صفحات ثقافية

صوت الحنين

null


اسكندر حبش

هل هو الحنين فقط؟ أم إن ماضينا، بكل ما يحمله من انكسارات وخيبات، ومن أحلام كبيرة أيضا، لا يزال يرفض أن يغادرنا، لا يزال يرفض أن يختفي كأن شيئا لم يكن؟ من الصعب اعتبار أن ذلك كله لم يكن سوى مجرد وهم انقضى مع مرور السنين المتراكمة على الجسد والذاكرة.

هذا ما أخبرنا به الصوت، قبل أيّ شيء آخر، تلك الليلة. وربما نستطيع أن نضيف أننا نحن أيضا لم نكن نرغب في الخروج من دائرة أسره، إذ إنه أعاد إلينا حيوات كثيرين، لا لأننا افتقدناها في زحمة كل شيء، بل لأنها لم تغادرنا مطلقا فبقيت عالقة في أقصى أقاصي هذه الروح، لذلك كانت بحاجة لهذه الشعلة الصغيرة كي تهب فجأة بنيرانها المدهشة.

كانت جَمعة ضمت كتابا وشعراء وصحافيين، والكثير غيرهم، لكنها ضمت مفاجأة جميلة أيضا، تمثلت بحضور الفنانة المصرية عزة بلبع. هي أكثر من حضور عابر في وجود البعض. ربما هي ذاكرة وحياة كاملة في وجود البعض الآخر. وكان لا بد لنا من ان نطلب منها أن تعود إلى هذا الماضي، عبر صوتها الذي لا يزال يحتفظ بكل ألق النيل ومياهه.

هي مسافة زمنية امتدت على مدار سهرة، لكن أغاني الشيخ ونجم، بصوتها، عادت لتجلب لنا تواريخ وتفاصيل من الصعب نسيانها، من الصعب القفز عنها واعتبارها أنها لم تكن سوى حالة عابرة: «انا توب عن حبك»، «مصر يمة يا بهية»، «جيفارا مات» وغيرها العديد من لحظات ذلك الماضي.

بالتأكيد ليس الأمر مجرد حنين. صحيح أن غيفارا لم يعد اليوم تلك الأسطورة الصافية، بعد أن بدأت صورته تزين القمصان والفناجين والحانات والأقلام، أي أصبح رافدا من روافد «المركنتيلية»، إلا أن شيئا في تلك الصورة لا يزال يريد إخبارنا بأن ثمة عدالة ما زلنا نبحث عنها، وبأن ثمة ظلما لم نتخلص منه، على الرغم من انتهاء التاريخ عند البعض، وعلى الرغم من أن البعض الآخر، يرغب في رسم خرائط جديدة لعدد من مناطق العالم.

هي سهرة بالتأكيد، وهو صوت أيضا. لكنه صوت يرفض أن يشطب الماضي. بل على العكس، صوت يخبرنا كم أن حاضرنا لم يخرج من ذلك الماضي، ما دام الكثير من الظلم والتعسف لا يزال رازحا على أصابعنا، وما دامت كلمات مثل حرية وعدالة أصبحت بمثابة شتائم عند البعض.

هو صوت بالتأكيد، لكننا لم نعد نملك سوى أصواتنا التي تخبرنا بأن الحاضر لن يكون حاضرنا إلا بعد أن نجد حلا لمعنى الماضي. ربما عندها، لن نقع في الحنين مجددا.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى