صفحات من مدونات سورية

مسؤول يدرس … مواطن يسمع !!

إن أكثر ما يغيظني من أخبار الوطن و الهّم و الهُمّوم تلك التي تبدأ بعبارة … [[  يدرس المسؤولون  ]] … كذا و كذا .. أو عاكفون على دراسة كذا … أو يقول أحدهم مجيباً عن سؤال حول مشروع ما …. لازال في طور الدراسة  رغم مرور أعوام طويلة على ذكره للمرة الأولى كحاجة وطنية على قدر كبير من الأهمية …

إذ في اللحظة و التو التي أسمع بها عبارات من هذه الأوزان و الألحان .. سرعان ما أتخيل ذلك المسؤول كـ ( طالب كسول ) يجلس في المقاعد الأخيرة ,
ينظر بخوف و رعب لمعلمه , كونه لم يكتب واجبه المدرسي  و لم يحضّر دروسه بشكل جيد … كما بقية زملائه … و يحاول أن يسترق النظر من دفاتر زملائه أو أصاخ السمع لوشوشة هنا أو همس هناك عسى أن يلتقط شيء ما , ينقذ به نفسه من براثن عصا مدرسّه .
منذ أن وعيت و عرفت معنى يدرس و يدرسون . و مسؤولينا يدرسون ؟؟؟ ما شاء الله تبارك الله … يدرسون و يفكرون ثم يدرسون …. و ينفقون الأموال و الأوراق و المخططات و الأقلام الزرقاء و الحمراء و أقلام الرصاص و وقود سياراتهم و نسائهم و أطفالهم و من يدور في فلكهم من أصحاب و أقارب و أنساب …. زد على ذلك إستشارات خارجية و داخلية  و غربية و شرقية  بالعملات الصعبة و الصعبة جداً … و في النهاية …. يظهر من يقول لك … لازال المشروع قيد الدراسة  و غالباً لن يرى النور قبل مرور ثلاثون عاماً لأسباب تتعلق بطبيعة الدراسة و ظروفها ؟؟ .. لا أدري هل الدراسة عندنا هدف أم وسيلة لأمر آخر …
عن مترو الأنفاق في العاصمة …. يدرسون منذ عشرون  عاماً  خريطة سيره الإفتراضية … ( شو هالنشاط و العجلة ) و لازالوا يدرسون , و في خلال هذه الفترة قامت ( دولة الإمارت ) ببناء و تشغيل مترو أنفاق و كمّ من الأبراج تطاولت حتى عانقت السحب , و السعودية إرتبطت بالبحرين أو قطر بجسر فوق البحر و إيران بنت عدة مفاعلات نووية و الصين أصبحت تستخدم سيارات أمريكية أكثر من الأمريكان … و ألمانيا فازت على الأرجنتين ( 4 / 0 ) حسب ما سمعت كوني لا رياضي … و مسؤولينا يدرسون …. كيف يحفرون , ومن أين إلى أين , ثمّ ( ينطّ ) خبير ملمحاً لمشروع قطار كهربائي معلق … يا رجل على الأرض لم نستطع أن إنشاءه و لا تحتها … و أنت تريد أن تعلقنا في الهواء …. و ( خذ ) يا دراسة …
يقول صديقي ليّ : هناك إحتمالان : إما الأسئلة صعبة جداً …… أو المسؤول … صعب !!
مطار دمشق .. يدرسون … و عدة شركات خارجية قامت بتسريب الأسئلة و المواد و المعدات و مع هذا رسبوا بالثلاثة … و حالياً يعيدون الدراسة من جديد … و مطار عاصمتنا الغالية … يئن و يصرخ من كثرة الدارسين و المهربين و المتهربين
أذكر بأنني سافرت عن طريق مطار حلب القديم في نهاية عام 1993 … و كانو قد أنهوا الدراسة التي بدأت أواخر السبعينات  و بدأو يبنون …. بعد عشر سنوات أو تزيد قليلاً ( كان قد مر على دراستهم و حتى التشغيل حوالي الـ 25 سنة ) … نزلت بالطائرة في مطارها الجديد و المدروس على نار أدفئ من أشعة شمس شتاء بقليل …. و إذ  بمطارها الجديد  لا يكفي سكان ( باب النيرب ) , و لا يليق بعاصمة الوطن الإقتصادية و التجارية , و أصحاب الدراسة المتأخرة عشرون عاماً و نيفّ يتشدقون بمطار … أصغر من أصغر مطار في دول شقيقة و في مدن لا تبلغ ربع حلب من حيث المساحة و السكان و عُشرها من حيث الأهمية …. و سيدرسون …
وزارة السياحة تدرس كيفية الإستيلاء على ماتبقى من الشواطئ الجميلة  و كيف  سيجعلون ( الفرجة ) على البحر حتى لأبناء البحر مدفوعة الثمن لطغيان المنشأت الخاصة و الشطآن الخاصة و المسابح المخصصة … لن تمضي فترة حتى نسمع بأن أخينا كنان سافر إلى قبرص ليسبح في ماء البحر المتوسط  لرخص الأسعار عندهم ؟؟؟
وزارة الإتصالات تدرس منذ عدة سنوات تطوير البنية التحتية و الفوقية و الكابلـ – بحرية و مهندسون يذهبون و آخرون يجيئون و في المحصلة لازال ( الديل أب ) هو المسيطر من حيث الإنتشار عندنا , و الـ ADSL بيد شركات … أميّة ليس لها بالدراسة نهائياً .. إكتفوا  بحرق أعصاب من يجلس خلف شاشة حاسوب ينتظر هطول  الإتصال الذي لا يختلف كثيراً من حيث الغزارة عن أمطار الصحراء
جماعة العلم و العلوم يدرسون تغير مناهج الدراسة …. ؟؟؟؟ أصبح تغيير المناهج شبه سنوي و لم تتوصل دراستهم لمنهاج محدد … غريب منذ عشرون عاماً كنا نفتخر بمنهاجنا و بمستوى الطلاب السوريين ( اللهم عدا اللغات الأجنبية ) الآن لا اللغات الأجنبية و لا العربية و لا غيرها , المستوى العلمي لطلابنا و ( التربوي ) إلى الخلف سر ….  و المناهج الجديدة قيد الدراسة … و من أجمل نتائج هذه الدراسات … و أكثرها إبداعاً في مجال التربية و التعليم … تجلت في الحيّ حيث أسكن .. إذ قاموا بتغير اسم [ مدرسة عدنان المالكي ] فأصبح [ عمر بن الخطاب ] و [ ثانوية عمر بن الخطاب ] .. أصبحت عدنان المالكي … للعلم يفصل بينهما شارع لا يتجاوز عرضه الأمتار الأربع … و رفعوا أسوار كلتا المدرستين و معظم مدارس المدينة  حتى أصبحت تنافس السجون …. و كأن [ الدارس ] مدير سجن سابق ….
المحروقات .. درسوا رفع سعرها .. و ليتهم لم يدرسوا … و إذ بهم يرفعون أسعارها في أكثر سنين سوريا جفافاً و عجافاً … فهرب معظم المزارعين و لازالوا … موّلين الأدبار في الأصقاع … و المسؤولين يدرسون هل نوزع لهم هذا العام حصص برغل أم عدس ؟؟؟ أم بيتزا ( HUT )
مسؤول توتر عالي … يدرس إعادة ( قوننة ) و ( فوترة ) الطاقة الكهربائية ؟؟؟؟ و رغم دراسته المكثفة و المركزة  و بـ ( الأمبير ) .. إلاّ أنه لم يكتشف بعد … الفاقد و يقّدر حسب كلامه بـ 26 – 30 % …. تصورا ثلث الطاقة الكهربائية ….. مفقودة ؟؟؟؟ و المسؤول يدرس حرمان المواطن المخالف من ( نعمة الشرائح ) .. الخبر
مسؤول دارس حتى النخاع صرح منذ مدة بأن الطريقة الفضلى لمحاربة الإستخدام المفرط للأكياس البلاستيكية هو (( رفع أسعارها عن طريق فرض رسم مالي )) الخبر على مايبدو خريج نفس مدرسة المسؤول الكيروسيني الذي طالب برفع أسعار المحروقات لمنع تهريبها …. و لا زالت الدراسات مستمرة ….
أرجو التعليق ( بهدوء ) فالمسؤولين يدرسون !!!!!!!
مسؤول يدرس … مواطن يسمع !!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى