صفحات أخرى

جلبير الاشقر يخترع هوية نازية لأنطون سعاده

في كتابه “العرب والمحرقة النازية” الصادر عن “دار الساقي”، انطلق الباحث الاكاديمي جلبير الاشقر في المقال المخصص لأنطون سعاده وعقيدته وحزبه، من فرضية غير قابلة للاستئناف او التمييز، وهي ان الحزب السوري القومي الاجتماعي نسخة كربونية عن الحزب النازي، ليجزم “ان انطون سعاده، اللبناني الارثوذكسي الرومي الذي أسس حزبه في عام 1932، كان معجباً مبكراً بأدولف هتلر، وكان عاشقاً لالمانيا، على دراية جيدة بالنازية وذلك بفضل معرفته اللغة الالمانية التي درّسها في الجامعة الأميركية في بيروت”. واكد ان الحزب القومي “مستنسخ مشرقي من الحزب النازي من جميع الجوانب تقريباً: الايديولوجية السياسية، نظرية جغرافية – عنصرية – قومية ذات ادعاءات علمية، البنية التنظيمية، عبادة الزعيم، علم الحزب المرسوم وفق علم الحزب النازي وزوبعة رباعية بدلاً من الصليب المعقوف”. وتبنى المؤلف ما قاله باتريك سيل في كتابه “الصراع على سورية”: “ربما كان سعاده اول عربي ينشئ نسخة محلية بالكامل من التشكيلات الشبابية التي ازدهرت في ايطاليا والمانيا في ثلاثينات القرن العشرين” (ص 127 – 128).
واذا كان صحيحا ما يقوله المؤلف، فإن محفوظات الخارجية الالمانية يجب ان تحتضن ملفا ضخما عن سعاده وحزبه وعقيدته يحفل بالتقارير والرسائل التي تعزز الاتهامات الآنفة برسائل من سعاده الى هتلر او معاونيه، وبوصولات دفع وقبض، وبأوامر وتوجيهات من الحزب النازي الغربي الى الحزب السوري القومي “المستنسخ المشرقي”.
وبالطبع، سوف يعود تاريخ بعض التقارير والرسائل والاوامر ووصولات القبض والدفع الى ما قبل العام 1932 حين اسس سعاده حزبه، خصوصا ان المؤسس مغرم بهتلر ومتيّم بالمانيا ويتكلم اللغة الالمانية مثل البلبل.
لم يكن جلبير الاشقر اول من اتهم سعاده بالنازية، ولن يكون الاخير. فقد سبقه مئات الباحثين والصحافيين والمدّعين العامين. وكان قيدوم المتهمين المدعي العام الفرنسي في بيروت الذي وجه ضد سعاده دزينتين من الاتهامات ذات العيار الثقيل، ومنها الهتلرية النازية، وذلك بعد ايام من افتضاح سرية الحزب القومي في 16 تشرين الثاني 1935. الغريب ان اصحاب الاتهامات، وبخاصة الذين يسرحون ويمرحون في اشهر الجامعات ومراكز الابحاث في الغرب، وتصنّف كتبهم مراجع “منزلة”، ما فتئوا يصرّون على نازية سعاده، غير عابئين بسقوطها في المحكمة الفرنسية نتيجة خلوّ جعبة الادعاء العام من اي وثيقة تثبت التهمة، في حين كان في جعبة المتهم سعاده وثائق عدة تدحض الاتهام، منها خطابه التأسيسي الذي القاه قبل انكشاف امر الحزب حيث يحذّر فيه مسؤولي حزبه والأعضاء من الأخذ بالدعاوات الاجنبية حيث قال: “اننا نشعر الآن بوجود دعاوة ايطالية قوية في هذه البلاد خصوصا وفي الشرق عموما. وكذلك نشعر نحن بمثل هذه الدعاوة من جهة المانية، وبمثل ذلك من دول اخرى. فزعامة الحزب السوري القومي تحذّر جميع الاعضاء من الوقوع فريسة للدعاوات الاجنبية” (سعاده، الآثار الكاملة، الخطاب المنهاجي الاول، ص 180).
وحيث ان هذا الخطاب ألقي داخل جدران القاعة المقفلة وفي حضور عدد محدود من كوادر الحزب، ولم يكن برسم النشر والاستهلاك الاعلامي الدعائي، فقط اسقط رئيس المحكمة الفرنسي تهمة العمالة او العلاقة بالمانيا النازية، واكتفى بحبس زعيم الحزب ستة اشهر لتأسيسه حزبه بلا ترخيص.
ثمة وثيقة اخرى لا تقل اهمية عن الخطاب التأسيسي، إن لم تكن اهم منه. كان زعيم الحزب مقيما في مدينة كوردبة (قرطبة) الارجنتينية عام 1939. اصدرت سلطة الاحتلال الفرنسي للبنان حكما غيابيا في حقه. وكان احد مثقفي الحزب في البرازيل من آل بندقي يصدر جريدة بعنوان “سورية الجديدة”. لاحظ سعاده صياغة ايجابية لأخبار المانيا النازية، فبعث برسالة الى رئيس التحرير امره فيها بالتزام الحياد حيال جبهتي المحور والحلفاء ومنها المانيا النازية وايطاليا الفاشية. ولما لم يلتزم رئيس التحرير الامر، اقاله زعيم الحزب وألّف مجلس ادارة بدلا منه وبعث الى رئيسه واعضائه برسالة مستفيضة بتاريخ 10 تشرين الثاني 1939، رسم لهم فيها سياسة الحزب عبر النص الحرفي الآتي:
1- “ان سياسة الحزب السوري القومي هي سياسة سورية قومية مستقلة غير مختلطة مع اية سياسة اجنبية، كما هو بيّن ومشروح في مبادئ الحزب وخطب الزعيم ومقالاته، ولذلك، فإن سياسة “سورية الجديدة” لا تخرج عن التوجيهات الرسمية.
2- ان سياسة الحزب السوري القومي ليست فاشية.
3- ان سياسة الحزب السوري القومي ليست نازية.
4- ان سياسة الحزب السوري القومي ليست “ديموقراطية”.
5- ان سياسة الحزب السوري القومي ليست شيوعية او بلشفية.
6- ان سياسة الحزب السوري القومي هي سياسة سورية قومية لا تخضع لغير المبدأ الثامن من مبادئه الاساسية القائل: “مصلحة سورية فوق كل مصلحة”.
7- بناء عليه، تكون سياسة “سورية الجديدة” لا فاشية ولا نازية ولا (ديمقراطية) ولا شيوعية او بلشفية بل سورية قومية” (سعاده، كتاب “الرسائل”، ج1، ص 105). ايضا، هذه الوثيقة لم تكن برسم الاستثمار الاعلامي، بدليل انها لم تنشر الا بعد 39 عاما من تاريخ صدورها. وكان يمكن ان لا تنشر بالمرة لو ان من كانت في ارشيفه قد اتلفها او امتنع عن تسليمها للناشر.
كيف تعاطى الباحث الاكاديمي مع هذه الوثيقة الحزبية التي كتبها سعاده بُعيد اندلاع الحرب العالمية الثانية وحدد فيها حياد حزبه ازاء الدول المتحاربة ومنها المانيا؟
بكل خفة وفوقية اكد “ان الاحباط الهائل الذي لا بد ان هذا الموقف – رفض القنصل الالماني تقديم السلاح والتدريب للحزب القومي – قد سبّبه لسعاده الذي كانت أناه متضخمة، انما يفسر لماذا انكر في ما بعد ان حزبه فاشي او نازي، لكي يسارع الى اضافة انه ليس حزبا “ديموقراطيا” او شيوعيا، بل هو ببساطة حزب سوري قومي” (ص130) وسأعود، بعد قليل، الى طلب المسؤول القومي التدريب والسلاح من القنصل الالماني.
طبعا، هو تجاهل “انكار” سعاده لنازية حزبه عبر الخطاب المنهاجي الاول الذي ألقاه قبيل طلب السلاح والتدريب وقبل كتابة الرسائل بأربعة اعوام، ناهيك بتجاهله ان الطلب، في حال صحته، تم في بيروت، والصادرة الحزبية كُتبت في الارجنتين ونُفذت في البرازيل. وهو تجاهل ذلك كله، لكي يحدد سببا، ولو سخيفاً، كان وراء تغيير سعاده لهوية حزبه. ولم ينس ان يضيف سببا آخر هو “انانية” سعاده “المتضخمة” التي تنجم عنها ردود فعل قوية نتيجة رفض طلباته، من شأنها ان تجعله يحدث تغييرا في هوية حزبه التي اكد في مكان آخر من المقال انه – اي الحزب القومي – “مستنسخ نازي”. في المناسبة، فالدكتور الأشقر الذي يستخف بسعاده المفكر الاجتماعي والسياسي، يتجاهل أنه موضوع شهادات دكتوراه في اكثر من جامعة اوروبية واميركية، منها جامعة لندن حيث نال الدكتور محمد معتوق الدكتوراه في الكلية الشرقية (SOAS) التي يعلّم فيها. وحضرته يوجه انتقادات قاسية وظالمة في اتجاه سعاده ومنها اتهامه بالانانية المتضخمة، وهو يتجاهل ان من يكون انانيا بامتياز لا يضحّي بكل شيء في سبيل مشروعه النهضوي بما في ذلك الدماء التي تجري في عروقه. صحيح ان الخوراسقف لويس خليل قد اصدر كتابا بعنوان “الحزب السوري القومي مؤامرة على الدين والوطن”، لكنه فعل ذلك في العام 1938 وليس في 2010، اضافة الى ان خليل رجل دين والاشقر علماني. والآن حان الوقت لزيارة مركز محفوظات الوثائق الديبلوماسية الالمانية. توجد في هذا المركز نصف دزينة من التقارير والرسائل الديبلوماسية الخاصة بسعاده وحزبه وعقيدته. يفيد زيلر، المسؤول في القنصلية الالمانية في بيروت، عبر برقية سرية طيّرها الى وزارة خارجية بلاده، ان “جريدة عربية تدّعي نقلاً عن قاضي التحقيق، وجود وثائق تثبت علاقة القنصلية العامة الالمانية بهذا الحزب ودعمها المالي له. صرّحت للمفوض الأعلى – الفرنسي – عن بطلان هذا الادعاء، وطلبت منه منع الجريدة”.
بعد اربعة ايام تلقت وزارة الخارجية الالمانية من قنصليتها في بيروت تقريراً سياسياً سرياً. يقول كاتب التقرير الذي يفترض انه زيلر: “وقد علمت من شخصية حسنة الاطلاع ان هذا الحزب، الذي كما يبدو قد تأثر في نظرته الى الحياة وفي تنظيمه وفي اشكاله الخارجية، بالأفكار والمثل القومية الاشتراكية او الفاشية، يرأسه انطون سعاده الذي يبلغ 35 سنة، وقد تعلم الالمانية بنفسه”. اضاف ان قيادة الحزب “جعلت هدفها قلب الحكومات القائمة في كل من لبنان وسوريا، لكي تجمع كل العرب ضمن الحدود الجغرافية لسوريا في دولة واحدة دون تمييز على أساس الدين. وكانت – القيادة – قد ابتدأت بتدريبات لهذا الغرض. أما في ما يتعلق بالاتهام بالعلاقة المذكورة المنوّه عنها مع جهة أجنبية، فإن التهمة حسب معلومات عميلي الموثوق به تدور حول ايطاليا وليس المانيا. وكانت هذه الحركة قد حاولت عندي في الربيع جسّ النبض حول احتمال تقديم تدريبات عسكرية من جهة المانيا لأنصارها الشباب وامدادها بالسلاح. ولكني لم أقبل الطلب. بل تمنعت بكل وضوح، ولكن من المستبعد ايضاً أن تكون ايطاليا تورطت جدياً في الامر”.
وفي 11 كانون الاول 1935، بعث زيلر الى نظيره في المفوضية الفرنسية لاغارد برسالة رسمية، قال فيها: “كنت حدثتك عن بعض الصحف التي اتهمت القنصلية العامة الالمانية بأنها ساعدت الحزب السوري القومي بالمال وأقامت علاقات وثيقة مع زعيمه. وقد أكدت لك بصراحة ان ليس من مهماتي التعاطي بالسياسة الداخلية لدول الشرق الواقعة تحت الانتداب الفرنسي. وفي هذه الحالة، فإن الاتهامات المومأ اليها تغدو خالية من أي أساس، والتي بدت لي أكثر خطورة عندما صدرت من سلطة المحقق القضائي. لقد اعتقد المفوض السامي الفرنسي ان أمره لجريدة “البلاد” كي تصدر تكذيباً، يكون كافياً. وكما خشيت للوهلة الأولى، فإن هذا الاجراء بدا غير كاف. أذكر، بصورة خاصة، عدد جريدة “المساء” الصادر في 26 تشرين الثاني المنصرم التي كررت، بشكل مضجر، قصة المساعدة المالية الوهمية؛ ومجلة “GOHA” التي ألمحت في عددها الصادر في 8 الجاري، الى علاقات شخصية قامت بين قنصل المانيا والسيد أنطون سعاده، حيث ادعت انها رأتهما معاً في الصيف الماضي في عاليه… انطلاقاً من الرقابة الشديدة التي تمارسها المفوضية الفرنسية على الصحافة الاهلية، أكون في غاية الاطمئنان، اذا تم تعطيل النزوة الافترائية للصحافة تلك، وأخذ تدابير مناسبة”.
وفي 11 كانون الاول 1935 بعث لاغارد برسالة جوابية الى زيلر، قال فيها: “باستطاعتك التحقق بأن اجراءات قاسية سأسهر على تنفيذها بحق الصحف التي أذنبت في نشر أشياء مغرضة. اسمح لي في المقابل بأن ألفتك الى أن الصحافة اللبنانية والسورية تستفيد من نظام ليبيرالي الى أبعد حد. لن أتأخر في التدخل على صعيد الصحف التي سميتها لي، وبخاصة “المساء”، داعياً اياها الى ابداء المزيد من الحذر والفطنة”.
وفي 20 كانون الاول 1935 بعث القنصل الالماني الى خارجية بلاده بتقرير موضوعه “العلاقات المزعومة بين الحزب السوري القومي والقنصلية العامة” ورد فيه ان “الأمين العام – للمفوضية الفرنسية – يؤكد أنه لا توجد أية علاقة بين الدوائر العاملة للانقلاب في الحزب القومي، وبين القنصلية العامة الالمانية”.
نسيت أن أذكّر بأني عرضت الملفات التي سبقت انكشاف سرية الحزب في 16 تشرين الثاني 1935، وبخاصة السنوات التي بدأت في عام تأسيس الحزب 1932 وانتهت يوم انكشاف سريته، حيث يفترض وجود تقارير ورسائل دسمة حول “علاقة” أو “عمالة” سعاده لهتلر، إذا صحّت الاتهامات التي أطلقها المدعي العام الفرنسي عام 1935 وتبناها الدكتور أو البروفسور جلبير الاشقر اللبناني بعد ثلاثة أرباع القرن. وفي حين عثرت على تقارير ورسائل تتعلق ببعض الشخصيات القيادية في بلاد الشام وفي طليعتها الحاج أمين الحسيني، وفخري البارودي، والمير شكيب ارسلان، لم أجد رسالة واحدة من أنطون سعاده الى هتلر أو أحد المسؤولين في نظامه، أو تقرير سياسي أو ديبلوماسي عنه. في المناسبة، فإن التقارير والرسائل التي تمحورت على البارودي والحسيني وارسلان، تؤكد وجود علاقة مشروعة ولكنها لا ترقى الى العمالة.
نشرت صور الوثائق بالالمانية وترجمة نصوصها الكاملة الى جانب دراسة مؤلفة من مقدمة وأربع مقالات في كتابي “سعاده والنازية”، وقد عنونت المقال الثالث بـ”مشروع علاقة” حيث درست فيه معلومة الديبلوماسي الالماني التي زوده إياها مخبره السري التي تفيد ان سعاده أو أحد مسؤولي حزبه طلب مساعدة القنصلية في تدريب ميليشيا الحزب وتزويدها السلاح. مع ذلك، اعتبر جلبير الأشقر كتابي “عملاً تبريرياً” ووصف مؤلفه بأنه “عضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي يسعى الى دحض الاتهام التاريخي والموجّه الى حزبه، لكن الوثيقة التي يعيد نشرها كسند رئيسي لذلك انما تميل الى أن تكون سنداً لتأييد التهمة”. ولم ينسَ المؤلف أن يتغزل بـ”القنصل الالماني الحاد النظر، والذي كان قد امتنع بحكمة عن التجاوب مع طلب للدعم كان الحزب قد أرسله اليه قبل ذلك بأشهر قليلة” (ص129).
كنت ولا أزال رافضاً ممارسة نهج الباحث الاكاديمي الأشقر الذي يحكم على الكتاب من خلال الكاتب، باعتبار ان كل باحث يعتنق ايديولوجيا سياسية؛ فإذا اعتنقت عقيدة عالم الاجتماع أنطون سعاده، فالأشقر نفسه اعتنق العقيدة الماركسية. وهذا لا يشكّل ثغرة في بحث القومي الاجتماعي أو الماركسي، وخصوصاً انه لا توجد مدرسة فكرية سياسية اجتماعية واحدة كما هي الحال في الكيمياء أو الطب. من هنا سر استقبال الجامعات والكليات الكبرى كالجامعة الاميركية في بيروت والكلية الشرقية في جامعة لندن لأساتذة ماركسيين وقوميين وغير ذلك. على سبيل المثال، فقد سبق للدكتور منير خوري القومي الاجتماعي، أن درّس في الجامعة الاميركية في بيروت والجامعة الاميركية اللبنانية (LAU)، تماماً كما درّس الدكتور الماركسي فواز طرابلسي في الكلية الشرقية التابعة لجامعة لندن وفي الجامعة اللبنانية الاميركية في بيروت، وكما درّس الماركسي جلبير الأشقر في جامعة باريس الثامنة، ويدرّس في كلية جامعة لندن الشرقية. في المناسبة، كيف يوفّق صاحبنا بين منهجه الماركسي وبراكسيسيته السياسية الاميركية اللذين تجلّيا في كتابه الجديد؟ ولكن اختلاف المناهج لدى الباحثين، الذي يؤدي الى خلاف في الأحكام، لا يجوز أن يفسد للحقيقة المعلوماتية قضية، إلا اذا انتقى الباحث المعلومة التي تخدم أحكامه المسبقة، وعتّّم على المعلومات التي تزعج خاطر إيديولوجيته. فمثلاً، من حق المؤلف، وهو الماركسي المنهج، أن يرفض عقيدة سعاده القومية ومشروعه العقائدي السياسي الهادف الى وحدة سوريا الطبيعية، وإقامة نظام جديد فيها يتمحور على دستور يرفض وجود الاحتلال الاستيطاني اليهودي في فلسطين من الاساس. في المقابل يجب على الباحث الاكاديمي أن يعترف بأن سعاده حقق حركة ثقافية استقطبت آلاف المثقفين ومئات الفنانين والشعراء والمفكرين والأدباء من أمثال هشام شرابي وعلي أحمد سعيد (أدونيس) وسعيد تقي الدين وفايز صايغ ومصطفى فروخ وزكي ناصيف. بدلاً من ذلك أكد، من غير أن يرف له جفن، ان سعاده “عدوّ التنوير” (ص128).
اذا عدنا الى بيت القصيد في الفصل أو المقال الذي تناول فيه المؤلف سعاده وحزبه وعقيدته، وجدنا انه عمل من حبة معلومة المخبر السري قبة، وتجاهل بقية مضمون التقرير التي وردت فيها المعلومة غير الاكيدة، حيث قال ان الوثيقة التي ضمّت المعلومة، تشكّل سنداً لتأييد التهمة لا دحضها. وهو قال ذلك على رغم ان كاتب الوثيقة يقول انه رفض تقديم التدريب والسلاح الى الحزب القومي الذي كان في صدد قتال المحتل الفرنسي، على ما جاء في الوثيقة. وهب ان القنصلية تجاوبت مع أصحاب الطلب، فهل يعتبر ذلك كافياً لاثبات “الاتهام التاريخي بالنازية؟”. ثمة سؤال أكثر وجاهة، أطرحه على الباحث الاكاديمي: لماذا قفزت من فوق الوثائق الخمس الباقية التي يحتضنها أرشيف الخارجية الالمانية؟ ألأنها تدحض التهمة التي أردت إلصاقها بسعاده منذ السطر الاول في المقال حيث تقول: “لا شك في أن الحزب السوري القومي الاجتماعي حزب مبني وفق النموذج النازي؟” (ص127).
يبقى ان هذا النهج الانتقائي الذي يطلق صاحبه الاحكام المسبقة الخالية من الأدلة عبره، لا يتناسب مع سيرة جلبير الأشقر المثبتة في كتابه والقائلة إنّه “كاتب وباحث وأستاذ في معهد الدراسات الشرقية والافريقية في جامعة لندن. عمل استاذاً في جامعة باريس الثامنة، ومن ثم باحثاً في مركز مارك بلوك في برلين. له العديد من المؤلفات والبحوث، وقد صدرت كتبه في 15 لغة”. اضافة الى انه ألّف كتابه “السلطان الخطير” بالاشتراك مع نعوم تشومسكي. ذلك ان قيمة الشهادات والكتب الصادرة في أكثر من لغة، أن تكون في خدمة الحقيقة لا تزويرها.

جان داية
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى