قضية فلسطين

لماذا لا نحل الجامعة العربية؟ ونعيد النظر في العروبة؟

غسان تويني
هل قررت الدول العربية الاستقالة من التاريخ وصناعته، بعدما استقالت من الجغرافيا تاركة ارضها والدول والحدود سائبة تتصرف بها في مواجهة اسرائيل الامبراطوريتان اللتان لم تشفيا من حنين التسلّط ووراثة العرب: العثمانية والفارسية، تهولان على اسرائيل حيناً وتغازلانها احياناً؟
والأنكى في الامر ان تسألنا طهران ماذا يمكنها ان تفعل “للتعاون من اجل ايجاد حل” (!!!) من غير ان يتصدى زعيم عربي ليقول لها “ارفعي ايديك عن فلسطين” كما صرخ مرة من ثلاثين سنة الرئيس انور السادات “ارفعوا ايديكم عن لبنان”.
ثم الانكى ان تتصرف حكوماتنا بـ”جاهلية” للقواعد والاصول الشرعية الدولية، فتوفد الى مجلس الامن مجموعة من الرسل والوزراء، وهي التي يفترض فيها ان تعرف ان مجلس الامن، اذا وافق على الاستماع الى العرب، فلن يكون حول الطاولة مكان الا لمندوب واحد، اضافة الى ليبيا العضو العربي في مجلس الامن لهذه الدورة… فبكم لسان سينطق العرب امام العالم وبأية مطالب سيتقدمون، وهم الذين عجزوا لا عن عقد قمة خشية ان تنفجر فحسب، بل عجزوا حتى عن الاجتماع في مجلس وزراء خارجية لصياغة موقف وخطة…
أهون الشرور بالطبع، وهذا ما قد يحصل، هو ان “ينطق” باسم الجامعة امينها العام… الا اذا وجد نفسه عاجزاً عن النيابة عن مجموعة المتناقضات التي اين منها متناقضات “متاريس” الحكومة اللبنانية.
نقول ذلك ونحن ندرك ان اسهل السبل امام الامين العام المتمرس بديبلوماسية الامم المتحدة هو المطالبة بالمستحيل، اي مثلاً بقرار “ادانة اسرائيل” وهو “مشروع قرار” يضمن الحفاظ على اجماع عربي صوري في وجه الاصطدام بالفيتو الاميركي، وخصوصاً في الفترة الانتقالية بين نظامين حزبيين ورئاستين محرجتين… واحدة بظاهرة الحذاء البغدادي، والثانية بالحاجة الى مراعاة اسرائيل المنتصرة ميدانياً في وجه جامعة عربية لا تجمع بين اعضائها سوى الخطابة في سباق الى البلاغة الموجهة الى رأي عام عربي يستطيب التطرف غير القابل للترجمة الى اللغة الاميركية، او حتى الى لغة ساركوزي الذي افقدناه لغته الفرنسية كما في التعبير الفرنسي المتداول perdre son français!
• • •

… والآن ما هي الخطى العملية الواجب الاقدام عليها بما تبقى لنا من التضامن العربي؟
أولاً: تلغي زيارة الوفد (التي ستتحول الى مجرد زيارة ليس اكثر، لان سفراء الدول الاعضاء في مجلس الامن غير مخولين اكثر من نقل المواقف الى حكوماتهم وطلب تعليمات، في ضوء تشاور يجري بين العواصم)…
هكذا نتحاشى “البهدلة” في نيويورك التي ستنعكس على وضع و”مقام” الوزراء الذاهبين ولا تعليمات معقولة لديهم، فينقلون خلافات العواصم العربية الى اروقة الامم المتحدة. وابسط هذه الخلافات، هل نصرّ على قرار “ادانة اسرائيل” المستحيل اتخاذه عملياً؟
ومستحيل بلورة مشروع قرار بديل تجري المفاوضة في شأنه، انما مع العواصم وحكوماتها لا مع السفراء.
ثانياً: نستعيض عن الوفد واحراجاته بإيفاد الامين العام للجامعة وحده الذي يجب ان يتمتع بصلاحية المفاوضة، ولو لكسب الوقت مع التركيز على قرار وقف النار قبل ان تحترق غزة كلياً، اياً يكن الثمن.
ثالثاً: نترك للسفير الليبي صلاحية التصرف وبصفته الممثل العربي في مجلس الامن ولو “فولكلورياً” – وقد اثبتت السوابق ان الديبلوماسية الليبية، ولو فولكلورية تحقق مكاسب. فلنثق بها ولو مرة ولا خسارة ممكنة اكثر من اغلاق آفاق مغلقة اصلاً.
رابعاً: نركز الجهود العربية على الحؤول دون استدراج اسرائيل لبنان الى “عاشوراء” تريدها اسرائيل، على الاقل لاسباب انتخابية، فحذار الوقوع في الفخ… وكدنا نقع لو لم تكتشف الصواريخ “المجهولة” (؟) الهوية، وهي جاهزة للاطلاق. مما جعل رئيس الجمهورية يتخذ موقفاً حاسماً فيقول ما معناه انه لن يسمح بنقل غزة الى لبنان او بتحويل لبنان الى غزة ثانية. ويقال انه امر، بتكتم شديد، باتخاذ التدابير التي حالت دون ذلك.
خامساً: تعترف الجامعة العربية بأنها صارت غير صالحة بميثاقها الحالي لانقاذ غزة. وقد كانت القضية الفلسطينية هي شغل الجامعة الشاغل منذ تأسيسها من ستين سنة وتزيد… وكنا كل مرة ننكب على المعالجة نتقهقر بسبب عجز اجهزة الجامعة، كاتفاق القيادة العربية الموحدة الذي لم يطبّق ولا مرة. والمرة الوحيدة التي جنينا من حرب عربية مكسباً سلمياً كانت حرب 1973 التي ادت الى  مفاوضات بوساطة اميركية، انتهت الى انسحاب اسرائيل من سيناء وما رافق ذلك على الجبهة السورية.
سادساً: ندعو الى مؤتمر “نقد ذاتي” وراء ابواب مقفلة من دون مزايدات حتى اذا ما حددنا اسباب الفشل العربي تصدينا لمعالجتها بروح علمية وعملانية، بمن يوافق، ولو ادى ذلك الى تعديل ميثاق الجامعة وهكيلياتها. واذا اقتضى الامر بادرنا الى الغائها لانها صارت في حكم غير الموجودة طالما عجزت عن اتخاذ قرار في حرب 2006 وتركت المقاومة اللبنانية تنتصر وحدها.
وكذلك عن اجتياح لبنان عام 1982، كانت الجامعة بمثابة “شاهد الزور” ولجأ لبنان الى قلع اشواكه بنفسه وذهب الى الامم المتحدة من دون وفد عربي ولا من يحزنون!
• • •
… وفي الختام، السؤال الذي يفرض نفسه بقدر متفاوت من حسن النية:
الا نخشى ان يؤدي ذلك الى “الغاء” العروبة؟ ربما كانت الحاجة ماسة الى التخلي عن عروبة ادبيات القرن التاسع عشر التي فشلت ترجمتها “مؤسساتياً” الى جعلها جهاز يساير مئة سنة من التطور…
ودفعنا الثمن.
المطلوب الآن، وبحاجة ماسة، عروبة القرن الحادي والعشرين، بكل ما تحقق في العالم خلال قرن ونصف او قرنين، بما في ذلك الثورة الالكترونية، ومتطلبات الانماء المتكامل وحقوق الانسان والتحديث الاقتصادي الخ… الخ…
وما لم نفعل ذلك بثورة ثقافية، فإن الارث العربي مهدد في اصوله بثورات تقضي على المكاسب الهشة التي نلناها وتحول دون تقدم الانسان العربي الى مصاف المجتمعات التي نحن مدعوون للتعامل معها بمساواة في المعرفة والقدرات او تأكلنا وثرواتنا ولا يحمينا تاريخ ولا عقائد موروثة من عهود بالية.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى