صفحات العالمما يحدث في لبنان

ما هي أبعاد الاندفاعة السورية المفاجئة لتسهيل استيلاد الحكومة اللبنانية ؟

ابراهيم بيرم
معظم الذين يقاربون مسألة تأليف الحكومة العتيدة رصدوا خلال الايام القليلة الماضية “حماسة” سورية غير مألوفة، غايتها القصوى التعجيل في استيلاد هذه الحكومة التي تأخر موعد ولادتها اكثر من ثلاثة أشهر.
يرى البعض ان هذه الرؤية تجد ترجمتها العملية اكثر ما تجد في “الحراك” المكثف المفاجىء الذي شرع فيه رئيس تيار “المردة” النائب سليمان فرنجية بعد انكفاء نسبي عن الساحة وقعود عن المبادرة والفعل، لمصلحة حليفه العماد ميشال عون.
واكثر من ذلك، يرى اصحاب هذا التحليل ان ثمة ترجمة اكثر عملانية وجدة له من خلال المضامين التي انطوى عليها تصريح فرنجية اول من امس امام القصر الجمهوري في بعبدا والذي تضمن ثلاثة مواقف جديدة توحي بتحول ما، وهي:
– ان قواعد اللعبة السياسية من الآن فصاعدا تغيرت، والمسرح السياسي نفسه شهد تحولات وتبدلات.
– لن نقبل بأي “كسر” للرئيس المكلف.
– ان اي تسوية تفضي الى تأليف حكومة وحدة وطنية تستوجب تنازلات وأثماناً سياسية من جميع الراغبين في المشاركة فيها.
وعلى بلاغة دلالات هذا العنصر المستجد ثمة شواهد وادلة اخرى على الاهتمام السوري الأكثر من المألوف بعملية ولادة سريعة للحكومة، وهو اهتمام رقّي في بعض المراحل – المحطات اخيرا الى درجة “التوتر”.
فالذين ينتظرون عادة سماع كلمة السر السورية في هذا المجال فوجئوا في نهاية الاسبوع المنصرم باتصالات هاتفية تنهال عليهم من احد الزوار الدائمين لدمشق، وابان وجوده في العاصمة السورية، فحواها ان الحكومة المنتظرة وشيكة الولادة وان الأمر لن يتجاوز الـ72 ساعة المقبلة.
وأشفع هذا النبأ بكلام فحواه بعض الاضواء على شكل الحكومة المنتظر ولادتها وهي انها ستكون ضمن الاطار العام المتفق عليه سابقا. والأهم ان وزارة الاتصالات موضع الخلاف ومكمن العقدة ستكون من نصيب “التيار الوطني الحر”.
وفي تفصيل اشمل ان هذه الحقيبة الوزارية لن تؤول الى من كان يمسك بزمامها منذ ما بعد ايار من العام الماضي اي الوزير جبران باسيل، واستطرادا فان معظم القديم في الحكومة سيبقى على قدمه.
وعليه، فان السؤال المطروح هو لماذا خرجت دمشق عن نهج “التحفظ” الذي ابدته سابقا حيال موضوع تأليف الحكومة، او بمعنى آخر ما الذي استجد فجأة حتى تتخلى العاصمة السورية عن كلامها “المدوزن” والدقيق حيال الموضوع اللبناني برمته وتصير بين عشية وضحاها، مندفعة نحو تسهيل ولادة الحكومة على نحو باغت حتى اقرب المقربين اليها والذين يعتبرون انفسهم انهم يفهمون ما تريده من خلال اشاراتها؟
للواقع الجديد، بطبيعة الحال، قراءات مختلفة تبدأ اصلا من قراءة عجلى فحواها ان دمشق “المرتاحة” الآن والباحثة عن مكان اكثر رسوخا في معادلة المنطقة بعد انفكاك قضبان العزلة من حولها، تجد الفرصة مؤاتية الآن للوفاء بطلبات فرنسية وتركية وجّهت اليها، بهدف تسهيل ابصار الحكومة اللبنانية النور.
وتالياً فان هذا الدور الذي من شأنه ان يعيد تحسين صورة سوريا، هو في رأي العديد من الدوائر القريبة من المعارضة استكمال منهجي، لما صار يعرف “بنأي” سوريا عن التدخل مباشرة في الانتخابات النيابية التي شهدها لبنان في 7 حزيران الماضي، وهو نأي شهد له اعداء سوريا انفسهم وشهدت له أيضاً، برأي البعض، نتائج الانتخابات نفسها التي جاءت خلاف حسابات المعارضة وتوقعاتها المعلنة والمضمرة على حد سواء. وثمة من يذهب الى القول بأن دمشق سرعان ما تلقت ثمن هذا “الدور المحايد” الذي اتخذته ابان موسم الانتخابات النيابية، من خلال انفتاح سعودي عليها تمثل بالزيارات “المكوكية” الشهيرة لوزير الثقافة السعودي المتضلع من الملف اللبناني وتشعباته وخفاياه، عبد العزيز خوجه الى دمشق، والتي انتهت بنصف اتفاق وثمرته التفاهم على الاطار العام الذي سيحكم عملية تأليف الحكومة وهو صيغة الـ15 – 10 – 5 التي لم يستطع كثير من الجهود التي بذلتها جهات وعواصم التحلل منها واستبدالها.
عند هذا الحد ابلغت دمشق من يعنيهم الامر في لبنان وفي خارجه أنها قامت بما تستطيع القيام به او انها وصلت الى الحدود المسموح لها بها مقاربة الشأن اللبناني. وبالتالي فهي من انصار ان يحل اللبنانيون ما تبقى من مشاكل وليتفاهموا على السبل الآيلة الى تنفيذ الصيغة المتفق عليها، خصوصا بعد التكليف الثاني للحريري.
و”الخطاب” السياسي نفسه بقيت دمشق تطلقه حتى بعد قمة دمشق التاريخية بين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الاسد، اذ حرصت العاصمة السورية بعدها على ابلاغ من يتعين ابلاغهم في بيروت ان الشأن اللبناني لم تكن له الاولوية في هذه القمة، وهذا معناه ان لا مستجد حملته قمة دمشق بما يتصل بموضوع تأليف حكومة الوحدة الوطنية في لبنان.
وبقي الوضع على المنوال نفسه، حتى الامس القريب حيث كان التحول اللافت المعلن من جانب العاصمة السورية حيال موضوع تعسر ولادة الحكومة، والداعي الى استعجال إزالة العقد والعقبات من أمام ولادتها.
وعليه يبقى السؤال مطروحاً بإلحاح: لماذا قررت دمشق الدخول المباشر على خط هذا الموضوع وعلى هذا النحو؟
الذين يعتبرون أنفسهم على بيّنة من التوجهات السورية يتحدثون في مجالسهم الخاصة عن تطورين جديدين أباحا لدمشق هذه “الجرأة” في مقاربة موضوع داخلي لبناني حرصت منذ أعوام على عدم مقاربته بهذه العلنية وعلى هذا النحو. وهما بكل المواصفات فتح سياسي جديد. وهذان التطوران هما:
– تطور داخلي لبناني فرض على فريق الاكثرية وبالتحديد الرئيس المكلف الاقتناع العميق بأن مصلحته وفرصته باتت في أن يؤلف الحكومة المنتظرة، وأن خيار التأليف يستوجب بطبيعة الحال أثماناً كبيرة يتعين دفعها بالسياسة، اضافة الى تغيير في المنهجية السياسية العامة التي كان يقارب عبرها الامور مع حلفائه وخصومه على السواء، وهو أمر كان بالنسبة الى دمشق وسواها موضع رصد وتتبع خلال المرحلة الماضية.
– تطور وتحول في النظرة السورية نفسها حيال الموضوع اللبناني وفحواه ان العاصمة السورية باتت على يقين من أن الآخرين سواء في الداخل أو في الخارج، قد أدركوا بعد طول مكابرة وممانعة ان الوضع في لبنان لا تسيره نتائج انتخابات أو لعبة أكثرية أو أقلية نيابية، بل هو عبارة عن نتيجة موازين قوى ووقائع عنيدة موجودة على الارض، ليس من السهولة بمكان العمل على تغييرها أو التأثير فيها أو تجاهلها.
وانطلاقاً من هذين العنصرين المستجدين، فإنه لم يكن مفاجئاً هذه “الاندفاعة” السورية نحو تسهيل استيلاد حكومة الوحدة الوطنية، إذ ان دمشق تجد ان مصلحتها الآن هي في التعجيل بولادتها، وان ذروة المصلحة أن يكون الرئيس المكلف النائب سعد الحريري رئيساً للحكومة لأن ذلك بالنسبة الى دمشق لم يعد محظوراً أو مبعث تخوف، بل بات جزءاً من مصلحتها، ورغبتها في علاقة استراتيجية مع لبنان.
ولا يخفى عند البعض ان هناك حديثاً هامساً بات يتردد في الكواليس السياسية جوهره ان ثمة في هذه العجلة السورية شيء له علاقة بالتباين الحاصل بين دمشق الراغبة الآن في طي الملف اللبناني للانصراف الى الملف العراقي الذي سيدخل مرحلة حساسة ومصيرية مع اقتراب موعد الانتخابات العامة بعد أقل من ثلاثة أشهر، وبين طهران، ولا ريب أن ثمة من لا يوافق على هذه الرؤية، وإن كان لا ينفي أن ثمة اختبار نيات وجس نبض!
وعليه أيضاً فإن السؤال التالي هو: هل باتت الأمور في لبنان تسير وفق ما ترسمه التوجهات السورية، فتولد الحكومة بعد طول مخاض؟
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى