صفحات العالمما يحدث في لبنان

هل بدأ “حزب الله” تحقيق هدفه اللبناني؟

سركيس نعوم

حقق “حزب الله” اللبناني هويةً والشيعي مذهباً والاسلامي الايراني ايديولوجياً، اهدافاً بالغة الأهمية منذ تأسيسه بين عامي 1982 و1985. وهو تأسيس رعاه بل شارك فيه “الحرس الثوري” التابع للجمهورية الاسلامية في ايران. وكان لهذين التأسيس والمشاركة دور كبير في “انجازاته”، رغم ان الإنصاف يقتضي الاعتراف بأن الفضل الأول في هذه الانجازات انما كان للدم اللبناني الذي بذله مقاتلو الحزب، وخصوصاً في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي لأجزاء من لبنان.

الهدف الاول الذي حققه “حزب الله” اقليمي. فهو الذي حوّل لبنان، او بالأحرى قسماً مهماً منه محاذياً لاسرائيل وآخر محاذياً لسوريا، قاعدة عسكرية سياسية ايرانية متقدمة قادرة على تهديد اسرائيل مباشرة، وإن من خلال مقاتليه الاشداء. وهو الذي افسح في المجال امام سوريا لادارة الوضع اللبناني اثناء الحروب فيه وبالطريقة التي تناسب مصالحها الاستراتيجية. وهو الذي مكّنها بعد الحرب من الامساك بهذا الوضع بقوة. وهو أحد ابرز الذين اعادوا اليها دورها اللبناني بعد الخروج المهين لها منه والذي فرضه عليها المجتمعان العربي والدولي عقب استشهاد الرئيس رفيق الحريري عام 2005. وهو اخيراً الذي قام بدور المنسق داخل التحالف الذي جمع سوريا وايران وحركات مقاومة اسلامية عدة ابرزها حركة “حماس” ومنظمة “الجهاد” الفلسطينيتان، وبذلك وفّر لايران الارضية اللازمة لتصبح لاعباً مهماً في قلب العالم العربي وعلى حدود اسرائيل، كما وفّر لسوريا الظروف الملائمة للعودة الى الساحات اللبنانية والعربية والدولية بكثير من القوة.
والهدف الثاني الذي حققه “حزب الله” لبناني “قح”، كما يقال، رغم عدم إمكان او بالاحرى عدم جواز تجاهل آثاره الاقليمية الايجابية وخصوصاً على دمشق وطهران العاصمتين الحليفتين له، وآثاره الاقليمية السلبية على اسرائيل واميركا وعلى عرب الاخيرة “المناهضين” لايران واستطراداً لسوريا والمؤيدين للغرب عموماً. هذا الهدف كان تحرير معظم الاراضي اللبنانية من الاحتلال الاسرائيلي عام 2000.

والهدف الثالث الذي حققه “حزب الله” لبناني ايضاً. وبأبعاد وآثار اقليمية ايضاً ايجابية للبعض وسلبية للبعض الآخر. وهو مواجهة الحرب التي شنّتها اسرائيل عليه بل على لبنان عام 2006 بعد اختطاف عناصره جنديين لها من داخل اراضيها في عملية جريئة اوقعت نحو ثمانية جنود بين قتيل وجريح.
والهدف الرابع لبناني بامتياز وهو توقيع “حزب الله” تفاهماً جدياً مع “التيار الوطني الحر” الذي كان يمثّل في حينه غالبية المسيحيين والذي لا يزال يمثّل حتى الآن نصفهم او اقل من نصفهم بقليل. واهمية هذا التفاهم تكمن في انه خرق جدار “العزلة” على الحزب الذي ينتمي الى “الشعب” الشيعي بعد “اتحاد” الشعوب المسيحية والسنية والدرزية في مواجهة سوريا عام 2005، ومكّنه من الانتقال تدريجاً مع حلفائه الاقليميين من موقع الدفاع الى موقع التوازن مع الخصوم فموقع الهجوم، وكان ذلك في شباط 2006.

والهدف الخامس لبناني بامتياز ايضاً، وهو خروج الزعيم الدرزي الابرز وحزبه “التقدمي الاشتراكي” وشعبه من فريق 14 آذار المناهض لفريق 8 آذار الموالي لسوريا وايران والذي يتزعمه “حزب الله”، وتوقع اقترابه من الاخير (أي الحزب) باعتباره الأقوى والأكثر تهديداً للآخرين، وربما من الفريق الذي يتزعمه كله في مستقبل غير بعيد، ولكن بعد مرحلة تمهيد قد تقتضي منه رفع شعار الوسطية والاستقلال والاصطفاف مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان.
كيف تؤثّر هذه “الانجازات” او الأهداف على مسيرة “حزب الله” وعلى مستقبل “شعبه” في التركيبة اللبنانية المتعددة “الشعوب” والمتناحرة الشعوب؟
لمعرفة طريقة تأثيرها لا بد من الاجابة عن التساؤل الآتي: هل خطط الحزب و”حليفاه” الاقليميان لتحقيق الاهداف – الانجازات المفصّلة اعلاه، ام انهم حققوها بمحض الصدفة؟ المعلومات المتوافرة تشير الى ان هدف التحرير كان مخططاً له، على صعوبته، وان هدف الصمود وافشال حرب اسرائيل عام 2006 كان ايضاً من مخططات الحزب ومن وراءه، رغم ان النجاح في ذلك كانت تعتريه شكوك كبيرة. الا ان عزيمة المقاتلين واستبسالهم بددا هذه الشكوك.

وتشير المعلومات نفسها ايضاً الى ان استمرار التحالف السوري – الايراني الداعم لـ”حزب الله” والحامي له كان هدفاً مستمراً لقادته، وإلى ان معظم الخيارات التي اتخذوها كانت تصب في اطار تعزيز هذا التحالف. من هنا كان التحالف مع غالبية المسيحيين عبر العماد عون والزعيم الشمالي سليمان فرنجيه. ويؤكد ذلك تساؤل عدد من قادة الحزب في عز “الحرب” بين سوريا ومسيحيي لبنان عن امكان وجود زعيم او زعماء مسيحيين قادرين على الانفتاح على سوريا وحلفائها اللبنانيين وجاهزين لرؤية المكاسب التي قد يجنيها “شعبهم” جراء ذلك.

وتشير المعلومات نفسها اخيراً الى ان فك التحالف الجنبلاطي (الدرزي)، كون وليد بك زعيماً شبه أوحد “للشعب” الدرزي، مع “تيار المستقبل” زعيم الشعب السني المناهض لسوريا وايران منذ 2004، كان همّاً او بالأحرى هدفاً عند “حزب الله”. ربما لان شعب “المستقبل” من دون المسيحيين او غالبيتهم ومن دون الدروز لا يعود قادراً الا على استجابة الطلبات المقدمة محلياً واقليمياً او على التجاوب معها او على الرفض وتالياً الاستنكاف، ولكن من دون اي رد فعل سلبي مؤثر. ومن شأن ذلك تمكّن الحزب وحلفائه الجدد من السيطرة على البلاد، وفي ذلك فائدة طبعاً لحلفائه الاقليميين. وفي اجواء كهذه يكون تحقق الهدف السادس لـ”الحزب”. وفي ظل ذلك لا تستطيع القوى الكبرى في العالم، وفي مقدمها اميركا اذا قررت سلوك الحوار لحل المشاكل في المنطقة ومعظمها مع الحزب و”حماس” وسوريا وايران الاسلامية فضلاً عن الاسلام الاصولي السنّي المعتمد العنف والتكفير – لا تستطيع تجاهل الواقع الجديد في لبنان وارتباطاته الخارجية. وهي قد تقبله، وإن في مقابل اثمان مهمة وواضحة وغالية. اما الحلفاء الاقليميون لهذه القوى الكبرى، وفي مقدمهم عرب ما يسمى الاعتدال، فانه لن يكون في امكانهم سوى “الصوم والصلاة”، كما يقال، ومحاولة لعب دور الوسيط سواء داخل لبنان او بينه وبين محيطه المباشر كما يفعلون حالياً، وإن من غير اقتناع فعلي.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى