صفحات العالم

في خلاف عاكف والبيانوني: «الإسلام هو الحل»

مشاري الذايدي
شعار الإخوان المسلمين الشهير هو «الإسلام هو الحل»، ولكن كيف نطبق هذا الشعار الشهير ونفهمه في موقفهم من المعركة السعودية مع ميليشيا الحوثي؟
السعودية تقاتل ميليشيا الحوثي على حدودها الجنوبية، بعدما استباح مقاتلو الحوثي الحدود وحفروا الخنادق وأطلقوا النار على الحرس.
كيف نفهم مقولة «الإسلام هو الحل» مع بيان مرشد إخوان مصر مهدي عاكف الذي طالب السعودية بالكف والتوقف عن القتال وحماية أرضها ومكافحة جماعة مرتبطة بعدو إقليمي، بحجة، والكلام لعاكف، أن السعودية «أكبر من ذلك»!
يعني: هل كلام عاكف هنا هو تطبيق عملي لشعار «الإسلام هو الحل»؟ وهل يطالبنا الإسلام، وفقا لفهم عاكف وإخوانه، أن يقدم الجنود السعوديون باقات الورد للحوثيين، ولا يقلقوا أبدا بشأن من يحرك هذه الجماعة أو يدعمها من طهران؟ وحتى ولو وافقنا من يقول بأن لا شأن لإيران بجماعة الحوثيين، طبعا سنصدق ذلك في حالة التخلي عن استخدام عقولنا! لكن لنقل إن إيران لا علاقة لها بحسين الحوثي وعبد الملك الحوثي ووالدهما، وقلنا إنهم جماعة محلية خالصة صافية، حتى لو صدقنا هذا فللسعودية الحق الكامل في التعامل الحازم مع فيضان الفوضى من اليمن على حدودها، مع جماعة لا تقصر، ومنذ سنوات، في مهاجمة السعودية وتصنيفها كعدو (لكاتب هذه السطور مقال نشر في 24 يونيو 2008 بعنوان: من صعدة إلى الضاحية ماذا يجري، أشرت فيه لكلام عبد الملك الحوثي العدائي ضد السعودية وتهديدها).
عرفنا كيف يرى مهدي عاكف أن «الإسلام هو الحل» في المشكلة الحوثية مع السعودية، وكيف قلل البيان الإخواني المصري من خطر الحوثيين وتعامل معها وكأنها «خناقة» بين السعودية وهذه المجاميع، وعليه فيجب على السعودية أن «تكبر عقلها» وتتعالى على هذه الأمور.
لكن كيف يقنعنا الشيخ عاكف بكلام زميله وقرينه في السن والإخوانية، علي البيانوني، مراقب الإخوان المسلمين السوريين، الذي أصدرت جماعته بيانا حاسما في إدانة الحوثيين، ودعم السعودية في قتالها، بيان إخواني سوري وصف المشهد الإقليمي بشكل مناقض لوصف مهدي عاكف، حيث قال بيان إخوان سورية: «من يتابع الحقائق، ومجرياتها على الساحة العربية والإسلامية، من العراق إلى الشام، إلى لبنان، إلى اليمن.. يدرك، بوضوح، أن ما يجري على أرض اليمن، ليس حلقة في فلاة؛ بل هو جزء من مخطّط مرسوم، غايته دقّ المسامير الديمغرافية والسياسية، في بنية المجتمعات العربية والإسلامية، بغية تمزيقها، وإثارة القلاقل في ربوعها، والتحكّم بإنسانها وبقرارها». مضيفا: «مخطّط طالما حذّرت منه، جماعة الإخوان المسلمين في سورية، ونبّهت القائمين عليه، والمحرّضين عليه». وزاد: «حين تزحف فلول مجموعات الحوثي، في هذه الأيام، إلى أراضي المملكة العربية السعودية.. إنّما تكشف عن النيّات المبيّتة، للقائمين على هذا المشروع الأثيم»، بل وطالب الإخوان المسلمون السوريون اليمن والسعودية بمواجهة «الجماعة الباغية».
أيهما يطبق شعار «الإسلام هو الحل»؟ مهدي عاكف أم علي البيانوني؟
كل زعيم إخواني اتخذ موقفا مناقضا للآخر ووصفا مغايرا للمشهد، فمن هو الذي يهدي إلى طريق الهدى؟
الحق أن الإسلام ليس احتكارا لجماعة الإخوان المسلمين سواء كانت سورية أم مصرية، ولا لأي جماعة أخرى سنية كانت أم شيعية، ولا لأي حزب سياسي، حاكما كان أو معارضا، بل هو هوية للمسلمين أجمعين، هو هوية للحكومة اليمنية التي تحارب الحوثيين، وهو هوية للجماعة الحوثية التي تحارب اليمن والسعودية، وهو هوية لإخوان سورية ولإخوان مصر.
لذلك يجب الكف عن استنزاف الرصيد الشرعي للإسلام واستغلال وهجه الروحي وتأثيره البالغ على المسلمين وتجيير هذا الرصد في حسابات هذا الفريق أو ذاك؟
وسبب كثرة تناول الإخوان بالنقد لدى بعض المراقبين، هو أنه مع الإخوان المسلمين يصبح الاستغلال لشعار الإسلام في أجلى صوره، ولذلك تصبح الرقابة عليهم في أكثر حالاتها يقظة.
الإخوان وكل تيارات الإسلام السياسي لا تريد الاعتراف بأنها مجرد أطراف سياسية، كالآخرين تصارع غيرها على القيادة والسلطة، لكنها توظف الدين في هذه المعركة السياسية البحتة.
شعار «الإسلام هو الحل» الذي احتكرته جماعة الإخوان يوحي بالتوحد ويشير إلى بساطة الحل وسهولته لولا وقوف «أعداء الحق» حسب الرؤية المثالية الإخوانية. لكن الواقع يقول غير ذلك، فكثيرا ما تصدع هذا الشعار واختلف أهل الشعار أنفسهم على قضايا محددة.
الجماعة في مصر نفسها تعرضت لأكثر من خضة وانشقاق منذ جماعة سيد قطب إلى جماعة أبو العلا ماضي وحزب الوسط، أي من اليمين إلى اليسار. وإخوان العرب اختلفوا أكثر من مرة، ولولا الحرص الوهمي لدى أقطاب الجماعة على مواجهة «العدو» أي السلطات العربية لعرفنا أكثر وأكثر عن هذه الصراعات، يكفي أن نشير إلى التصدع الكبير الذي أصاب الجماعة أثناء غزو صدام للكويت. خصوصا بين إخوان الكويت والسعودية مع إخوان الأردن ودول المغرب العربي.
لحظة غزو صدام للكويت (أغسطس 1990)، تسببت بخلق صدع كبير داخل الجسد الإخواني العام. وكان لموقف إخوان الأردن الرافض بحدة للاستعانة بقوات أميركية من أجل تحرير الكويت القدح المعلى.
إسماعيل الشطي، أحد رموز إخوان الكويت، ذكر، في مناسبة سالفة، أن موقف إخوان الأردن كان أشد المواقف المتصلبة في رفض الاستعانة بالقوات الأجنبية، وقال: «إنه أشد من مواقف إخوان فلسطين حتى».
همام سعيد، نائب مراقب الإخوان في الأردن دافع عن مواقف جماعته الذين نزلوا إلى الشارع وقادوا، مع بعض القوى القومية، مظاهرات الشارع الأردني المناهضة لتحرير الكويت على يد التحالف الدولي، التي ذهب بعضها إلى حد تأييد صدام حسين نفسه، وقال لي، في مناسبة سابقة، قبل أربع سنوات: «كنا ضد التدخل الأميركي وكنا نعتبره استعمارا جديدا لمنطقتنا، وهذا ما أثبتته الأيام». وسألته: ما هو مقترحكم إذن لتحرير الكويت؟ فقال: «كان خيارنا أن تنشأ حركة إسلامية وعربية تطالب برد العدوان عن الكويت».
وذكر لي علي أبو السكر، في نفس المناسبة، وهو ناشط إخواني أردني، أن موقفهم حينها كان موجها ضد وجود القوات الاستعمارية في المنطقة، وأضاف «نحن اجتهدنا في موقفنا من حرب الكويت، ولم نناصر صدام، وموقفنا كان، ولا يزال، محقا».
تحسر إخوان الكويت من موقف الخذلان والعداء، وفي هذا السياق يتذكر العضو الإخواني البارز مبارك الدويلة تفاصيل زيارة الوفد الشعبي الكويتي، الذي رأسه أحمد السقاف وكان الدويلة عضوا فيه، إلى الأردن أثناء الغزو لشرح القضية الكويتية، ويصف الدويلة في لقاء صحافي مع جريدة «الشرق القطرية» في يوليو 2004 موقف الإخوان المسلمين بالأردن بأنه كان مخزيا، وعبر يوسف العظم، النائب الإخواني الأردني الشهير، عن ذلك بقوله: لقدم عراقية في أرض الكويت خير من قدم أميركية.
لكن في المقابل وجدنا رموزا إخوانية أخرى تقف في الجبهة المقابلة لمعسكر صدام حسين، وأغلبنا يتذكر حينما عقدت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية السعودية التي كان يترأسها عبد الله التركي، مؤتمرا مشهودا عن الجهاد في مكة، حشدت له الجامعة بسعي دؤوب من عبد الله التركي الذي يتمتع بصلات مميزة مع رموز الحركة الإسلامية في العالم، لدعم الموقف السعودي، في نفس الوقت كان صدام حسين بالمقابل يحاول كسب رموز الحركة الإسلامية والإخوان المسلمين إلى صفه. وفي هذا الصدد عقد صدام، مع مؤتمر مكة والذي كان اسمه (المؤتمر الإسلامي الشعبي) ما أسماه هو أيضا بـ(المؤتمر الإسلامي الشعبي)!، ونشرت وكالة الأنباء العراقية حينها أسماء أعضاء المجلس التنفيذي لهذا المؤتمر، وكان منهم علي الفقير من الأردن، وعدنان سعد الدين من سورية، وغيرهم من الإسلاميين الإخوانيين.
فأي الفريقين من الإخوان المسلمين كان هو الممثل للإسلام والمطبق لشعار الإسلام هو الحل؟
يمكن القول في تفسير التباين الإخواني المصري السوري، بأنه يأتي، بالنسبة للبيانوني، في سياق تقارب إخوان سورية من النظام الحاكم، فدمشق الآن في حالة تصالح مع السعودية، وهي قد أيدت موقف السعودية مع الحوثيين، أما إخوان مصر فهم في خصومة بالغة مع الحكم المصري، والحكم المصري والدولة المصرية في حالة تحالف مع السعودية ضد مشاريع إيران الإقليمية، وعليه فعدو عدوي صديقي، حسب فهم إخوان مصر.
الحوثيون مجرد مرآة يظهر فيها إخوان مصر وسورية مواقفهم تجاه الحكم في بلدانهم.
لا شعارات مقدسة ولا شيء، هي حسبة مصالح واعتبارات دنيوية وسياسية بحتة.
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى