صفحات العالم

نظرية الحروب الوقائية الأميركية

سمير التنير
ظهرت نظرية الحــروب الوقائية في أميركا بعد انتهاء الحرب الباردة، ورداً على ما سمي «بالإرهاب»، وتشمل ايــضا رؤية موسعة لكيفية استخدام الولايات المتحدة للقوة وللمنظمات الدولية وأهمها مجلس الأمن. ويفرض هذا التوجه على الولايات المتحدة عدم التقيد بالدول الأخرى وإن كانت حليفة لها، وعدم التقيد بالقانون الدولي والمعاهدات الدولية، وذلك لمواجهــة الارهــاب والدول المارقة. وهذه الاستراتيجية الاميركية الكبرى تشمل عناصــر عديدة منــها أولا الالتزام بالخط الأساسي الذي يقضي بالمحافظة على القطبية الأحادية والتــصدي لأي منـافس لها في العالم عسكريا كان أم اقتصاديا وثانيا التصدي للمجموعات الارهابية التي تحاول الحصول على اسلحة دمار شامل، واستئصالها من جذورها بحسب تعبـير دونالد رامسفيلد وزير الدفاع السابق. وثالثا التخلي عن الاستراتيجية المواقعية السابقة واعتماد الخيار الهجومي الوقائي، وإعطاء نفسها الحق (اين يوجد ذلك؟) في استخــدام القوة الوقائية لضمان امنها. ورابعا الغاء مبدأ سيادة الدول، حيث اعطت لنفسها الــحق في مهاجمة المنظمات الارهابية في أي بقعة من الارض (كما يحدث الآن في باكستان على سبيل المثال). وخامسا عدم احترام المعاهدات والمواثيق الدولية التي تحد من قدرتها على التصرف بشكل أحادي. وسادسا التقليل من اهمية المواثيق والمعاهدات الدولية والأحلاف المقامة على أسس الدفاع عن النفس، وذلك لنسف رأي قيود تخضع تصرفها الأحادي وسابعا عدم اعتبار الاستقرار الدولي كعقبة والتحرر من الماضي، والسياسات المتبعة في حقبة الحرب الباردة، ومن هنا انبثقت فكرة إقامة الدرع الصاروخي في اراضي بولندا وتشيكيا بالقرب من الحدود الروسية، والذي رفضته روسيا بقوة. كأن مسألة توجيه الصواريخ مسألة مفروغ منها ومحددة الاتجاه. ولا يستطاع استعمالها لمهاجمة كل الاطراف التي تريدها اميركا، وفي كافة الاتجاهات.
ان هدف تلك الحروب هو اعادة رسم خريطة العالم وفق المصالح الاميركية، وينتج عن ذلك بالضرورة نشوب حروب جديــدة وفوضى هائلة. وكان المحافظون الجدد يطــالبون مختلف الادارات الاميركية بتنفيذ أفكارهم. ولكنهم لم يجدوا آذانا صاغيــة الا من بوش الابن. والتي انتهت الى التطبيق الفعلي. وقد رمت تلك السياســات العدوانية الى توفير مناخ آمن ومستقر لاميركا ولمصالحها (كأن لا دولة غيرها في العالم) ولاتــخاذ إجراءات حازمة وفورية في مواجهة مخــتلف التـهديدات. وللبقاء على أهبة الاستعداد لمواجهة التهديدات المستقبلية. اما الأهداف الأخرى فتتلخص بما يلي: 1) التدخل السياسي والعسكري في كافة أقطار العالم. دون تحديد لسقف تلك التدخلات. 2) اعادة ترتيب الوضع العسكري حســب مصالح اميركا من خلال هيمنتها على حلف الناتو ونشر القوات الاميركية في كافة مناطق العالم ذات الاهمية الجيو سياسية. 3) تشكيل تكتلات اقتصادية تقع كليا تحت اشــرافها مـثل منظمة النافتا لاميركا الشمالية وآسيان في جنوب شرقي آسيا. 4) السيطرة الاقتصادية على اسواق العالم بما فيه السوق الصينية والآسيوية وأســواق اميركا الوسـطى والجنوبية والشرق الاوسط وافريقيا. 5) فرض صندوق النقد الدولي والبـنك الدولي الخاضعين لاشرافها، شروطا قاسـية على بلدان العالم الثالث التي تطلب قروضا من تلك البنوك 6) السيطرة الكلية على الأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن لتسخير تلك المنظمات كي تكون ستارا لأنشطة الولايات المتحدة السياسية والاقتصادية والعسكرية وإلا إلغاء دور تلك المؤسسات نهائيا. 7) السيطرة على منابع النفط وخاصة في منطقة الخليج العربي.
كانت سياسة الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية متوافقة تماما مع القانون الدولي (ما عدا الاعتراف الفـوري بدولة اسرائيل عام 1948). وعرفـت اوروبا فترة طويلة من السلم، من جراء الاتفاق الضــمني بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي القاضي باستبعاد النزاع المسلح بينهما، واقتسام مناطق العالم المختـلفة. ولكن بعد زوال الاتحاد السوفياتي انهار النظام الدولي السابق وفي البدء مبادئ «عدم التدخل في شؤون الدول الاخرى» و»عدم اللجوء الى استخدام القوة». وشكل احتلال العراق انعطافة كبرى في العلاقات الدولية. وبذلك لم تعد الولايات المتحدة ترى نفسها مضطرة الى احترام القانون الدولي، ما دامت قد تبنت مبدأ «الحروب الوقائية».
يعتبر بعض الباحثين السياسيين ان نظرية الحروب الوقائية تمثل أكبر تحول شهدته السياسات الاميركية منذ خمسين عاما، وقد كتب وليام غالستون الاستاذ في جامعة ميرلاند والمساعد السابق للرئيس كلينتون في جريدة واشنطن بوست يقول انه بدلا من أن تواصل الولايات المتحدة التعــامل كدولة اولى بين أنداد كما كانت تفعل في النظــام الدولي لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. بدأت تتعامل باعتبارها القانون نفسه. وتضع قواعد جديدة للتعامل الدولي من دون موافقة الدول الأخرى. وهو أمر لن يخدم المصالح الأميركية على المدى البعيد.
اعتمدت سياسة الحروب الوقائية على الضربات المباغتة وعلى استعمال الأسلحة النووية التكتيكية، بل ربما ايضا على السلاح النووي الاستراتيجي. لان تلك السياسة ذات طابع هجومي، وتتجاوز مبدأ سيادة الدول وحقوق الانســان. وقد ورد في استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحـدة الصادرة عن البيت الابيض بتاريخ 20 ايلول عام 2002 ما يلي: «ان على الولايات المتحــدة ان تظل محتفظة بقدرتها لاحباط كل مبادرة يفكر في القيام بها أي عدو من اعدائنا للنيل من قوتنا سواء كان هذا العدو دولة او شبـــكة ارهابية. وان ننتزع منه القدرة على فرض ارادته علينا او على حلفائنا في العالم، بل ستــبقى قوتنا القوة الكبرى، التي تردع جميع خـصومنا، وتشل قدراتهم، سواء كانوا خصوما فعليين او محتملين، او من أولئك الذين يسعون الى التسابق الى التسلح ليصبحوا معادلين لنا او أقوى منا».
يقف العالم اليوم على مفترق طرق خطير (على الرغم من تغــيير الادارة الاميـركية) بسبب الازمة الاكثر خطورة في تاريخ العالم الحديث، اذ تحركت اضخم آلة عسكرية لتخفيض غمار مغامرة عسكــرية تهدد مستقبل البشرية جمعاء. وتلك الجــيوش اعدت لكي تحارب في عدة مناطق من العالم. لارساء الامبراطورية الاميركية، ولارهاب المنافسين المحتمـلين مثل روسيا والصين. وقد عقــد في 6 آب عام 2003 اجتــماع في نبراسكار للعمل على اعداد جيل جديد من الاسلحة النووية التكتــيكية بهدف استعمالها وفق قاعــدة وقائية ـ دفـاعية ضد الدول المارقة.
ويقوم الآن اوباما بتهدئة الجبهة العسكرية في العراق (لا نعرف اذا كان الشعب العراقي يقبل ان يحكمه حكام نصبهم الاحتلال؟) لكي يسعرها في افغانستان. مما يدل ان النهج السابق في اثارة الحروب مستمر.
عند مفترق الطرق هذا تأتي الخطط العسكرية الاميركية الجديدة. كي تشكل التهديد الأكبر للسلم والأمن الدوليين في السنوات الأولى للقرن الحادي والعشرين.
([) كاتب لبناني
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى