صفحات ثقافية

عربية العالم

null
اسكندر حبش
من تابع الصفحات الثقافية في الصحف والمجلات الفرنسية في الأسبوعين الماضيين، لا بدّ له من أن يقع على عرض لأبرز الكتب التي تصدر مع بداية الموسم الأدبي هناك. المناسبة تفترض ذلك، أي تقديم بعض الإشارات إلى ما يمكن للناشرين والنقاد والصحافيين اعتباره “أفضل الكتب”، من أجل مساعدة القارئ على خياراته ضمن هذا الفيض الجارف مما يصدر (على سبيل المثال أكثر من 600 رواية فرنسية وأكثر من 300 رواية مترجمة إلى الفرنسية، ما عدا الكتب الأخرى من بحث وشعر وما إلى هنالك).
من المقالات التي توقفت عندها، واحد يتحدث عن أبرز الكتب التي ترجمت إلى الفرنسية، ليجد الكاتب أن الرواية الإنكليزية تحتل الحصة الأكبر، أي أن قسما كبيرا مما ترجم من روايات إلى الفرنسية هذه السنة، هي روايات إنكليزية. ليس في الأمر من حيث المبدأ أي غرابة، فالرواية الإنكليزية، برأي العديد من النقاد تشهد “نهضة ملحوظة” في الأعوام الماضية (على الرغم من أننا لا نعرفها بعد في العربية كما ينبغي فالأسماء القليلة التي نقلت إلى العربية مؤخرا لا تقدّم إلا فكرة بسيطة عما يدور هناك).
لكن اللافت في الأمر أنه لو نظرنا إلى هؤلاء “الروائيين الإنكليز” (أو الذين يكتبون بالانكليزية) لوجدنا أن غالبيتهم يأتون من بلاد المُستعمرات البريطانية القديمة، أي تلك الدول التي كانت تحت الاستعمار البريطاني ذات يوم، والتي – على الرغم من كل ما يمكن لنا أن نجده في السياسة ونتحدث عنه – بدأت تكتب لغة المُستعمِر. أسماء من أصول هندية (كلّ القوميات الهندية الممكنة)، افريقية، باكستانية، كندية، وحتى عربية… أيّ كأننا أمام ظاهرة جديدة يمكن لنا أن نسميها “انغلوفونية”. بمعنى آخر وبعد ظاهرة الفرانكوفونيين في الأدب الفرنسي نجد اليوم ظاهرة الأنغلوفونيين في الأدب الانكليزي.
تأتي الظاهرة كأنها من سمات الحياة الحديثة، أي لا نجد أي “حساسية” من قبل الإنكليز أنفسهم على اعتبار أن هؤلاء الكتاب لا ينتمون إليهم، بمعنى آخر، لا “عنصرية” تلوح في الأفق لمعاداة هؤلاء، على الرغم من أن الكثير من أدبهم يتحدث عن مساوئ الاستعمار وعن الرغبة في تدمير هذه اللغة التي كانت السبب في استيلاب الهوية وما إلى ذلك.
تخيلوا لو أن بعض الكُتّاب في العالم أحبّوا أن يكتبوا بالعربية، لوجدنا الأصوات ترتفع مطالبة بعدم “تدمير هذه اللغة”، وبعدم الاعتداء عليها، الخ. تلك الأحاديث التي لا تنم إلا عن عنصرية كامنة لا نعترف بها. بالأحرى ألم نفعل ذلك؟ مثل بسيط، كم كاتب “كردي” يكتب بالعربية اليوم؟ عديدون وبعضهم يعرف هذه اللغة أكثر من العرب أنفسهم، ويملكون أسلوبا لا نجده عند “مشاهيرنا”. لكن هل أفسحنا لهم مجالا وهل دعوناهم لأن يكونوا من كتابنا؟
لا جواب لديّ. بالتأكيد تعرفونه. هي قضية ثقافة لا أكثر.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى