صفحات الحوار

روجيه عساف: »الحكواتي« انتهى كممارسة والجيل الجديد بلا ثقافة ويعود إلى نقطة الصفر

null
اروى عيتاني
نال المخرج روجيه عساف مؤخّراً جائزة الأسد الذهبي عن مجموعة أعماله، وذلك ضمن فعاليّات بيننال فينسيا في ايطاليا. التكريم الرسمي وتسليم الجائزة سيتمّ في ٨ تشرين الثاني بعد تقديمه عرض » بوابة فاطمة« في ختام المهرجان. ومن أسباب اختيار المخرج روجيه عساف لنيل الجائزة، اعتبرت لجنة المهرجان (بحسب ما وزّعت ادارة المهرجان) أنّ عسّاف يعدّ من أكبر المخرجين والممثلين في البلاد العربيّة، حيث عمل على تأسيس ونشر فنّ المسرح، وتميّز بعمله الدؤوب على الجمع بين ممثلين وجمهور مسيحي ومسلم. كما استطاع الخروج من الدائرة المحليّة، ووصل بتجربته الى الخارج، لا سيما في فرنسا. وركّز القيّمون على تجربة الحكواتي تحديداً من خلال مسيرته الغنيّة.
بين محطّة صغيرة بين بيروت ودمشق، حيث يقوم المخرج روجيه عساف على مدى شهر، بورشة مسرحيّة في دمشق، ضمن اطار فعاليّات » دمشق عاصمة ثقافية« كانت لنا معه جلسة طويلة للتكلم عن الجائزة وعن كتابه القادم، وعن همومه الجديدة، مروراً بتجربته التي استحقت أخيراً جائزة »الأسد الذهبي«.
÷ أولاً تهانينا للجائزة. ما هي برأيك أسباب منحك لها؟
ـ أنا تفاجأت مثلكم تماماً لدى معرفتي بنيل الجائزة حيث لم يكن هناك أي تلميح عنها. فتحت الانترنت وعلمت بالأمر. وقد لا تصدقونني اذا قلت لكم انّي للآن اجهل أسباب منحي ايّاها. لقد قرأت مثلكم ما جاء في الاعلان. يعدّ بيننال فينيسيا حدثا دوليا مهما، ولا يقتصر فقط على فئة المسرح. فهو مشهور بالموسترا، المهرجان السينمائي، الذي بدوره يشكّل جزءاً من نشاط يشمل المسرح والهندسة والفنون. ولكل فئة بينهم جائزة. سيكون حفل توزيع الجائزة في ٨ تشرين الثاني، بعد عرض »بوابة فاطمة« الذي طلبوا منّي تقديمه في اطار المهرجان. القصّة بدأت حين طلب منّي القيّمون عن المهرجان المجيء الى فينيسيا، وتقديم، ضمن اطار البيننال، تعريفاً عن عملي من خلال أنشطة متنوعة، كالقاء محاضرة، وسلسلة أشياء أخرى، كصور وأفلام مسجلة عن العروض المختلفة التي قدّمتها خلال مسيرتي لتعريف الناس على نوعيّة عملي، وبالأخصّ تجربة الحكواتي. كما ارتأى المسؤولون أنّ التعريف الحقيقي لتجربتي لن يتمّ الاّ بورشة عمل. وبالفعل قمت بمحترف مع ١٥ من الطلاب والمسرحيين على مدى ٥ أيّام، وهكذا تعرفوا قليلاً على طريقة عملي بشكل تطبيقي، وليس فقط بشكل نظري. بعدها سألت عن امكانيّة تقديم أحد أعمالي فاخترت أجددها »بوابة فاطمة« التي ستقدّم في ختام اللقاءات والمحترف. أمّا بالنسبة للجائزة فلقد علمت بها قبل أيام فقط. وهو قرار أخذ مؤخراً من قبل اللجنة، التي درست عدة اقتراحات، واختارت في النهاية. وحسب معلوماتي أنّ المخرجة آريان منوشكين قد نالتها سابقاً.
÷ ما هي طبيعة المحترف والبرنامج الذي عملت به مع الطلاب الايطاليين؟
ـ الأمر كان سهلاً خصوصاً أنّني أعطيت الحرية الكاملة لاختيار برنامج المحترف. فاقترحت على الطلاب اختيار أحداث معينة يتذكرونها ويعرفونها عن تاريخ بلادهم. اقترح عليهم ثلاثة اقتراحات، إمّا العمل على موضوع تحرير ايطاليا في العام ١٩٤٥ من خلال قصص رواها لهم أهلهم، او العمل على الاضراب الكبير الذي حصل في ايطاليا قبل ١٠ سنوات، او العمل على ذكرى معيّنة وشخصيّة حصلت معهم ومرتبطة بالسياسة.
÷ وماذا عن المحترف الذي تقوم به هذا الشهر في المعهد العالي للفنون السوريّة؟
ـ هذا المحترف والتعاون الحاصل تمّ ضمن اطار فعاليّات » دمشق عاصمة ثقافية«. طلب منّي اعطاء ورشة ل٣ـ أسابيع، عبارة عن فنون تطبيقية للطلّاب. اخترت العمل معهم على بيكيت، ومسرحيّاته الصغيرة » دراماتيكول« التي كتبها في آخر حياته.
÷ علمنا أنّ كتابك عن المسرح سينشر قريباً. ماذا سيتضمّن الكتاب وكم استمرّت فترة التحضير؟
ـ أنا أعتبر أنّ فترة التحضير كانت أطول من فترة الكتابة، حتّى ولو أنّ الكتابة أخذت منّي وقتاً لا بأس به. لقد بقيت سنتين لتجميع المواد، وتصميم المنهج. الكتاب سيكون عملا موسوعيا، يتألف من ٧ أجزاء، تنشر تباعاً. هو لن يكون عن تاريخ المسرح بمعنى كلمة تاريخ، لأنّه ليس هناك ما يسمّى تاريخ المسرح. هناك سيرة المسرح، وهي عبارة عن المحطّات المهمة في التاريخ، حصلت فيها مراحل تعنينا جداً في المسرح، ابتداء من اليونان لليوم. لكن ليس هناك تاريخ متواصل وشامل للمسرح. أنا لا أدّعي أني أحضّر أطروحة عن الموضوع، لكن هناك ما هو أكثر من مجرّد تاريخ، هناك أعلام لامعة وبارزة، أعمال كوّنت كنزاً مسرحيّاً ما زلنا نعيش منه لليوم. اليوم خيالنا ومعرفتنا تحمل هذا الكنز. الموسوعة ستحمل عنوان »سيرة المسرح، أعلام وأعمال«، أتناول فيها جميع مراحل المسرح. كل مرحلة وكلّ حقبة سأجمع فيها أهم الناس وأهمّ الأعمال التي قدّمت. كما سيكون هناك مدخل لكلّ مرحلة. هذا المدخل سيربط بين هذه الاعمال وبين الفترة السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والفلسفيّة، أي الاطار التي نشأت وتطورت فيه هذه الأعمال. المحطّة الاولى في الجزء الاول ستكون اليونان، لكن قبل اليونان قدّمت تمهيداً لتجارب مسرحيّة حصلت في بابل ومصر. بعد التجربة اليونانيّة ننتقل الى التجربة الرومانيّة اللاتينية. فالجزء الاول سيكون عن العصور القديمة من بابل الى الامبراطوريّة الرومانيّة، مع وصف دقيق لكلّ الحياة المسرحية في هذه الفترة و مقالات مفصّلة عن أهم الكتّاب، كأسبيلوس، سوفوكليس، يوريبيدس، بلاوتوس، سينيكا، وأعمالهم. المقالات ستتفاوت بحجمها حسب أهميّة الأعمال التي قدّمت. كل أجزاء الكتاب ستتبع هذا النموذج. بدأت في كتابة المجلّد الثاني من الموسوعة، الذي سأتناول فيه القرون الوسطى، ويشمل المسرح الهندي القديم، المسرح الياباني، المسرح الصيني، خيّال الظل والأشكال المسرحيّة في العالم الاسلامي، مع الأشكال المسرحيّة في أوروبا الغربيّة، أي المسرح المرتبط بالتقاليد الشعبيّة والشّعائر الدينيّة.
المسرح والسياسة
÷ في ظلّ العديد من الكتب التي صدرت عن المسرح حتّى اليوم، الى أّيّ مدى تعتقد أن الناس ستلجأ الى موسوعتك، وهل ستعتبرها مرجعاً عن سيرة وتاريخ المسرح.
ـ أعود وأؤكّد انّ مقولة تاريخ المسرح ليست صحيحة. أنا أطّلعت على جميع الكتب التي صدرت، لكن المؤلف الذي أقوم بتحضيره ليس موجوداً من ناحية النوعيّة، حتّى على الصعيد الفرنسي. فلا يوجد مرجع من هذا النوع. آخر مرجع صدر كان في الستينيات لكاتب ايطالي فيبيتو باندولفي، وهو مختلف بنظرته للأشياء التي سأقدّمها انا اليوم، ووجدت موسوعته غير متوازنة. فالموسوعة تتألف من ٥ مجلدات، يتكلم بفصول عديدة منها عن التجارب الايطاليّة فقط، ويمرّ على التجارب الأخرى بشكل سريع، من دون أيّ ذكر او حتّى وجود للمسرح العربي. صحيح أنّ المسرح العربي لا يحتلّ مكانة كبيرة في العالم لكنّه موجود. كما أنّه أهمل أشياء عديدة في المسرح الغربي. أنا في مجلّدي أملك وجهة نظر مختلفة جدا عنه. موسوعة باندولفي ترجمت للفرنسيّة والعربيّة وقد يكون هناك مراجعاً أخرى لكنّه اخر ما أعرفه كرؤية شاملة عن تاريخ المسرح. اعتقد أنّ موسوعتي الجديدة ستترجم الى عدّة لغات. الجزء الاول منها يصدر في معرض الكتاب، في تشرين الثاني عن دار الآداب.
÷ بالعودة الى تجربة الحكواتي، وما جاء من بعدها، هل نستطيع القول إنّك فنان ملتزم سياسيّاً، وانّ السياسة صنعت جزءاً كبيراً من أعمالك؟
ـ انا أوافق على هذه المقولة، ومن الاشياء التي أحاول التّأكيد عليها في كتابي عن سيرة المسرح، أنّ كلّ عمل مهمّ له موقع وعلاقة مع الظروف السياسية. اذا أراد المرء فهم المواضيع المسرحيّة ولماذا عولجت بطريقة معينة، وقدّمت بشكل معيّن عليه الرجوع للاطار الثقافي السياسي، ولا أعني السياسي بالمعنى المباشر للكلمة، أي السلطة، بل العلاقات السياسيّة والثقافيّة والفكريّة والتي بمرحلة معيّنة تحدّد وتفسّر ماهيّة الأعمال المسرحيّة. المسرح تحديداً مرتبط بالسياسة أكثر من بقية الفنون، لكونه فناً وتعبيراً اجتماعيّاً. صحيح انّه تسلية، ولعبة، لكن هذه اللعبة جديّة، مرتبطة بالمعطيات السياسية، الثقافيّة، الدينيّة والفكريّة.
الحكواتي
÷ كيف ارتبط هذا لديك بالحكواتي؟ خصوصاً أنّك أتيت بكلمة الذاكرة، وكأنّك تنبأت منذ تلك الفترة بشيء يحصل اليوم في مجتمعنا وبشكل أساسي، وهو العمل على محو الذاكرة.
ـ في بداية تجربة الحكواتي لم يكن الأمر على هذا النحو. لدى بدء التجربة لم يكن في بالي العمل على شكل الحكواتي، ولا حتّى العمل على الذاكرة، بل أن يكون عملنا مرتبطا بالواقع المعيش، ويلبي حاجة ثقافيّة سياسيّة، وهي التثبيت على الهويّة والتعبير عن وضعنا، آلامنا وآمالنا. لكن هذا العمل المرتبط بالفئات الشعبيّة العاديّة قادنا الى شيئين: اولا اكتشاف أهميّة الذاكرة بلغة الناس. فهم عندما يتكلمون عن هويتهم، وعن صمودهم يعودون دائماً للذاكرة والى تاريخهم، كيف عاشوا هم التاريخ. وثانياً اكتشاف دور الحكاية في التعبير. وهذا لم يكن عن سابق تصميم. المفهوم والمنهج الذي أعمل به لليوم فرز بالتجربة. التجربة التي بدأت من مسرح الحكواتي مع العمل والالتحاق بالفئات الشعبيّة بالجنوب، بالضاحية، بالمخيّمات والوسط الطلابي. هؤلاء الاربعة كانوا المصادر للصور وللأفكار والحكايات.
÷ ما زلنا حتى اليوم نعيش ضمن هذه الحلقة لكن لماذا لا نجد مسرح الحكواتي؟
ـ لانّ في تلك الفترة، كانت جميع القوى الشعبيّة والمعنيّة بالصمود وتغيير المجتمع تعيش فترة صاعدة. كان هناك مناخ فكري وأطر يجدون نفسهم فيها وكانوا يعبرون تعبيراً موحداً. على سبيل المثال موضوع الجنوب في تلك الفترة كان يوحّد الناس، ومن هذين الحماسة والأمل يأتي الحكواتي بشكل طبيعي في هذا الاطار، في اطار فرح بالرغم من العذاب والمعاناة، واطار أمل بالرغم من التدمير والحرب. وهذا ما يسمح للحكواتي بلعب دور في المجتمع. فهوعندما يأتي يتشكّل حوله جمع أنيس وحميم بشكل تقليدي وهذا غير موجود اليوم. اليوم السائد هو الانقسام، ورفض الآخر ورفض الذاكرة والميراث.
÷ لماذا برأيك؟
ـ بسبب الحروب. لقد وقعت في تاريخنا حروب عديدة ومعاناة ومقاومة وصمود وهزائم وانتصارات، كانت الناس تتوحد فيها. وأعني هنا فترة الستينيات والسبعينيات. لكن هذا كان حاصلاً منذ العشرينيات والثلاثينيات وموجود في ذاكرة الناس. فنحن لسنا إلا امتداداً لهذه المراحل، ضدّ الاستعمار في العشرينيات والثلاثينيات، ومع القضيّة الفلسطينيّة في الـ .٤٠ كل هذه الأحداث هي امتداد للحاضر والتي أنتجت فشلا على الصعيد الأيديولوجي، وهزائم على الصعيد السياسي، وانقسامات على الصعيد الاجتماعي. الشباب اليوم يرفضون هذا التاريخ الذي بنظرهم، أوصلنا للهزائم. انّهم يحمّلون التاريخ مسؤوليّة هذه النتائج وهذا خطأ. لأنّ التاريخ الذي عشناه والقوى والمصالح الدوليّة والعربيّة، تريد منعنا من الاستفادة من هذه المكاسب. هذا الطاغوت المفروض علينا حوّل مكاسبنا الى موضوع خلاف وانقسام. اليوم مسرح الحكواتي ليس موجوداً كممارسة لكنّه موجود كأهداف ومنهج ومعالجة. والحلّ يكون باتخاذ عدة خطوات. الخطوة الأولى تكون بايجاد حيّز يجتمع الناس فيه، وهذا بات أصعب من الأوّل، حيّز جامع يلتقي به الناس ليس للتحاور أو للتناقش بل للعمل مع بعضهم البعض لهدف مشترك، مسرح أو أي شيء آخر من هذا النوع، عمل لا يقوم الا بمبدأ الشراكة والتّضامن. الخطوة الثانية، تكون داخل هذا العمل، أين سيجدون الهواجس التي ستدعهم يتصورون المستقبل. برأيي صورة المستقبل غير موجودة الا في المستقبل لكن جزءاً منها موجود في الذاكرة، كالذي حصل في الثلاثينيات وفي الـ .٢٠٠٦ الذاكرة هي من تدعنا نرى بداية تكوين صورة المستقبل. بالاضافة لخطوات أخرى وعناصر أجهلها وحدهم الشبان يعرفونها، كرغباتهم، وأحلامهم بتأثير من قوى ربّما تأتيهم من الخارج، فيمتصّونها ويرون من خلالها أنفسهم. كما أنّ الانترنت، والتلفزيون والفضائيّات تجد مكاناً في خيالهم، وشعورهم. هذا التشرّب من الخارج لو دمجوه مع هويّتهم الحقيقية فلن يرفضوا عندئذ ذاكرتهم. لكن للأسف لا يوجد لديهم أيّ ذاكرة، لانّهم أصلاً لا يعرفون التاريخ. هناك جهل عميق بالأشياء. لكنهم اذا عادوا لاكتشاف ذاكرتهم، كالذي حصل في معرض »عودة الروح« (معرض تماثيل شمع عن الهجرة الفلسطينيّة). الشبان رفضوا العودة الى ذاكرة النكبة، فعملوا عليها واعادوا اكتشاف انّ هذه الذاكرة تعطيهم الفرح وأفكاراً للحاضر وتصورات للمستقبل. وعدم ايجاد حيّز مشترك هي مسؤولية المجتمع تجاه نفسه.
الجنوب
÷ مؤخراً أخذ عليك أنّك تسعى لتقديم موضوع الجنوب في أكثر أعمالك، كأنّك تركت كل المشاكل التي نعاني منها وتخصصّت فقط في الجنوب.
ـ وكأني أنا من أخترع موضوع الجنوب. فالجنوب هو الذي يوحّد أو يقسّم. الموقف من الجنوب حاليّاً بات أكثر موضوع مثير للخلافات. هذا المأخذ ليس صحيحاً. في التسعينيات اهتممت ببيروت أكثر من الجنوب، لأنّ بيروت أصبحت شيئاً محوريّاً في تاريخنا وشيئاً أليماً. من ١٩٨٢ بيروت هي محور كل شيء.، تكلمت عنها في » مذكرات أيوب«، و»جنينة الصنايع«. قمت بـ»بوابة فاطمة« لاني لم أخترع عدوان .٢٠٠٦ ٢٠٠٦ ضربت الجسم اللبناني كله. فليس صحيحاً اننّي من اخترع الجنوب وأنّه المركز الاساسي لمسرحي. لكن الناس تنسى بسهولة، نسوا أنه منذ العام ٧٨ والجنوب احتلّ لـ ٢٠ عاماً.
÷ هل نستطيع القول انّه اذا اردنا معرفة ما جرى في البلد نستطيع النظر الى أعمالك لنفهم، كأنّها تأريخ للذي حصل وما يحصل؟
ـ ليس جميعها…
÷ لكنك معروف ابأنّك تختار مواضيعك بحسب كل مرحلة. فعلى أي أساس تختار مواضيعك؟
ـ لا يوجد أساس انّما حدس وصدق في العلاقة مع الواقع. أنا لا أستطيع رؤية كلّ شيء أو توقّع الاحداث، لكن من موقعي أقول أنّ هناك أشياء تفرض نفسها عليّ بشكل تلقائي من خلال معرفتي كيف تسير الأمور من حولي. والحدس يلعب دوراً كبيراً. كما أنّي دائم العلاقة مع الشباب والناس والهمّ المستمر، لا يمرّ يوم عليّ من دون التفكر في لبنان وما نمر به، وفي فلسطين والعراق. أصبح لدي قناعة اليوم بأنّ ما يحصل في فلسطين أمر مركزي لمستقبل لبنان والعرب والعالم كلّه. القدس ليست عاصمة فلسطين، بل أقول من دون تردّد إنّ القدس هي عاصمة الانسان. القدس ليست للفلسطينيّين بل لنا جميعا. ليس بمعنى التحرير، لأنّ القدس ستحرّر نفسها بنفسها، لكنّها المفتاح. لماذا اذاً يصر بشدّة الاسرائيليّون على تحويل القدس الى مدينة يهودية؟
÷ بسبب معتقداتهم الدينيّة وتراثهم..
ـ هناك يهود لا يهتمون البتّة بالتراث والدين. بل هناك يهود ضدّ تراثهم اليهودي، لكن لماذا يصرّ الغرب واميركا على التدخل والمطالبة بيهوديّة القدس؟ لانّهم يعلمون جيّداً أنّ الأمور المعنويّة تؤثر بشكل أكبر على الامور الدنيوية، وعلى السياسة حتّى. اليهود يعلمون جيداً ما قيمة تخلّيهم عن القدس وما الذي قد يحصل لهم. سينهارون حتماً. ونحن ايضا لنفترض انّنا استرجعنا القدس، ما الذي سيحصل لنا؟ كم أعطتنا احداث ٢٠٠٦؟ وكان من الممكن أن تعطينا أكثر لو الخيار كان بانطلاقنا من هذا المكاسب لبناء مجتمع لبناني موحد وقوي.
÷ ولماذا لم يحصل هذا الأمر…
ـ لانّه ممنوع علينا الاستفادة. لو صار عدوان ٢٠٠٦ في بلد ومجتمع حقيقي لكنّا استفدنا وأخرجنا مكاسب للمجتمع كلّه. لكن السؤال هو ماذا كان حصل في العالم العربي والعالم كله لو استفدنا من النصر؟ هذا لا يتوافق مع مصالحهم. وجدوا انّه من الافضل لهم الاجماع على صمودنا، لكنّهم بالوقت نفسه لم يدعونا نستفيد من هذا النصر. للأسف الأمر لم يكن ايجابيّاً علينا. بل قامت نقمة علينا رأينا عواقبها. لكنّي أقول إنّ كلّ شيء مرتبط بالخيار الأساسي الموجود في ذهن الانسان. مثلا خذي ما حصل في الـ ،٥٦ الهزيمة تحولت الى انتصار. عبد الناصر لم يكن يستطيع تحويلها لانتصار لو لم توجد هذه العقليّة لديه ولدى الناس. حتّى هزيمة الـ ٦٧ لم تكسر الجتمع العربي، لأنّ العرب توحدوا والتفّوا حول المقاومة الفلسطينية. وهذه المسؤولية في داخلنا. المسؤوليّة تقع على الفلسطينيين وحزب الله، وكلّ اطراف المجتمع اللبناني. علينا الحقّ كاملاً.
÷ لماذا؟ ألم يتعلّم الجميع تطوير فكر الانتصار أم أنّهم هم انفسهم لم يتطوّروا؟
ـ هذه المسألة تحتاج الى تفكير مشترك. هذا الشيء العظيم الذي حصل في ال ،٢٠٠٦ صار عليه احتكار وخناقات طويلة. حتّى وصلنا لأحداث أيّار.
÷ برأيك أين أخطأت المقاومة؟
ـ القصة ليست أخطاء أو عدم أخطاء. انّما يجب على الفرد أن يعلم أين هي مسؤوليّته، فهل يحافظ على شخصيّته ومكاسبه، أو مسؤوليته تكمن في تحويل الشيء الى مكسب اجتماعي نشعر جميعنا به.
الجيل الجديد
÷ هناك جيل يهاجم جيلكم، جيل الستينيات، واصفاّ ايّاكم بجيل الهزائم، لكنّه في الوقت نفسه يحسدكم لأنّكم ابدعتم وعملتم بالرغم من الهزائم، الامر الذي لا يستطيعون تحقيقه اليوم…
ـ هذا ليس صحيحا، فالابداع اليوم أقوى. نحن بدأنا بتقليد الغرب، ثمّ اقتبسنا ثمّ ألفنا، وفترة التأليف لم تكن نابعة من تربة أصليّة تشبهنا، لكن مع الوقت بات الابداع متأصلاً أكثر فينا. والنقطة الثانية هي الظروف في وقتنا كانت أسهل ولعبت لصالحنا. المجتمع وقتها كان يدعم الفنّ، خاصّة الفئات الميسورة التي كانت تدعم من كان ضدّها، البورجوازيّة دعمت الفئات التي كانت تسبّ وتشتم وتنتقد البورجوازية. لكن البورجوازية ساهمت في تمويل أكثر الاعمال، لانّها كانت تملك قناعة بأن الثقافة والابداع شيء مهم للمجتمع ككل. لا يوجد تنمية مجتمع بالبناء والعمران فقط بل التنمية الحقيقيّة تتطلّب وجود عمران وازدهار وثقافة وفنّ وعلم. هذا الشيء اختفى اليوم. أصحاب الاموال والقرار باتوا لا يمتّون للثقافة بصلة. صارت وزارة الثقافة من أتعس الوزارات من ناحية امكانيّاتها
÷ هل الامر مقصود..
ـ مقصود بمعنى أنّها طريقة تفكيرهم. فأين هي أولويّاتهم؟ أصحاب القرار اليوم لايملكون هموما واهتمامات لها علاقة بانماء القوى المحليّة. بل يتخانقون على مصالح ومشاكل سياسيّة لا تعني مباشرة الحياة اليوميّة. مثلا، من يهتم منهم بالجامعة اللبنانية؟ بعودة الحياة المختلطة. هذا يحتاج الى برنامج على ٣٠ سنة ليعود الاختلاط داخل المناطق أو حتّى في بيروت. في بيروت هناك انقسامات داخل الحيّ الواحد، وغاب وسط العاصمة. وسط بيروت بات مرتعاً للاموال والسيّاح. اين الاهتمام بعودة المهجرين، أعلم أنّ الامر ليس سهلا ، لكن يلزمنا بناء وتربية وتجارب صغيرة تبدأ بالمدارس، وأعمال مشتركة وانتاج مشترك. وهذا ما أعتقد انه يثير نقمة الجيل الجديد.
÷ هل سيتركون بصمة كما فعلتم انتم؟
ـ نحن تركنا بصمة في الاطار الذي كنّا فيه، فهو بحدّ ذاته بصمة. فبيروت الستينيات والسبعينيات، الحياة، الاحزاب، والناس والمقاومة الفلسطينية، كلّها لم نخترعها، لكن ضمن اطارها عملنا وتركنا أثراً. من خلال علاقتي بالطلاب أرى انّ هناك امكانيات كبيرة، ومواهب ومنهم من يتمتّع برؤية، ما ينقصهم هو الثقافة فقط. نحن أيضاً لم نولد مثقفين، لكن الجيل الجديد لا يملك شروط العمل الناجح. أمّا عن جيل ربيع مروة وعايدة صبرا وعصام بو خالد، أرى أنّهم بعد كلّ عمل يقومون به، يعودون الى نقطة الصفر. ينتهي عملهم ويبدأ الفراغ. الحق ليس عليهم بل على الظروف التي تدفعهم للغياب الطويل بين عمل وآخر كأنّهم يقطعون الصحراء. أنا لا اقوم بعمل سنوي.
÷ وما الجديد بعد »بوابة فاطمة«؟
ـ هــناك نيّة عمــل. الموضــوع ســيكون عن القدس. » ما بعرف وين بوصل« لكن أطرح »شو بتعــنيلي ووين في تعبير عنها«.
السفير الثقافي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى