صفحات سورية

هل يحضر النظام لتوسيع حملته ضد التيار الإسلامي في سورية

null
محي الدين قصار
تناقلت لنا الأخبار تحذيرات بثينة شعبان من خطر المد الإسلامي أو ” مد ديني متعصب” حسب تعبيرها، ومن يراقب العديد من المقالات التي بدأت منذ اشهر يجد محاولة لتفجيرفتنة معتمدة على “فتوى” منسوبة للشيخ القرضاوي حرم فيها تقديم التهاني على “أهل الكتاب” في اعيادهم، وأغلب هذه المقالات تعود لمن يدعى الانتماء لصفوف الديمقراطية السورية، وهم يعلنون الهجوم على القرضاوي وقد كانوا بالأمس يعلنون الحرب على اعلان دمشق والمعارضة الديمقراطية ويسبحون بحمد النظام ويقدسون عطائاته عليهم.
وهنا علينا أن ننبه لهذا الخطر الجديد، فدوائر السلطة ما برحت تبحث عن وسائل تشق فيها صفوف المعارضة، وعلى ما يبدوا أن اللعبة هذه الأيام هو الإيقاع بين الصف الإسلامي وغيره في المعارضة، فيبدأ التحشيد الفكري ضد الاسلاميين ويفتح المجال واسعا لبعض مدعي المعارضة لتأجيج نار الفتنة كلما هدأت، وهذا ليس بالجديد على النظام فكم مرة يُعيد النظام فتح ملف قانون الأحوال الشخصية وهو على أمل أن يتمكن من أن تظهر انتقادات المعارضة لهذا الملف كتهجم على الإسلام امام العوام، ويخرج النظام فيها كمدافعا عن العقيدة وحام للناس من هجمة المتغربين والمتأوربين والمتأمركين وما إلى هنالك من تهم جاهزة. وإن أفشلنا مسعاه اليوم فسيأت غدا ويحاول بطريقة أخرى، ونحن لايمكننا مواجهة هذه المناورات الخبيثة غبر المنتهية مالم نتسلح بمفهوم صحيح وثابت للمجتمع الذي نسعى لأقامته ولدور السلطة في هذا المجتمع. فمقدار صحة وشمولية وقدرة هذا المفهوم على استيعاب الجميع بمقدار قدرتنا على التعالي على مثل هذه المناورات الوسخة للإيقاع فيما بيننا.
والسؤال الذي علينا طرحه: ما علاقتنا بهذه القضية في جهادنا من اجل الحرية والديمقراطية لشعبنا؟ فنحن نجاهد من أجل حرية شعبنا ومنح مواطننا حقه في تقرير مصيره، وجزء من هذا الحق أن يقول كل مواطن مايؤمن به دون قيد أو شرط. فأنا أناضل من أجل أن يتمكن القرضاوي وغيره أن يقولوا رأيهم بحرية، وأن يتمتع ابناء بلدي بحقهم بالاستماع لمثل هذه الآراء وحقهم برفضها أو قبولها دون تدخل السلطة. فمن زائفة الأسئلة أن نعتقد أن هذه مشكلة، فمن يعتقد بأن السؤال في هذه القضية يحمل صيغة سياسية هو الذي ما زال ينظر للسلطة بصفتها “الديكتاتورية” ولو كان يناضل من أجل التغيير، فنحن لا نناضل من أجل استبدال سلطة تدخلية بسلطة تدخلية أخرى تحت عنوان جديد.
فالسلطة التي نسعى لها لا حق لها بأن تمنع الشيخ القرضاوي أو غيره من أبناء سورية الحبيبة من أن يقول ما يريد قوله، كما انه لا حق لها أن تتبنى قوله. كما أن السلطة التي نسعى لها لا حق لها أن تجرم من يتبع رأيه، ولا تجرم من يخالف رأيه. ففتواه الفاضلة (وهي ملفقة له) هي رأي من الآراء، ولمواطنينا الحق باتخاذ الموقف الذي يرونه مناسبا منها دون أن تتدخل السلطة بهذه الحرية من قريب او من بعيد. إن الذين يحولون فتوى القرضاوي هذه إلى قضية سياسية، سواء بمعارضتهم لها أو بتأييدها، هم أنفسهم الذين ينظرون للسلطة على أنها مغنم وعلى أنها وسيلة لحمل الناس على وجهة ما. ولكن علينا أن نناضل لكي لا نحمل الناس في بلدنا على رأي ولو كان رأينا الذي نؤمن به. فقناعاتي أن صلاحية رأينا للناس لا يحدده إلا الناس أنفسهم. أما أن تتحول آراءنا، أو آراء فضيلة القرضاوي في هذه الحالة، لقانون يحكم البلد فهذه نقطة اخرى.
إننا في سعينا لتحقيق الحرية لأبناء وطننا يجب أن نكون واضحين بمنتهى الشفافية، فالحرية هذه هي حرية كاملة لكل الناس مهما اختلفت مشاربهم وآرائهم، وعلينا أن نحصن الصفوف فسواء كنا عربا أم أكراد فلا يمكن أن نقبل أن تنتهك حرية أحدنا بسبب عزته بانتمائه، وسؤاء احببنا آراء الشيخ العبد الرحمن الكوكي من النقاب أم لا نحب لا يمكننا أن نقبل أن يودع في سجن أحد على رأي قاله أو مقالة كتبها أو صورة رسمها.
واخيرا أحب أن انوه على أن هذا الرأي الفقهي المنسوب زورا للقرضاوي ليس بالجديد فهذا راي فقهي معروف منذ زمن بعيد، فمالذي أعاده من جديد على الساحة؟ هل انتهت كل مشاكل العالم العربي والاسلامي؟ وهل شبع اهلنا خبزا وكرامة وتحريرا ووحدة ولم يبق لنا سوى هذه المسألة؟ أم أن هذه القضايا مصممة خصيصا لتطفوا على السطح في كل شاردة وواردة لكي تلهينا عن المشاكل الحقيقية التي تمسخ عالمنا ومجتمعاتنا وتهدد وجودنا في كل يوم؟
أنني أتوقع تسعير الحملة ضد الإسلاميين والمستقلين في سورية وهذا سيزيد تكاليف البقاء في المعارضة لغيرهم، ويسهل استقطابهم من النظام. وما لم ننتبه ونتمسك بفكرة المواطنة والحريات دون شائبة فإننا سنقع في براثن فتن النظام بسهولة. وأنا لست من مؤدي “نظرية المؤامرة” ولكن المشاكل والخلافات لا تحدث بصورة سحرية بل لابد لها من تدبير وتحضير، ولابد من محرك يستمر بتأجيجها، ومن يشكك في هذا ليبحث عمن تداول هذه الفتوى واعاد النقاش لها كلما هدأت منذ ايلول الماضي.
* بروفيسور وكاتب سوري مغترب
** نص فتوى الشيخ القرضاوي على موقعه:
http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=5687&version=1&template_id=130

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى