قضية فلسطين

غزة على طاولة التدويل

سركيس أبوزيد
بعد حوالي عامين من انتهاء الحرب على لبنان بموجب قرار دولي وتحديداً القرار 1701، يبدو اليوم أن نهاية الحرب على غزة ستتطلب قراراً مماثلاً. وعلى الرغم من اختلاف الطبيعة الجيو-سياسية لغزة عن لبنان، وواقع أن وضع حماس اليوم أكثر حساسية وصعوبة عما كان عليه وضع حزب الله، خصوصاً أن غزة لا منفذ لها إلا على مصر والبحر والمستوطنات وكلها مقفلة، وبالتالي فإن خطوط الإمدادات والمساعدات، التي لم تتوقف طوال 33 يوماً من العدوان على لبنان، غير متوافرة لحماس اليوم.
على الرغم من هذه الاختلافات وغيرها، غير أن تسلسل الأحداث واتجاهها شبيه لما حصل في لبنان العام 2006، وبالتالي يبدو أنه لا مفرّ من التدويل. إذاً، إن عدم قدرة أي من الطرفين على الحسم، يحتّم الوصول الى التدويل، فلا إسرائيل قادرة على محو حماس ولا حماس ستزيل إسرائيل في هذه الحرب.
تبدو حرب إسرائيل على غزة شبيهة في نواحٍ عدة لحربها على لبنان في تموز 2006، إذ يبدو أن التكتيك العسكري الذي يقوم على ضربات جوية عنيفة تضعف معنويات المقاومة وتبث الرعب في القاعدة الشعبية، ثم الانتقال الى الاجتياح البري، مشترك في الحربين. فضلاً عن أن بعض الأهداف المعلنة، والتي تدأب آلة الدعاية الصهيونية على إقناع الرأي العام بها هي ذاتها أيضاً. فكما كانت إسرائيل تهدف الى إبعاد صليات صواريخ حزب الله عن حدودها العام 2006، ها هي اليوم تجتاح غزة بهدف إسكات صواريخ القسام وغيرها من صواريخ فصائل المقاومة الفلسطينية، ووقف تهريب السلاح. مع الإشارة الى وجود فوارق بين الحالتين بعدما تعلمت إسرائيل بضعة دروس من حربها قبل عامين.
أولاً : تصاحب الحملة العسكرية على القطاع حملة إعلامية – دعائية، لا تقلّ أهمية عن الحملة العسكرية، لتعرّف الرأي العام على أسباب الهجوم على غزة. وذلك لتحافظ اسرائيل على تماسك جبهتها الداخلية من جهة، ولتئد أي محاولات دولية لاحتواء الأزمة قبل تمكّنها من تحقيق أهدافها المعلنة من جهة ثانية.
ثانياً : يبدو ان الدرس اللبناني قبل عامين كان شديد القسوة، فتعلمت إسرائيل مرة أخرى، واختار أولمرت هذه المرة أن يتخلى عن الثقة الزائدة بحتمية تحقيق أهدافه التي وسمت تصريحاته مع بدء العدوان على لبنان العام 2006. ولذلك تخلّت إسرائيل عن الهدف الأكبر الذي أعلنته في حربها مع حزب الله، وهو القضاء على المقاومة، ثم فشلت في تحقيقه. فإسرائيل لم تنبس ببنت شفة عن «إنهاء حماس»، أو القضاء عليها، لأنها لن تحتمل الفشل مرة أخرى، إذا أعلنت اليوم أنها تريد القضاء على حماس، وهي تعرف أنها لن تفعل، فاكتفت بهدف «إبعاد خطر الصواريخ» وشعارات أخرى ضبابية وغير واضحة مثل «تغيير الواقع في غزة».
فعلى الرغم من عدم قدرة إسرائيل على القضاء على حزب الله نهائياً، وتكبدها خسائر فادحة في تلك الحرب، باعتراف تقرير فينوغراد الذي أشار الى سوء الأداء العسكري الإسرائيلي، فضلاً عن تحقيق حزب الله لانتصار سياسي واستثمار صموده وتصديه لثلاثة وثلاثين يوماً في فرض نفسه في المعادلة السياسية الداخلية، وفي الترتيب الأمني على الحدود الجنوبية، تمكنت الدبلوماسية الإسرائيلية من تحقيق نتيجة مرضية في مجلس الأمن تمثلت بالقرار 1701. ولا شك أن إسرائيل تأمل هذه المرة أيضاً بالتوصل الى نتيجة مماثلة في غزة.
ولكي تستطيع تحقيق 1701 جديد في غزة، اعتمدت القوات الإسرائيلية سيناريو التوغل البري للحد من إطلاق الصواريخ وتسريع عملية تدويل حرب غزة، وبالتالي الوصول الى قرار دولي مرض. ويبدو أن المؤشرات حتى الآن تشير الى 1701 بالنسخة الفلسطينية. فمن جهة هناك استحالة لإعادة الوضع بين إسرائيل وحماس، كما كان عليه قبل العدوان، فإسرائيل لن تقبل بأقل من إسكات الصواريخ وإمدادات السلاح، وحماس لن تقبل بأقل من رفع الحصار وفتح المعابر، وفي أسوأ الحالات حتى لو لم يرفع الحصار، فلطالما ان حماس لم توقف إطلاق الصواريخ، فإسرائيل لم تحقق شيئاً البتة. وما يسرع تدويل الأزمة، القلق المتزايد الذي يشعر به المجتمع الدولي من انهيار السلطة الفلسطينية إذا طال أمد الفوضى الحالية، وانهيار المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية بشكل تام، واتساع شرارات حرب غزة لتطال المنطقة بأسرها، ولاسيما لبنان.
وتشير المعطيات كافةً بعد إحالة الوضع في غزة الى مجلس الأمن، من التحركات الاوروبية والتركية الى زيارة ساركوزي للمنطقة، أن هناك مشروع قرار أوروبي يقضي بوقف إطلاق نار يرافقه آلية مراقبة، على أن تلتزم الفصائل الفلسطينية بوقف إطلاق الصواريخ أو تهريب السلاح عبر الانفاق من مصر، وأن توافق اسرائيل من جهتها على إعادة فتح المعابر وفق الاتفاق الذي أبرم بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والاتحاد الاوروبي العام 2005. وقد يتراوح التدخل الدولي بين الاكتفاء بوضع آلية لمراقبة دولية لوقف إطلاق النار وللمعابر، وصولاً لإرسال قوات دولية إلى القطاع إذا ما وافقت الفصائل الفلسطينية على ذلك.
لا شك أن المخاوف الدولية التي تتراوح بين فصل غزة نهائياً عن الضفة، أو حتى الحاقها بمصر، والخوف من تدهور الامور نحو الأسوأ وصولاً الى توسع رقعة المواجهات لتصبح إقليمية، هي التي تدفع بملف العدوان على غزة نحو طاولة التدويل. فمن جهة، نجد أن العرب متنصلون من مسؤولياتهم وغير قادرين على لعب دور فعال في ظل الانقسام العربي الحاد، والذي يحتار البعض ما إذا كان نتيجة أو سبباً للانقسام الفلسطيني.
ومن جهة أخرى، يبرز اللاعب التركي بأداء لافت مستغلاً الغياب العربي، وساعياً الى المشاركة في القوات الدولية المحتمل إرسالها الى جانب قوات اوروبية ومصرية. كما تكثف الدبلوماسية الأوروبية، وخصوصاً الفرنسية، جهودها مستفيدة من الغياب الأميركي حتى يحين استلام أوباما للحكم في العشرين من الجاري. فإلى أين ستؤول الأوضاع؟ وعلى يد من سيبصر الحل النور؟

كاتب من لبنان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى