قضية فلسطين

خالد مشعل: “نريد دولة في حدود العام 1967”

آلان غريش
لوموند دبلوماتيك ، النشرة العربية / ك2 2009
قبيل العدوان الإسرائيليّ بأيّامٍ قليلة، أجرى آلان غريش لقاءاً في دمشق مع رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل تناول فيه على وجه الخصوص موافقة الحركة منذ العام 2006 على انسحابٍ إسرائيليّ إلى حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 وقضايا عديدة في الساحة الفلسطينية. ويكتسب الحديث أهميّةً خاصّة على وقع القذائف الإسرائيلية التي تدكّ قطاع غزة في حملة عسكرية إسرائيلية دامية جديدة تبرهن على الأفق المستعصي للسلام من فعل سياسات الدولة العبرية والتواطؤ الأمريكي والصمت الدولي.
لقد قدّمت حركة حماس والفصائل الفلسطينية فرصةً ذهبيةً من أجل وضع حلٍّ عقلانيّ للصراع العربي الاسرائيلي. وللأسف لم ينتهِز أحدٌ هذه الفرصة، لا الإدارة الأميركية، ولا أوروبا، ولا اللجنة الرباعية. فقد اصطدمت نيّتنا الصادقة بالرفض الاسرائيلي الذي لا يملك أحد القدرة أو الرغبة على مواجهته. ففي وثيقة التفاهم الوطني التي وقّعتها في العام 2006 كلّ الفصائل الفلسطينية (ما عدا منظّمة الجهاد الاسلامي)، كنّا قد أكّدنا قبولنا بدولةٍ فلسطينية ضمن حدود 4 حزيران/يونيو 1967، على أن تكون عاصمتها القدس ومن دون مستوطنات ومع البحث بموضوع العودة. هذا هو البرنامج المشترك للفصائل الفلسطينية. البعض يريدون أكثر، وآخرون أقلّ. وهذا البرنامج عمره ثلاث سنوات؛ والعرب يطرحون شيئاً مشابهاً. لكنّ المشكلة هي مع اسرائيل. وتقف الولايات المتحدة موقف المتفرّج في المفاوضات وهي تؤيّد التحفّظات الاسرائيلية. فالمشكلة ليست مع حماس ولا مع الدول العربية، بل هي إسرائيلية”.
في إحدى فيلاّت دمشق يضاعف خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، مقابلاته مع الصحافة، بينما انتهت مهلة وقف إطلاق النار مع إسرائيل في قطاع غزّة في 19 كانون الأوّل/ديسمبر، وكذلك شارفت مدّة ولاية الرئيس محمود عبّاس (أبو مازن) على نهايتها في أوائل كانون الثاني/يناير 2009. وقد ثبّت تلفزيون حماس الرقم “19” تحت صورة الرئيس، وهو التاريخ الذي بعده لن تعترِف المنظّمة بشرعيّته.
ويتمتّع مشعل بهالةٍ خاصّة منذ أن نجا في اللحظة الأخيرة من الموت في أيلول/سبتمبر عام 1997. كان وقتها مقيماً في عمّان، وبأمرٍ من بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك، قام فريق اغتيال من المخابرات الإسرائيلية بحقنة بمادّةٍ سامة. إلاّ أن العمليّة باءت بالفشل عندما تمكّن الاردنيون من توقيف فريق الاغتيال الاسرائيلي، وطالب الملك حسين جارته بأن تسلّمه الترياق. ولإصلاح الوضع، وافقت إسرائيل أيضاً على إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين المرشد الروحي لحركة حماس (الذي اغتيل لاحقاً في 22 آذار/مارس عام 2004).
ترفض حماس اتّهامها بأنها تقِف عائقاً في وجه عملية السلام وتقول: “نحن لدينا ورقة نحافظ عليها بالنسبة للاعتراف باسرائيل. لكن رغم ذلك، قلنا إنّنا لن نقف عائقاً أمام الجهود العربية لتفعيل المبادرة العربيّة التي طُرحت عام 2002. لقد قدّم العرب الكثير من المبادرات. وقد كرّروا اقتراحهم في العام 2007. وبالرغم من ذلك، ترفض الإدارة الاسرائيلية مبادرة السلام العربية وتتعامل معها مجزّأة، وتلعب على الكلمات وتكثر من المناورات”.
إنّ سابقة الاعتراف غير المشروط بدولة إسرائيل، التي أقدمت عليها منظمة التحرير الفلسطينية، لا تُلزِم منظمة حماس باتّباع نفس النهج. ففي أواخر ثمانينات القرن الماضي، ضاعفت الولايات المتحدة من ضغوطاتها على منظمة التحرير الفلسطينية لكي تعترف رسميّاً بدولة إسرائيل (ومن دون أن يتمّ أبداً تحديد ضمن أيّة حدود). وفي كانون الأول/ديسمبر عام 1988 استجاب عرفات. وبعد عشرين عاماً، لم تُبصِر الدولة الفلسطينية النور. ولذلك يتساءل مشعل، ومعه العديد من الفلسطينيين عن الفائدة من تنازلاتٍ جديدة. ففي النهاية قدّم محمود عباس كلّ التنازلات المطلوبة وحتّى الآن لم تتقدّم المفاوضات التي يخوضها منذ سنوات…
هناك نبرة واثقة في حديث خالد مشعل. فمنذ فوزها في الانتخابات التشريعية في كانون الثاني/يناير عام 2006 وبالرغم من كلّ الضغوط، ظلّت حماس قوّةً لا يمكن الالتفاف عليها، وخصوصاً منذ أن سيطرت على قطاع غزّة في حزيران/يونيو عام 2007. أضِف أنها نجحت في إلحاق هزيمةٍ عسكريةٍ باسرائيل، ممّا أرغم هذه الأخيرة على السعي إلى الاتفاق على وقف إطلاق النار.
وقف إطلاق النار هذا (أو بالأحرى “التهدئة” بالتعبير العربي)، والذي تمّ التفاوض عليه برعاية مصر، قد انتهى أجله في 19 كانون الأوّل/ديسمبر. لماذا؟
“لم ينتهِ وقف إطلاق النار هذا نتيجة قرار. بل كان من المفترض أصلاً أن ينتهي في غضون ستة أشهر، وهذا ما حدث فعلاً. ولم يكن من حاجة إلى أن يُعلِن أحدهم نهايته. إذ يشمل الاتفاق ثلاث نقاط: وقف إطلاق النار بين أفرقاء النزاع، وتوسيع وقف إطلاق النار بعد أشهرٍ ليشمل الضفة الغربية، ورفع الحصار عن غزّة. من جهة أخرى، التزمت مصر بأن تفتح معبر رفح”.
لم تحترِم اسرائيل التزاماتها إلاّ بشكلٍ جزئيّ. نعم، لقد تراجعت درجة العنف، وخفّت الهجمات على غزّة، إلاّ أنّها لم تتوقّف (إذ قتل خمسة وعشرون فلسطينياً منذ توقيع الاتفاق). أما بالنسبة إلى ما تبقّى، فلم يطبّق شيء. فنقاط العبور التي كان من المفترض أن يعاد فتحها في الأيام العشرة الأولى بعد 19 حزيران/يونيو لم تُفتَح إلاّ جزئيّاً. وفي الفترة الأخيرة، أصبح الوضع في قطاع غزّة أسوأ مما كان عليه قبل الاتفاق. وقد قمنا بهذه الجردة منذ زمنٍ طويل، لكن مراعاةً لمصر التي فاوضت على الاتفاق، احترمنا ما وقّعنا عليه”.
في حزيران/يونيو، كان 94 في المئة من سكان غزة مع الاتفاق. أمّا اليوم فالناس ضدّه، لأنه لم يحقّق لهم ما هو أهمّ في نظرهم: وهو رفع الحصار. فعدم تمديد العمل بالاتفاق كان أمراً طبيعياً ومجارياً لمزاج الشعب”.
ويضيف مشعل: “بكلّ الأحوال، لم يكن ممكناً إلاّ أن تكون التهدئة مؤقّتة. ذاك لأن أساس الوضع هو الاحتلال، والاحتلال يولّد المقاومة، ونحن نخوض حرباً دفاعية، ولسنا مُعتَدين”.
وعلى الأرض تجدّدت المعارك. وتأتي الصواريخ الفلسطينية ردّاً على الغارات الاسرائيلية. وتتحدّث الصحافة الاسرائيلية عن عملية واسعة النطاق على قطاع غزّة، فيما تعلن تسيبي ليفني، وزيرة خارجية إسرائيل، أنّه يجب التخلّص من حركة حماس بأيّ ثمن. لكن ما الذي يمكن القيام به غير العودة إلى احتلال غزّة مباشرةً؟
تتمتّع حركة حماس بدعمٍ إقليمي، وبدرجةٍ أولى من سوريا وإيران. وقد أقامت عدّة دول خليجية علاقات مع الحركة. وشرَع الأردن، بعد فترةٍ طويلةٍ من المقاطعة، في حوارٍ مع المنظمة. فالملك عبد الله، البراغماتي، قد اضطر إلى أن يأخذ بعين الاعتبار فشل كل محاولات القضاء على حماس التي تلقى تأييداً كبيراً في المملكة، وخصوصاً من منظّمة الأخوان المسلمين. من جهةٍ أخرى، وصلت المفاوضات الاسرائيلية-الفلسطينية إلى طريقٍ مسدود؛ وفي غياب أيّ حلٍّ لمسألة اللاجئين، ومع وجود ملايين الفلسطينيين في المملكة، يخشى الملك أن يُعاد إحياء فكرة جعل الأردن هو الدولة الفلسطينية، وهي فكرة لوّح بها اليمين الاسرائيلي عدّة مرّات. والحال أنّ حركة حماس قد رفضت هذه الفكرة، كما رفضت فكرة إقامة اللاجئين نهائياً في الدول المضيفة.
تبقى المشكلة بالنسبة إلى حماس هي موقف مصر. فالقاهرة تولّت إدارة قطاع غزّة ما بين العامين 1949 و1967. وهي تتمتّع فيه بنفوذٍ فعليّ. ومصر هي عرّابة اتفاق “التهدئة” بين إسرائيل وحماس. لكنّها لا تعتبر حركة حماس، التي فازت بانتخابات العام 2006، ذات سلطة شرعية؛ بل هي تنظر إليها كامتدادٍ بسيطٍ لحركة الأخوان المسلمين التي تعتبر القوة الرئيسية المُعارضة في مصر، المقموعة بشدّة من قبل نظام الرئيس مبارك. وأخيراً تفضّل مصر، التي وقّعت معاهدة سلامٍ مع إسرائيل، “مرونة” محمود عبّاس على “تشدّد” حماس. فهل يُساعد هذا على فهم سبب امتناع القاهرة عن فتح معبر رفح بين مصر وقطاع غزّة، وهو ما من شأنه أن يكسر الحصار، لكنه سيفسّر على أنّه انتصارٌ لحماس؟
هذا ما يوضّحه مشعل قائلاً: “نحن نريد علاقات جيّدة مع الدول العربية، ولم نكن أبداً سبباً في القطيعة مع هذه أو تلك منها. فنحن نتعامل دوماً مع الحكومات وليس مع قوى المعارضة. ولا نتدخّل في الشؤون الداخليّة”.
وهل يمكن توقّع العودة إلى الوحدة الفلسطينية؟
منذ أن سيطرت حركة حماس على قطاع غزّة انقطعت الجسور بين الرئيس عبّاس والإسلاميين، وسقط اتفاق مكّة. “لقد مرّت محاولات المصالحة بين سلطة رام الله وبيننا بمرحلتين. في البداية، لم تكن السلطة تريد الاتفاق معنا بسبب الفيتو الأميركي والاسرائيلي، ولأنها ظنّت أنّنا سننهار في غزّة تحت ضغط الحصار، وأنّ قمة “أنابوليس” سوف تحقّق اختراقاً ما. وبالرغم من جهود العديد من الدول العربية ومن دولٍ أخرى مثل السنغال، لم تتحقّق المصالحة”.
ثمّ غيّرت الرئاسة الفلسطينية موقفها بسبب سقوط هذه الآمال، ووصول رئيسٍ جديدٍ إلى الحكم في الولايات المتحدة، وكذلك (في شباط/فبراير) وصول رئيس وزراءٍ إسرائيلي جديد. فقد بدا لها من الضروري محاولة تحقيق اتفاقٍ يسمح لها بأن تُقدِّم، في ظلّ رئاسة محمود عبّاس، مشروعاً فلسطينياً موحّداً. ولكي أكون صريحاً أقول إن البعض يأملون في قيام اتفاقٍ يسمح بإجراء الانتخابات وإقصاء حركة حماس عن الحكم بالوسيلة الانتخابية. لكن هذا يبرهن على أنّ الرغبة في المصالحة قد استندت إلى أسسٍ مغلوطة، وهذا ما يفسّر فشلها”.
تعيش المنطقة إذاً فترةً من الترقّب. فالانتخابات العاّمة ستجري في إسرائيل في 10 شباط/فبراير عام 2009. وبعد أقلّ من شهر، سيتسلّم السيّد باراك أوباما مهامّه الرئاسية. فهل سيشهد الوضع تغييرات ما؟
“مبدئياً يُفتَرَض بالرئيس الجديد أن يُفكّر في تعديل السياسة الأميركية لسببين. لماذا؟ أوّلاً لأن إدارة بوش قد فشلت، وقد وصلت إلى مأزقٍ في المنطقة؛ فمن الطبيعي إذاً أن تغيّر سياستها. ثمّ لأنّ عدم التوصّل إلى حلّ النزاع العربي الاسرائيلي وعدم إيجاد مخرجٍ للقضيّة الفلسطينية على أساسٍ عادل سوف يسبّبان عدم الاستقرار ليس في المنطقة فقط، بل في العالم أجمع. وبالتالي من مصلحة الولايات المتحدة أن تُلغي أسباب العداء للأميركيين في المنطقة وفي العالم الإسلامي”.
وبعد قليلٍ من التفكير أضاف مشعل: “هناك سببٌ ثالث. فإذا أراد أوباما أن يؤمّن للولايات المتحدة دوراً متجدّداً أكثر فعاليةً في العالم، فعليه أن يعالج قضيّة الشرق الأوسط بطريقةٍ مختلفة. ففي الكثر من القضايا انحازت الولايات المتّحدة إلى إسرائيل وإلى اللوبي الصهيوني.
وهل سيحدث هذا التغيير؟ هذا رهنٌ بإرادة واستعداد إدارة أوباما لاتّخاذ الاجراءات اللازمة. وفي هذا الصدد، لا أستطيع أن أجيب لا في هذا الاتجاه ولا في ذاك. لكن فيما يخصّنا نحن، سنتخذ موقفاً إيجابياً وسوف نردّ بطريقةٍ مسؤولة على كلّ مبادرة أميركية تأخذ بعين الاعتبار حقوق الشعب الفلسطيني. نحن نريد الحقّ في تقرير المصير، وخصوصاً منذ أن وافقنا على قاعدةٍ طالب بها المجتمع الدولي، وهي الحلّ على أساس حدود العام 1967”.
لم تحتلّ اوروبا موقعاً مهمّاً جدّاً في هذا الحوار، فإلى حدٍّ كبير يبدو دورها مهمّشاً ومنحازاً إلى موقف الولايات المتحدة.
وفي المحصّلة ماذا عن حالة الجندي الفرنسي-الاسرائيلي جلعاد شاليط، الذي يعتبره البعض رهينة؟ “نحن نأسف لأن العالم لا يهتمّ إلاّ بقضية الجندي شاليط الذي أسر أثناء المعارك، وليس بالسجناء السياسيين الفلسطينيين الـ12,000، ومن بينهم نوابٌ منتخبون. لكنّنا لبّينا طلب الرئيس ساركوزي أثناء زيارته لسوريا، بأن يُسمح بنقل رسالة إلى الجندي شاليط من أهله، وذلك احتراماً لفرنسا وللخيار الذي اتّخذته بالتقرّب من العالم العربي. نحن نجري منذ سنتين مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل من أجل تحريره برعايةٍ مصر. لكنّ إسرائيل تراجعت عن التزاماتها (وخصوصاً حول عدد السجناء الفلسطينيين الذين ستحرّرهم). نحن نريد أن يعود جلعاد شاليط إلى أسرته، لكنّنا نريد أيضاً أن يعود بعض السجناء الفلسطينيين إلى عائلاتهم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى