخر من اسباب الفقر. اذ ان الايجارات ترتفع من سنة الى أخرى، دون ان ترتفع معها اجور العمل. ويعجز بعض الفقراء عن دفع الايجارات ويتحولون الى مشردين في الشوارع. لا مأوى لهم، وما اكثرهم في اميركا.
يقول ارلوك شيرمات، احد كبار الباحثين في مركز اولويات الميزانية والسياسة »ان الفقر في ازدياد (في الولايات المتحدة) خلال السنوات الاخيرة الماضية. وهذه هي المرة الأخيرة بالفعل الذي يحدث فيها هذا في فترة تعاف اقتصادي. ان هذا جزء من نمط يعكس ان مكاسب النمو الاقتصادي لا تصل تدريجيا الى الطبقات الدنيا في المجتمع«. ويقول افيس جونز ديويفر مدير برنامج الفقر والتعليم والعدالة الاجتماعية في مركز ابحاث سياسات المرأة »ان مجرد تدفق الانعاش الاجتماعي الى الاسفل لا يعني ان اوضاع الناس قد تحسنت، فالناس يحصلون على أجور منخفضة وسوق الوظائف المزدحم لا يوفر أي طريق بعيدا عن الفقر، ولا يوفر لهم رعاية صحية كما يبقيهم في حالة من عدم الامان الشديد«. ويقول الصحافي الاميركي روبرت شير: »من سوء الحظ ان الرئيس بوش ما زال يعتقد ان الفقر المدقع الذي يعيشه سكان نيو اورليانز وعرض حياتهم للخطر كان من جراء الاعصار الشديد الذي تعرضوا له وليس كونه واقعا قوميا مزعجا وحقيقة مؤلمة كان يتعين عليه مواجهتها منذ زمن بعيد« ونقول نحن اخيرا ان الاميركيين وأولهم المسؤولون بحاجة الى جهد كبير جدا للتعامل مع مشكلة الفقر وأسبابها العميقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى