صفحات ثقافية

الكتاب الممنوع

null


عوّاد ناصر

غالباً ما تثار قضية الكتب الممنوعة في عالمنا العربي.

إنها قضية تنبثق من العلاقة الملتبسة بين هذا العالم والكتاب وسيلة معرفة.

الرقابة في عالمنا رقابات، بدءا من الموظف الرقيب الخائف من خياله، وذاك الرقيب الذي يري في سماحه بنشر كتاب يشمّ منه رائحة كريهة، حسب حاسة شمه، معناه تعرضه للمساءلة وربما التوبيخ وربما أكثر من ذلك أقله طرده من الوظيفة.

بل هي ظاهرة أكثر تعقيداً قدر ما يتعلق الأمر باحتقار المعرفة في مجتمعات متخلفة، حيث التجهيل المقصود هدف بحد ذاته لأن المجتمع الجاهل سهل الانقياد والإذعان.

تفسيرات واجتهادات السادة الفقهاء والقيمين علي حروف الكتابة ومدلولاتها ورموزها تختلف من فقيه وآخر وقيّم وزميله في حراسة أخلاق وأفكار الناس من خطر (الكاتب المفسد وكتابه الفاسد).

هؤلاء الساده جهاز تنفيذي في منظومة سياسية وفكرية قد تكون حكومية أو غير حكومية، وما بينها ثمة الوشاة وكتاب التقارير الذين قد يكونون كتاباً أيضاً، لكنهم موكّلون بالإيقاع بزملائهم الكتّاب.

يقف خلف هؤلاء أو إلي جانبهم الأكليروس من منظِّري ومروِّجي “الفضيلة” الذين يتميزون برؤوس صغيرة جداً لاتكبر إلا بالعمائم التي تعلوها.

هدف هؤلاء جميعاً، هو الرجوع بالمجتمع إلي الخلف أو الإبقاء عليه كما هو في أضعف الإيمان.

.. ولأن المعرفة فعل حريّة فهي لا تتعايش مع الاستبداد ولا تقبل بشروط العبودية الحديثة.

كان العبيد يغامرون بحياتهم إذا حاولوا تعلم القراءة. وحتي الثلاثينات من القرن العشرين روت سيدة سوداء تجربتها بأنها تعلمت القراءة من خلال اللعب بمكعب الحروف الأبجدية مع طفل سيدها الذي كانت تربيه، وعندما “ضبطها” سيدها “متلبسة” بالفعل الخطير ركلها بقدمه.

لكن تلك السيدة لم تستسلم إذ واصلت “ارتكاب الفعلة الشنعاء” بعد أن عثرت علي كتاب مصور راحت تفك ألغازه وعندما شعرت بأنها نجحت في ذلك “اندفعت علي الفور لنقل الخبر السعيد إلي بقية المسترقّين الآخرين“.

ويروي أرقّاء آخرون تجارب أقسي إذ تعرضوا للجلد بسياط من جلد البقر لأنهم ضبطوا متلبسين!

منع الكتاب هو منع المرء من القراءة حتي لو مثلت له نوعاً من الفضول حسب، أو متعة اكتشاف معني لم يكن قد آلفه من قبل قد يتسبب بتغييره داخلياً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى