صفحات سورية

تنقية النظام في دمشق؟

null
أوليفييه غيتا
إن كان هناك من بلد احتلّ عناوين الصحف كافة، في الآونة الأخيرة، فهو سوريا. في الواقع، بين تقرب الرئيس بشار الأسد من الغرب (أكان حقيقياً أم لا) وانتشار الجيش السوري بالقرب من الحدود اللبنانية والهجوم الإرهابي الذي حصل في دمشق، يبدو أن الأوضاع تتحرك اليوم في سوريا، إلا أن فهم مجريات هذه الأمور المعقدة يزداد صعوبة يوماً بعد يوم: مزيد من اللاعبين ومن الأحداث ومن الدراما.
رغم صعوبة معرفة ما يجري تماماً في بلاد الرئيس الأسد، هناك نمط معيّن يبرز. هذا مع العلم أن كافة الطرق تؤدي إلى المحكمة الدولية المعدّة لمحاكمة قتلة رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري. وفي الوقت الراهن، تشير التقارير الدولية المختلفة المتعلقة بالتحقيق الى اتّجاه واحد حيث يُرجّح أن يكون المجرمون متواجدين: دمشق.
ما يكرهه الأسد أكثر من أي شيء آخر هو أن يُتَّهم نظامه بالوقوف وراء اغتيال الحريري. فقد غدت المحكمة الدولية هاجس الرئيس السوري. وبحسب صحيفة الأنوار اللبنانية التي نقلت عن مصادر لبنانية ودولية حصلت على نسخ عن التقرير المرتقب من اللجنة الدولية، إن كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية السورية متورّطون بجريمة اغتيال الحريري.
هذا الأمر قد وضع النظام في دمشق في حال من الهلع. ويعتقد عدد من المحلّلين أن الأسد سيبذل كلّ ما بوسعه لعرقلة سير المحكمة. ومن ناحية أخرى، أصبحت الأحداث التي جرت في سوريا خلال السنة الماضية تتفسّر الآن بشكل أوضح.
لقد بدأت الأحداث باغتيال عماد مغنية من “حزب الله” في دمشق في شباط. وفي حين لا يمكن توجيه أي اتهام رسمي ضد الأجهزة الأمنية السورية، فمن المستحيل أن لا يكون هناك على الأقل تواطؤ من داخل النظام، في بلد يخضع لمراقبة شديدة. وبشكل ملفت، يشتبه بأن يكون لمغنية ضلع في جريمة اغتيال الحريري، ومن المناسب أن تتخلّص دمشق منه لإخفاء أي صلة له بالنظام.
بعد ذلك بفترة وجيزة، أُزيح آصف شوكت، الشخصية الثانية الأبرز في سوريا، ورئيس المخابرات العسكرية السورية وصهر الرئيس الأسد، من النظام الداخلي وجُرِّد من صلاحياته، وأُشيع أنه وُضع تحت الإقامة الجبرية. وبحسب أحد المعارضين السوريين للنظام الحالي، لو لم يكن شوكت زوج شقيقة بشار الأسد، لكانت تصفيته محتمّة. وما هو أكيد أن شوكت كان، حسب ما يقال، الرأس المدبر لجريمة الحريري، وبالتالي، لكان من الملائم التخلّص منه.
وفي الأول من آب، اغتيل العماد محمد سليمان، المعروف بأنه اليد اليمنى للأسد، على يد قنّاصين في طرطوس. وما يثير المزيد من الشكوك حول اغتياله هو أنه كان موجوداً في منزله الصيفي الذي يخضع لمراقبة شديدة، ومن المعروف عنه أنه لديه فريق يضمّ حوالي 20 حارسا شخصيا. والغريب أن ما من أحد من هؤلاء الحرّاس بادر إلى إطلاق النار أو إلى ملاحقة القنّاصين. كما أن الأسد الذي فاجأ الجميع، لم يؤجّل رحلته إلى طهران ولم يحضر مراسم التشييع، حتى أنه لم يقدم تعازيه لعائلة العماد. ويبدو أن وفاة أقرب صديق له لم تؤثّر عليه على الإطلاق. ويصدف ان سليمان استدعي للمثول أمام اللجنة الدولية التي تحقق في اغتيال الحريري قبل وفاته ببضعة أيام. وسبق أن تم استجوابه مرّتين وكان من الشهود الرئيسيين، اذ كانت كافة تقارير الأجهزة السورية الصادرة من لبنان تُرسل إليه.
أخيراً وليس آخراً، في 27 أيلول، وقع انفجار بالقرب من مركز للأجهزة الأمنية في دمشق، أدّى إلى مقتل 17 شخصاً.
مجدداً، كيف يمكن تنفيذ عملية كهذه في بلد وفي منطقة يخضعان لمراقبة شديدة؟ وكيف يجوز إدخال سيارة تحتوي على 500 كيلوغرام من مادة الـ تي.إن.تي. إلى تلك المنطقة؟ بحسب ما نشره التلفزيون الرسمي السوري، قُتل جنرال وابنه في الانفجار، ويُزعم أنه العميد عبد الكريم عباس الذي كان من بين الأشخاص الذين استجوبتهم اللجنة الدولية.
في حين أنه يجوز للمرء أن يشكّ في وقوف النظام وراء هجوم “إرهابي” أسقط العديد من الضحايا، فقط لِقتل أحد عملائه، فهذا أمر غير مستبعد لا سيما في ضوء ما حدث في الأشهر القليلة الماضية.
لقد حصلت حالات الوفاة “العرضية” المفاجئة هذه في وقت يلائم النظام. وكما يُقال في عالم المخابرات، لا وجود للصُّدَف.
The Middle East Times ، الاربعاء 8 تشرين الأول 2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى