صفحات ثقافية

‘ترمي بشرر’ لعبده خال تنال جائزة ‘بوكر’ للرواية العربية لسنة 2010

null
‘ترمي بشرر’ لعبده خال تنال جائزة ‘بوكر’ للرواية العربية لسنة 2010
أبو ظبي ـ ‘القدس العربي’:
فاز الروائي السعودي عبده خال بالجائزة العالمية للرواية العربية، وذلك عن روايته ‘ ترمي بشرر’، الصادرة عن دار الجمل، بيروت/ بغداد، سنة 2009. جرى الإعلان عن اسم الفائز بالجائزة في حضور جمهور من المفكرين والنقاد والناشرين والكتاب والصحافيين العرب والأجانب، وذلك خلال حفل عشاء رسمي أقيم في العاصمة الإماراتية أبو ظبي ـ الثلاثاء 2 آذار ( مارس) 2010.
يأتي قص الكاتب السعودي عبده خال حاملا تكملة لعنوان الرواية: ترمي بشرر ‘كالقصر’. قصر بهيج هو جنة جحيمية، ترمي بشررها على جحيم الحارات البائسة في جدة، فيمتد الحكي جسرا بين عالم سيد القصر ومن تحولوا دمى بشرية وعبيداً، من اجتاحهم القصر وسلبهم بحرهم وقوارب نجاتهم. رواية ساخرة فاجعة تصور فظاعة تدمير البيئة وتدمير النفوس بالمتعة المطلقة بالسلطة والمتعة المطلقة بالثراء، وتقدم البوح الملتاع لمن أغوتهم أنوار القصر الفاحشة فاستسلموا إلى عبودية مختارة من النوع الحديث.
هذا وقد جاء الإعلان عن اسم الفائز بالجائزة على لسان رئيس هيئة التحكيم الكاتب الكويتي طالب الرفاعي، في حضور أعضاء لجنة التحكيم الثلاثة وهم رجاء بن سلامة، أستاذة محاضرة في كليّة الآداب والفنون والإنسانيات في منوبة، من تونس؛ سيف الرحبي، شاعر وكاتب عُماني؛ وفريدريك لاغرانج، باحث أكاديمي ومترجم ومدير قسم الدراسات العربية والعبرية في جامعة السوربون (باريس 4) من فرنسا.
وعلّق رئيس لجنة التحكيم طالب الرفاعي قائلا: ‘ لقد مارست لجنة التحكيم عملها خلال المراحل المختلفة للجائزة محتفظة باستقلالية قرارها ونزاهة تعاملها مع جميع الأعمال الروائية المتقدمة للجائزة، مع التأكيد على وجود روايات جيدة وممتعة لم يُكتب لها الوصول إلى القائمتين الطويلة أو القصيرة’.
وأضاف: ‘ تصور الرواية برمزية فائقة عوالم السلطة المطلقة، بقدرتها على تدمير الأشخاص والنفوس والأمكنة. وقد جاء ذلك من خلال منظور شخصية منفّرة، لا ترى العالم إلا في إطار ثنائيات فجة. فالرواية تقدم للقارئ راهناً إنسانياً مرعباً، يصور عالماً روائياً تغلب عليه شعرية الفظاعة والإفراط والغلو’.
وقد جرى الإعلان عن الروايات الست المرشحة للجائزة الأدبية المرموقة، بالإضافة إلى أسماء أعضاء هيئة التحكيم، خلال مؤتمر صحافي عقد في بيروت في 15 كانون الاول ( ديسمبر) 2009، حيث جاء ذلك بعد قراءة ومناقشة مستفيضة لقائمة طويلة من الروايات المشاركة، والتي تتألف من 113 رواية منشورة باللغة العربية من 17 دولة.
يحصل كل من المرشّحين الستة النهائيين على 10000 دولار، أما الرابح فيفوز بـ 50000 دولار إضافية. وينعم كتّابها بالقدرة على الوصول الى جمهور واسع من القرّاء على الصعيدين العربي والعالمي في آن واحد، وعلى تأمين عقود ترجمة لأعمالهم. هذا وضمت القائمة النهائية ست روايات للكتاب: ربعي المدهون، جمال ناجي، ربيع جابر، محمد المنسي قنديل، عبده خال ومنصورة عز الدين.
الروائي السعودي عبده خال «يخطف» جائزة الـ «بوكر» للرواية العربية
أبو ظبي – معن البياري
أعلنت لجنة تحكيم «الجائزة العالمية للرواية العربية» (بوكر) أمس في احتفال في أبو ظبي فوز رواية «ترمي بشرر» (دار الجمل)للكاتب السعودي عبده خال بجائزتها الأولى في الدورة الثالثة لها، من بين ست روايات أُعلن في كانون أول (ديسمبر) الماضي وصولها إلى اللائحة القصيرة للجائزة للسنة 2010. والروايات الست هي: «يوم غائم في البر الغربي» للمصري محمد المنسي قنديل و «عندما تشيخ الذئاب» للأردني جمال ناجي، و «أميركا» للبناني ربيع جابر و «وراء الفردوس» للمصرية منصورة عز الدين، و «ترمي بشرر» للسعودي عبده خال، و «السيدة في تل أبيب» للفلسطيني ربعي المدهون. ويكافأ كل من الفائزين بعشرة آلاف دولار، إضافة إلى 50 ألفاً للفائز الأول. وقد تأهلت للجائزة 115 رواية، رشحتها للتنافس دور نشر من 17 بلداً عربياً، وأعلنت اللائحة الطويلة التي تضم 16 رواية في القاهرة في تشرين ثاني (نوفمبر) الماضي.
وكانت الجائزة أطلقت في أبوظبي في نيسان (إبريل) 2007، بالشراكة مع مؤسسة جائزة «بوكر» الدولية ومعهد وايدنفيلد للحوار الاستراتيجي في لندن، مساهمةً في لفت الانتباه العالمي إلى المنجز الروائي العربي الجديد، بمنح الأعمال الفائزة فرصة ترجمتها إلى أكبر عدد ممكن من اللغات. وترعى الجائزة وتمولها «مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي»، والتي تعمل على تعزيز الشراكة بين مؤسسات القطاعين العام والخاص، والاستفادة منهما في تطوير مشاريع ومبادرات غير ربحية في الإمارات، وتتمثل اهتماماتها في التعليم والعلوم والتكنولوجيا والفنون والثقافة والتنمية الاجتماعية والتنمية البيئية والتوعية العامة. ويقدر للقائمين على المؤسسة أنهم في الدورات الثلاث للجائزة لم يؤثروا في أعمال مجلس الأمناء ولجان التحكيم بتعليمات أو توجيهات مباشرة أو غير مباشرة. وصرّحت رئيسة برنامج الثقافة والفنون في المؤسسة، سلوى مقدادي، إن المؤسسة فخورة برعايتها جائزة «بوكر» التي يتزايد تأثيرها بقوة في الحياة الثقافية العربية في غضون ثلاثة أعوام فقط، بحيث تمكنت بفضل نفوذها الثقافي واستقلالية مجلس أمنائها ولجان تحكيمها من أن تصبح الجائزة الأهم والأبرز في العالم العربي.
وإذا كانت في هذا القول مبالغة، فقد تبدى اهتمام كبير ولافت لدى الأدباء العرب، وخصوصاً الروائيين، بالجائزة، وفي محلّه قول رئيس مجلس الأمناء جوناثان تايلور إن «بوكر» رائدة في عالم الأدب العربي، وبات تأثيرها لا يقبل الجدال، وكذلك قول المديرة الإدارية للجائزة جمانة حداد إن جائزة أدبية عربية لم تحظ بهذا القدر من الانتباه والتأثير من قبل، وجاءت «بوكر» لتلبي حاجة ثقافية ملحة في حياتنا العربية. وساهم في ذلك كله أن الجائزة يتم الإعلان عنها في ثلاث مراحل، ويتم التكتم لشهور على أسماء لجان التحكيم، إضافة إلى الشهرة التي تتوافر للروايات الفائزة بين قراء كثيرين، وكذلك السمة العالمية للجائزة التي تعد توأماً لنظيرتها البريطانية المرموقة. وربما عملت هذه الأسباب، وغيرها، على إثارة زوابع الانتقادات، النزقة أحياناً، للجائزة وآلياتها، وشهدت بعضَه الدورة الأولى التي فازت فيها «واحة الغروب» للمصري بهاء طاهر، وترأس لجنة التحكيم فيها العراقي صموئيل شمعون. واستمرت مؤاخذات أقل في غضون الدورة التالية التي فازت فيها «عزازيل» للمصري يوسف زيدان، وترأست المحكمين فيها اللبنانية يمنى العيد. ولمّا كان طبيعياً، وربما مطلوباً، أن تثور آراء واجتهادات واقتراحات تدل إلى نواقص وملاحظات في أمر الجائزة ومحكميها وآليات عملها، إلا أن ما شهدته الدورة الحالية التي اكتملت اليوم بإعلان اسم الفائز الأول تجاوز كثيراً الطبيعي والمطلوب، خصوصاً مع إشهار أسماء أعضاء لجنة التحكيم التي يترأسها الكويتي طالب الرفاعي، فالذي جرى يوجب حماية الجائزة العالمية للرواية العربية «بوكر»، والعمل على الحفاظ على صدقيتها والثقة بها ورواجها واحترامها، لا سيما وقد ظلت الاتهامات عن مؤامرات وصفقات و «تزبيطات» تشيع في شأن الروايات المرشحة للفوز قبل إعلان قائمة الـ 16، في صحف ومواقع إلكترونية وبأسماء كتاب ومثقفين عرب، حسم بعضها عدداً من الفائزين، وروّج لرواية اللبنانية علوية صبح «اسمه الغرام» بالزعم أن توافقاً بعيداً من أي تحكيم جرى لتكون الجائزة من نصيبها. ومع انسحاب عضو لجنة التحكيم الناقدة المصرية شيرين أبو النجا من 030309b‭.jpg اللجنة، عقب إعلان القائمة القصيرة، زادت السهام على اللجنة واختياراتها الروايات الست التي خلت منها «اسمه الغرام». وأياً تكن مقادير أحقية هذه الرواية بالفوز، لم يبدُ أن معظم الذين تحمسوا لها قرأوا الروايات التي اختيرت، لتكون المفاضلة في مكانها، أو مقنعةً على الأقل. تركزت تبريرات أبو النجا لانسحابها، بعد مشاركتها في كل اجتماعات التحكيم، وتوقيعها على بيان اختيار القائمة القصيرة، على ما قالت إنه غياب معايير أو مقاييس نقدية واضحة في تقييم الأعمال التي كان يتم اختيارها، ثم اللجوء إلى تصويت الأعضاء لحسم ما قالت إنها نقاشات مبتورة وسريعة ومتوترة غاب عنها الحوار. ووصفت أبو النجا معظم ما جرى في التحكيم بأنه «معيب»، وتحدثت عن خيبة أملها، واعتبرت أن الذائقة الفردية هي ما احتكمت إليه آراء الأعضاء، ووصفت التصويت الرقمي الذي تمّ اللجوء إليه «نوعاً من المصادرة». وسارع طالب الرفاعي إلى الرد بالقول إن «نقاشاً حراً وموضوعياً» جرى بين الأعضاء، وإن القائمة التي تم التوصل إليها تمثل رأي جميع المحكمين، وإن اللجنة عملت وفق لائحة معايير اتفق عليها الأعضاء، أهمها الحبكة والزمان والمكان في الرواية وبناء الشخصيات والتشويق والامتاع والرؤى الإنسانية. وذكر الرفاعي أنه تمت إعادة التصويت أربع مرات، وجاءت القائمة الرابعة مختلفة عن سابقاتها الثلاث.
وبسبب هذا الخلاف الذي أشعل مزيداً من النمائم والأقاويل والشكوك والخيالات، وكذلك الردود النزقة والحادّة، في بعض الصحافة الثقافية العربية، تكمل لجنة التحكيم عملها في اختيار الرواية الأولى بأربعة أعضاء، هم، بالإضافة إلى رئيسها الروائي والقاص طالب الرفاعي، الشاعر والكاتب العماني سيف الرحبي والأستاذة المحاضرة في كلية الآداب والفنون والإنسانيات رجاء بن سلامة والباحث الأكاديمي والمترجم ومدير قسم الدراسات العربية والعبرية في جامعة السوربون الفرنسي فريدريك لاغرانغ. وعمل مجلس أمناء الجائزة، الذي انتهت ولايته اليوم، على تطويق ما جرى، بإعلانه تجديد ثقته التامة بلجنة التحكيم واستقلاليتها وأهلية كل أعضائها، ونوّه إلى أن اختيار القائمة القصيرة كان جماعياً. وقال في بيان إنه على ثقة بأن الدورة الثالثة لجائزة «بوكر» تنتهي في الثاني من آذار (مارس) بفوز مستحق لواحدة من روايات القائمة القصيرة، «ما سيدفع بالرواية العربية شوطاً إضافياً إلى الأمام». وكان الكاتب والناشر رياض نجيب الريس قد استقال من عضويته في المجلس في آذار (مارس) العام الماضي، بدعوى أن المجلس لا يقوم بعمله المطلوب منه.
ومن أبرز الحملات الحادّة التي طاولت لجنة التحكيم ما بدر من الناقد جابر عصفور الذي انتقص من أهلية أعضائها ورئيسها في تقييم النصوص الروائية، وناصرَ أبو النجا في انسحابها، واعتبر أنها وحدها القديرة على النقد في الرواية. ورأى أن «مؤامرة» اعترضت طريق رواية علوية صبح إلى الجائزة، ووصف ذلك بأنه «حملة خسيسة»، وكتب في «الحياة» إن رواية محمد المنسي قنديل «يوم غائم في البر الغربي» دخلت القائمة لجدارتها، وليس لجدارة لجنة التحكيم التي تحولت إلى «لجنة هزلية»، بحسب تعبيره. والمعلوم أن في اختيار لجان التحكيم في «بوكر» تتمّ مراعاة التمثيل الجغرافي العربي والعمر والتخصص، وأن لا يقتصر أعضاؤها على نقاد الأدب، لأن الذائقة الروائية تتعدّاهم، والكاتب لا يتقصدهم بنصه، بحسب عضو مجلس الأمناء خالد الحروب. ووسط اتهامات متبادلة ونمائم عاصفة، وأحاديث عن دسائس وتصفية حسابات، شاع عربياً مناخٌ من تبدد الآمال التي كانت عقدت على الجائزة الواعدة، وبدا أن الوسط الثقافي العربي لا تتوافر فيه الشفافية والأريحية والتقاليد اللازمة لإرساء هذه الجائزة ذات الأهداف الطموحة، والتي نجحت فعلاً في أعوام ثلاثة في إعلاء الاهتمام العام والشعبي بالرواية العربية وجديدها. وكان مؤسياً أن يصف سيف الرحبي تجربته في عضوية لجنة التحكيم بأنها «أليمة ومقرفة» وغير ممتعة. وكان مستهجناً أن يغيب عمن رموا السهام الحادّة على لجنة التحكيم وخياراتها في القائمتين الطويلة والقصيرة أن شاعراً، هو أندريه موشين، ترأس لجنة التحكيم في «بوكر» البريطانية في دورتها الماضية، وأن صحافياً من هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» ترأس سابقتها، وأن وزير الدفاع البريطاني مايكل بورتيللو ترأس 030313b‭.jpg اللجنة الأسبق. وكان باعثاً على الاستغراب أن انشغالاً في الصحافة الثقافية بنقد ودراسة الروايات الست الفائزة لم يتم بالكيفية المأمولة والمرغوبة، وكلها تستحق الثناء والاهتمام، وتوافرت فيها أسباب الاحتفاء النقدي بها. وبدلاً من ذلك، مضت أقلام غير قليلة في الحديث عن مؤامرات وكواليس، وفي التبخيس من هذا وذاك، وفي مبالغات في شأن هذه الرواية أو تلك، وفي استسهال الكلام كيفما اتفق.
ولعلّ هذا كله انتهى أمس، مع الإعلان عن الفائز الأول عبده خال بالجائزة، للذهاب إلى دورة رابعة، نقية وشفافة، ومصانة من بؤس وفساد كثيريْن عُويِنا في الشهور الماضــية في الوسط الثقافي العربي، ليتجدّد الأمل الكبير بالجائزة، فتظل لها اشــراقتها الطيبة، لا سيما أنها معنيّة أولاً وأخيراً بالروايات، لا بالروائيين مهما كان عمق تجاربهم وخــبراتهم، وهذا وحده شديد اللزوم
الحياة
«بوكر» عبده خال تكرّس الأدب الخليجي
أبو ظبي ـــ نوال العلي
رمت «بوكر» بشررها على روائيَّين في قائمتها القصيرة، هما ربيع جابر ومحمد المنسي قنديل اللذان كان استياؤهما واضحاً أمس، إثر إعلان فوز عبده خال بالنسخة العربية من الجائزة المعروفة خلال اليوم الأول من «المعرض الدولي للكتاب» في أبو ظبي. ورغم ما تردد عن ترجيح فوز جابر (أميركا) أو قنديل (يوم غائم في البر الغربي)، حصلت رواية «ترمي بشرر» البعيدة عن البال والخاطر على «بوكر» (50 ألف دولار أميركي وترجمة الرواية إلى الإنكليزية)، كأنّها أرادت أن تنأى بنفسها عن أن تكون متوقعة، ولا سيما أن البلبلة قد أحاطت بالجائزة التي تمنح للمرة الثالثة بعد تصريحات ومناوشات في الأوساط الثقافية.
ليس ما سبق ظلماً لقلم عبده خال (1962) الإبداعي ولا انتقاصاً من حقه. الروائي السعودي الذي أصدر حتى الآن قرابة 12 عملاً، هو واحد من أفضل الأسماء التي قدمتها شبه الجزيرة العربية على صعيد الرواية. وهذا لا ينفي عنه البنية الكلاسيكية، والتطويل، واللغة المصطنعة في كثير من الأحيان. لكن ربما يمكن وصف صاحب «فسوق» بالمتمرد على سياق السرد السعودي ونسقه خصوصاً. وقد سجل لنفسه مكاناً في عالم الأدب العربي الذي يمكن وسمه الآن، بكل ثقة، بأنه عالم من الخرائط ذات الرموز التي تحتاج إلى «معلم» يفك شيفرتها، ويفهم على لجان تحكيمها.
وقد كان عنوان «ترمي بشرر» (دار الجمل) المقتبس عن آية قرآنية، سبباً في سحب الرواية من «معرض الرياض للكتاب» العام الماضي. في هذا العمل، انتقل خال من أجواء الحارة السعودية إلى أجواء الطبقة البرجوازية التي تستغل الأولى. الرواية التي وصفها رئيس لجنة التحكيم الروائي الكويتي طالب الرفاعي بأنّها «استكشاف رائع للعلاقة بين الفرد والدولة»، تبدأ بفصل يحمل عنوان «القصر» في إحالة إلى بقية الآية القرآنية «ترمي بشرر كالقصر». وتدور الأحداث في ذهن طارق فاضل الذي يستدعي تفاصيل حياته منذ انتقاله من حارة الحفرة في مدينة جدة،
اخترق السوق العربية ولمّا يجد مكانه في السعودية
الحارة الفقيرة والقذرة التي أسماها أهلها «جهنم» لأنها كانت بظروفها المستحيلة تمثل الجحيم الأرضي بالنسبة إليهم.
وقد حافظ خال في روايته على غياب الوصف لأي شخصية. الشخصيات غائبة بملامحها كأنها ليست من البشر، لكنها موجودة ومهيمنة بأفعالها. سيد القصر يستغل أبناء «جهنم»، ويستخدم طارق فاضل الذائع العنف والقوة الجنسية، فيضطهد ويعاقب به مَن يشاء، ويجعل منه أداةً لاغتصاب من يريد أمام عينيه.
الجرأة والاختلاف عن الرواية العربية بعمومها، أمر لا يمكن فعلاً غض النظر عنه، ولا سيما مع وصول خال كأول كاتب خليحي إلى «بوكر». وما أدراك ما «بوكر»! «ترمي بشرر» التي تحمل اللقب هذا العام، يعدّها صاحبها وصاحب «مدن تأكل العشب» منعطفاً حقيقياً في تجربته.
وإن كان خال الناشط في الوسط السعودي بأنديته الثقافية المتعددة، وبإدارة تحرير جريدة «عكاظ»، قد تجاوز الحارة السعودية والفقر، ودخل عوالم البرجوازية في «ترمي بشرر»، فإن تجربته الروائية تميزت حقاً بمواضيعها التي هتكت حصانة المجتمع السعودي. هكذا، لم يتردد خال في «فسوق» مثلاً من الخوض في تفاصيل علاقة حبّ بين فتاة هاربة وحبيبها الذي يتحول إلى مجاهد في أفغانستان، ويصطدم فيها خال بهيئة الأمر بالمعروف وما تمثله من سلطة وصورة أخرى من الرقيب. إذ إنّ الكاتب الذي انتزع «بوكر» بعدما اخترق السوق العربية، لم يجد بعد مكانه في السعودية نفسها.
… والآخرون
الروايات الست التي وصلت هذا العام إلى القائمة القصيرة لـ«بوكر» (10 آلاف دولار لكلّ منها) هي: «السيدة من تل أبيب» للفلسطيني ربعي المدهون، و«أميركا» للبناني ربيع جابر، و«عندما تشيخ الذئاب» للأردني جمال ناجي، ومن مصر «وراء الفردوس» لمنصورة عز الدين، و«يوم غائم في البر الغربي» لمحمد المنسي قنديل، و«ترمي بشرر» لعبده خال التي انتزعت الجائزة. وتألفت لجنة تحكيم الدورة الثالثة من الكويتي طالب الرفاعي رئيساً، والتونسية رجاء بن سلامة، والعماني سيف الرحبي، والفرنسي فريدريك لاغرانج. الجائزة التي تنظمها «مؤسسة الإمارات»، و«مؤسسة جائزة بوكر» البريطانية، حازها حتى الآن مصريّان، هما: بهاء طاهر ويوسف زيدان.
الأخبار
أدب الأطراف يعود إلى الواجهة
حسين بن حمزة
فوز رواية «ترمي بشرر» لعبده خال بـ«بوكر» سيُهرق الكثير من الحبر، ويفتح الباب أمام اشتباكات جديدة على جبهة هذه الجائزة التي لم تتوقف منذ إطلاقها عن تلقِّي الاتهامات والشكوك. شتَّان إن كانت هذه الاتهامات مقنعة أو لا، فالجوائز ستظل مصحوبة بهذا النوع من السجالات بشأن أحقيّة الفائزين بها والغبن اللاحق بالخاسرين.
لقد سبق للجائزة أن واجهت اعتراضاتٍ في النسختين الأولى والثانية، لكن فوز المصريين بهاء طاهر ويوسف زيدان بها، خفَّف من حدّة الاعتراضات. فوز رواية «واحة الغروب» لطاهر كان مقبولاً بسبب خصوصية مسيرته الروائية. وعلى النحو نفسه، جاء فوز «عزازيل» لزيدان بالجائزة نتيجة الإجماع الذي حصدته لدى لجنة التحكيم ولدى شرائح واسعة من القراء والنقاد. وينبغي أن نضيف هنا أن التاريخ الروائي المصري، الضخم والمتنوع النبرات والحساسيات، ساهم في إسكات المعترضين. في المقابل، فإن فوز مصر بـ«بوكر» مرتين، بدَّد أي إمكانية لفوز محمد المنسي قنديل ومنصورة عز الدين بالجائزة في نسختها الثالثة.
أما فوز عبده خال، فمختلف تماماً. هل سيعيد الروائي السعودي إحياء مقولة أدب الأطراف وأدب المركز؟ هل سيُنظر إلى وجود الكويتي طالب الرفاعي على رأس لجنة التحكيم، والعماني سيف الرحبي في عضويتها، كسببٍ في ترجيح كفّة خال على منافسيه الخمسة الآخرين؟ هل سيذكّر بعضهم بالتاريخ القصير والمستجد للرواية السعودية، مقارنةً بالتاريخ الأطول والأقدم والأكثر تنوعاً لسائر المتنافسين؟
لعلّ لجنة التحكيم انحازت إلى الهمّ الاجتماعي
بعيداً من هذه التساؤلات التي نرجو ألا تطفو على سطح السجال على حساب الجدية والعمق، يطرح فوز عبده خال ملاحظة جديرة بالانتباه، هي أن الفائز ينتمي إلى تجربة خاصة، خاضها أصحابها بصمت وتأنٍّ ومثابرة. ليس هناك سمات مشتركة كثيرة بين تجربة عبده خال وتجارب رجاء عالم وتركي الحمد ويوسف المحيميد وليلى الجهني وصبا الحرز، ولكن هؤلاء أنجزوا أعمالهم وفق أجندات أسلوبية وتخييلية، لا علاقة لها بالتطبيل السطحي الذي صاحب روايات سعودية أخرى بدت محكومة بالخفة والتسرع في كشف خصوصية المجتمع السعودي.
يستثمر خال الواقع السعودي، لكنه يقدم صورة قاسية وتحت أرضية لهذا الواقع. تتسرب الخرافة والأسطورة والغرائبية والطقوس والمعتقدات الشعبية إلى رواياته، وتمنحها نوعاً من الخصوصية في مناخات السرد وبناء الشخصيات. تبدو الرواية الفائزة مثل خلاصة لنبرة هذا الروائي الذي تتمتع أعماله بالقدرة على جذب القارئ إلى عوالمها الغريبة وشخصياتها المطحونة، لكنها تعاني من مشكلات على صعيد اللغة وانسيابية السرد.
لعل اللجنة انحازت إلى الهمّ الاجتماعي الذي تطرحه رواية خال. لكن هل ينبغي للقضايا والمضامين النبيلة أن تحجب عنا فكرة أن الرواية تتطلب مهاراتٍ وتقنياتٍ غير عادية كي يتحوَّل الهمُّ الاجتماعي إلى فنٍّ روائي خالص؟ ملاحظةٌ كهذه يمكنها أن تضع نقاشات لجنة التحكيم نفسها موضع تساؤل.

عبده خال بعد فوزه بالبوكر: آن الأوان أن يتخلى الرقيب السعودي عن حساسيته
أبو ظبي ـ ‘القدس العربي’:
بعد فوز روايته بجائزة البوكر التقت ‘القدس العربي’ الروائي السعودي عبده خال في عجالة بعد الإعلان مباشرة عن النتائج، وتحدثنا معه حول الرواية وفوزه وما سيفضي هذا الفوز وما يعني له.
* فوزك بجائزة البوكر العربية كيف تراه؟
* أتصور أن الحصول على جائزة البوكر هو انتصار لمنطقة جغرافية كبيرة لطالما أبدعت شعرا وقصة وسردا، وكانت بعيدة عن الأنظار، وينظر إلى هذه التجارب على أنها تجارب حميمة، وأن عدم حصولها على أي من الجوائز أبقاها بعيدة عن الضوء. ليس عبده خال وحده من حصل على الجائزة، لكن كثيرا من المبدعين الذين ظلوا يكتبون أدبا جميلا وراقيا في الجزيرة العربية هم فازوا ايضاً، وانها نقطة لتسليط الضوء على أدب لطالما كان خارج بؤرة الالتفات العربي.
* هل صحيح أن الرواية تعيش عصرها الذهبي في الجزيرة العربية وأنها أخذت مساحة من ديوان العرب (الشعر)؟
* أنا لا أؤمن بسرقة المكانة، فكل فن له مكانته الخاصة. والرواية متسيدة المشهد في الأدب العالمي، وبالتالي فإن تسليط الضوء عليها ليس سرقة لمحل الشعر، ولكنها مشهدية عالمية انسحبت بطبيعة الحال على المشهد العربي بالضرورة، حيث جعل من الرواية قبة الإعلام في العالم. ولا شيء يستطيع اقصاء الفنون الأخرى، فكل له خاصيته والرواية لها خاصيتها أيضا.
* ‘ ترمي بشرر’ الرواية الفائزة، هل هي أقرب نتاجك إلى نفسك؟
* ‘ ترمي بشرر ‘ لا أتحدث عنها كونها أقرب أو أبعد، لكنها صادفت أن دخلت هذه المسابقة وفازت على – ما اعتقد- على 113 رواية دخلت ضمن الجائزة الكبرى، فهي الأكثر حظا من كل الأعمال التي كتبها عبده خال. وبالتالي هي فرصة لإعادة قراءة عبده خال وإلقاء الضوء على تجاربه السابقة.
* يصادف فوزك بدء معرضي الكتاب في الرياض وأبو ظبي، هل ستوقع الرواية في المملكة؟
*أنا أخشى أن تمنع هذه الرواية في الرياض (منعت فعلاً، المحرر) حيث تشترط هيئة الرقابة على المطبوعات في وزارة الإعلام بالمملكة أن تكون الرواية الموقعة مفسوحة من قبلهم.
أتمنى أن تكون الرواية بوابة عبور لبقية الأعمال التي منعت من قبل الرقيب السعودي وليس العكس، وأن معظم الكتابات المهاجرة عليها أن تؤوب إلى الوطن وتتنفس بشكل طبيعي. وأعتقد أن الفوز هو دعوة للرقيب بأن يتخلى عن حساسيته التامة ويعطي إنتماء للأعمال الإبداعية التي كتبت وظلت مهاجرة لفترة طويلة أن تعود إلى موطنها، وأن يحتفى بمبدعها وكاتبها، بدل الاحتفاء به خارج وطنه.
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى