صفحات مختارة

دور الشباب في الفعل السياسي

د. طيب تيزيني
قلما يواجه المرء في العالم العربي نشاطاً بحثياً يتصل بفئة الشباب، وهذه ملاحظة تنسحب على معظم “بلدان الجنوب” أو ما ندعوه بلدان “العالم الثالث”. وإذا كانت معضلات الشباب هي المهيمنة في بلدان ذلك العالم، فإن فئة الشيخوخة هي البارزة في بلدان الدول الرعائية (الغربية غالباً)، مع العلم بأن الأمر أخذ يتغير في هذه الدول مع بروز الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية. فالرعاية بذوي الأعمار المتقدمة ها هنا تجعل هؤلاء قادرين على الاستمرار البيولوجي بمعدل شبه ثابت، في حين تؤسس حالة غياب أو ضآلة الاهتمام بالشيوخ في بلدان العالم الثالث، لنقص الأعمار، ومن ثم لظهور جيل الشيوخ لفترات متضائلة. ومن ثم، فإن نسبة الشباب هنا عالية، حيث تشير نسبة أعمار الغالبية السكانية إلى ما هو دون الخامسة والعشرين، حسب تقديرات عدد من الباحثين السوسيولوجيين.
ومع الموافقة على أن جيلاً شبابياً ما يتحدر من مصادر طبقية وفئوية متعددة ومتباينة في المجتمع، إلا أن ثمة من العناصر والعوامل ما يوحد أفراد هذا الجيل، وما قد ينتج بنية شبابية متسقة أو موحدة، إلى درجة معينة. فبالإضافة إلى التقارب العمري البيولوجي بين أولئك، فإن هنالك ما يعمّق هذا التقارب وما يجعل منه ركيزة جيلية استراتيجية لفعل اجتماعي أو سياسي أو ثقافي ما. في مقدمة ذلك أن يعيش هؤلاء ضمن مسار اجتماعي وتاريخي ما يمسّهم في أكثر مواقعهم ومواقفهم ومصائرهم حساسية والتصاقاً بمواقعهم وبمستقبلهم كفئة جيلية بمشكلات خاصة بها أولاً، وكعنصر تكويني من عناصر المجتمع العربي ثانياً. وحين تتعمق عناصر التقارب بين أعضاء تلك الفئة، عبر نمط من الوعي الاجتماعي السياسي النَّشِط، فإن بنية اجتماعية سياسية تكون قد أخذت تُفصح عن نفسها، بنية ووظائف. أما هذه البنية فيمكن الاصطلاح عليها بـ”الجيل السياسي”.
ها هنا، نجد أمامنا حالة بحثية نموذجية مهمة قد تتجسد في الجيل (أو الأجيال) الشبابية العربية. فإذا كانت هذه الأجيال (والحديث عنها بصيغة الجمع) تعيش راهناً حالة من التخلف والانحطاط والبؤس الشامل (اقتصاداً وتعليماً وتربية وقضاءً وقيماً معنوية وأخلاقية واجتماعية)، فإنها تعيش على حدّ السيف: لا كفاية مادية ولا كرامة ولا حقوقاً (إنسانية). النظام الأمني العربي لم يخفق إخفاقاً ذريعاً في حل مشكلات الأجيال العربية الشابة فحسب في التعلم الأساسي والدراسة الجامعية والعمل والزواج والحرية في خياراتهم السياسية المستقبلية. إنه يسعى كذلك إلى تحويلها (أي الأجيال) إلى جموع مهمّشة مُذلّة مهانة، ويمكن الرهان عليها في مهمتين اثنتين كبيرتين: أن يحولوا عالمهم العربي إلى أدوات في أيدي أجهزة الأمن التي لا تفوتها صغيرة ولا كبيرة أولاً، وإفسادهم كلياً عن طريق المخدرات والجريمة المنظمة، ومن ثم عن طريق تحويلهم إلى بيادق في أيدي “أصحاب القرار الشعبي” فاسدين ومُفسِدين.
هذه الأجيال العربية الشابة تمثل -والحال كذلك- خزاناً قد لا ينفد بسهولة، حين تمتلك الوعي بذاتها وبمأساتها، وحين تتوحد باتجاه النهوض والتقدم والتنوير والتحرر من ربقة من يسعى إلى تفكيك من لا يزال عصياً على ذلك.
الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى