صفحات سورية

العثمانيون عائدون عبر البوابة السورية

null
تشكل زيارة الرئيس السوري بشار الاسد لتركيا التي تمت في اليومين الماضيين، وتمخضت عن اتفاقات تعاون استراتيجي بين البلدين، نواة تحالف سياسي واقتصادي جديد، يتكون من ايران وسورية وتركيا قد يغير وجه المنطقة.
ملامح هذا التحالف الجديد بدأت تتبلور بشكل متسارع بعد ردم الاتراك والسوريين الفجوة بين الجانبين التي استمرت وتوسعت لأكثر من تسعين عاما، وبالتحديد منذ سقوط الامبراطورية العثمانية. وكانت نقطة البدء ابعاد سورية للسيد عبد الله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني من اراضيها، وفتح صفحة جديدة من التعاون مع جارتها الشمالية.
الحلف السوري التركي الجديد ينص على شراكة استراتيجية في المجالات السياسية والاقتصادية والغاء تأشيرات الدخول لمواطني البلدين، واعادة احياء طريق الحج الحديدي القديم الذي كان يربط استانبول بالاماكن المقدسة في الحجاز قبل نحو مئة عام، بحيث يكون جاهزا للعمل في عام 2012.
الاتجاه التركي نحو الشرق جاء بعد ادراك حزب العدالة والتنمية الحاكم ان الرهان على الانضمام الى عضوية الاتحاد الاوروبي رهان خاسر بسبب عنصرية بعض الدول الاوروبية، وتخوفها من النفوذ الاسلامي التركي في هذا النادي الاوروبي المغلق على اعضائه المسيحيين فقط.
تركيا لبت جميع شروط العضوية، ابتداء من تغيير معظم قوانينها بما يتلاءم مع نظيراتها الاوروبية مثل الغاء عقوبة الاعدام، والسماح بالعلاقات الجنسية خارج رابطة الزواج، واطلاق الحريات الاعلامية، وتعزيز النهج الديمقراطي كأسلوب حكم في البلاد، وتحقيق طفرة اقتصادية متميزة تعتمد مبدأ الاقتصاد الحر، ولكن جميع هذه التنازلات لم تغفر لتركيا هويتها الاسلامية التي هي اساس الرفض.
السوريون ادركوا بدهائهم الشامي المعروف ان مستقبل بلادهم يكمن في الاتجاه نحو تركيا وايران الدولتين الاقليميتين الاقوى في منطقة الشرق الاوسط، وعدم التعويل كثيرا على الحلف التقليدي مع كل من المملكة العربية السعودية ومصر، بسبب ارتباط البلدين كليا بالمشاريع الامريكية في المنطقة، ومحاولة تقويض الاستقرار السوري عبر البوابة اللبنانية.
الاتراك في المقابل ادركوا ان امامهم فرصة قوية للعودة الى المنطقة العربية عبر البوابة السورية، بعد ان تم اغلاق البوابات الاخرى، والمصرية والسعودية على وجه الخصوص، في وجوههم. ووجد الاتراك ان كلمة السر في هذا المجال هي قضية فلسطين على وجه الخصوص، وهذا ما يفسر اهتمامهم بهذه القضية من حيث اقامة علاقات وثيقة مع حركة ‘حماس’ واتخاذ مواقف قوية معارضة للعدوان الاسرائيلي الاخير على قطاع غزة، وهي المواقف التي جعلت من السيد رجب طيب اردوغان اكثر الزعماء المسلمين شعبية في اوساط العرب. وتعززت هذه الشعبية بعد انسحابه من ندوة في مؤتمر دافوس الاقتصادي مطلع هذا العام، احتجاجا على اكاذيب شمعون بيريس رئيس اسرائيل الذي كان يشاركه المنصة نفسها مع السيد عمرو موسى الذي لم يغادر مقعده.
السوريون لعبوا دورا كبيرا في حل الخلاف التركي ـ الارمني، والاتراك يردون لهم الجميل حاليا من خلال التوسط لحل الخلاف العراقي ـ السوري. ومن المفارقة ان الرئيس الارميني الحالي يتحدر من مدينة حلب التي هاجرت اليها اسرته اثناء الصراع التركي ـ الارمني وما خلفه من ضحايا.
الحلف التركي ـ السوري الجديد سيضم حوالي مئة مليون نسمة (75 مليون تركي والباقي سوريون) وسيشكل سوقا اقتصادية ضخمة، الامر الذي سيثير قلق المصريين والسعوديين وقبل هؤلاء الاسرائيليين.
العثمانيون، وباختصار شديد، يعودون الى المنطقة بقوة ومن البوابة السورية، في محاولة للتنافس على ملء الفراغ المتعاظم بسبب غياب المشروع العربي كليا.
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى