صفحات سورية

الشفافية ومكافحة الفساد

null

رضوان زيادة

منذ مدة بعيدة لم نسمع عبارة مكافحة الفساد على لسان أيٍ من المسؤولين السوريين، لا بد أن تغيراً ما قد حدث، وعلى الرغم من أن استخدامهم لها لم يتعد حدود الاستخدام اللفظي لمصطلحٍ شاع استخدامه،

فإن غيابه يعكس تحررهم من هذه “الكمالية” التي بدت لهم أن لا حاجة ملحة لها .

يعرف الفساد على أنه استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة، وهذا باختصار تعريف الفساد بحسب منظمة الشفافية العالمية. لم تحاول الحكومة تشكيل آليات قانونية لمكافحة الفساد أو السماح بتشكيل منظمات غير حكومية تعنى بنشر فكرة الشفافية ومكافحة الفساد، فدور المجتمع المدني في هذه الزاوية لا يقل أهمية عن دور الحكومة أو دور السلطة القضائية. يحاجج المسؤولون في سورية أن الفساد موجود في كل دول العالم وتقرير منظمة الشفافية العالمية أكبر دليل على ذلك، لكن ينسى هؤلاء المسؤولون أن الفساد يختلف في انتشاره بين بلدٍ وآخر، إذ على الرغم من وجوده في الدول الديمقراطية مثلاً إلا أن حدوده لا تتعدى النخبة الحاكمة ومع وجود آليات المحاسبة عبر البرلمان، والمراقبة عبر الصحافة، والمساءلة عبر القضاء، فإن الفساد يبدو محاصراً ومحدوداً في حدوده الدنيا. أما لدينا فإن انتشار الفساد في أشكاله المختلفة عبر الرشوة التي باتت شائعة بشكل مخيف في المؤسسات الحكومية وتؤخذ أحياناً على شكل أتاوة، والصفقات التي يحظى بها بعض التجار دوناً عن غيرهم بصيغة إلزامية، وفرص التعيين في المناصب المختلفة، والفساد الضارب أطنابه على نحو كامل في الحياة اليومية، والذي يحس به المواطنون كل يوم، من رجال الشرطة ورجال الجمارك إلى رجال السياسة.كل ذلك جعل الفساد لدينا يمتد بشكلٍ أفقي وعمودي يصعب إن لم يستحيل معالجته.

بت تتجول في دول العالم وتستذكر حالنا المكشوف لكل زائر بكل أسف، وبالرغم من ذلك لا تجد لدى الحكومة خطة لكل ذلك، بل إنها تبدو غير معنية بكل ذلك. وهنا يأتي دور المجتمع المدني رئيسياً في الرقابة على الحكومة وأجهزتها عبر تشكيل ائتلاف ضد الفساد عبر جمع الأطراف المختلفة. ولفت أنظار وسائل الإعلام إلى أخطار الفساد والكشف عن الأضرار التي يسببها بالنسبة للاستثمار والتنمية والإصلاح. لابد للمسؤولين من الانتقال عن حديث الفساد في صيغه العامة والغائمة إلى تطوير مؤشرات كمية تدل على ذلك، بل لا بد للمجتمع من أن يحمي نفسه من الفساد بجملة من الأدوات المختلفة، تشمل القوانين والمؤسسات والدلائل والقيم التي يترابط بعضها مع بعض من أجل تشييد نظام تسود فيه الاستقامة،كما تسود فيه الشفافية، ولا تتاح فيه فرصة للفساد. فينبغي للمواطنين،كونهم المستفيدين من إصلاحٍ ما، ألا يكونوا متلّقين سلبيين لآثار الإصلاح فقط، بل محامين فاعلين عنه، وحراساً لعملية تنفيذه، وما من شك في أن المطالبات بالإصلاح تأتي من جانب المواطنين الناشطين سياسياً بالدرجة الأولى، أي أولئك الذين يعرفون حقوقهم، ويعرفون مسؤولية ممثلي الشعب، الأمر الذي يقتضي، من جديد، إيقاظ الوعي لدىعامة الناس والمحافظة عليه. لقد أكدت منظمة الشفافية العالمية في تقريرها العالمي عن الفساد على مطلب رئيسي يتمثل في أن تلح المنظمات المانحة على ترك المجتمع المدني يراقب عمليات الإنفاق على مشروعات التنمية، مراقبة كاملة، لكي يستطيع أن يتأكد من أن المال يستقر لدى المتلقين المناسبين، كالمدارس والمستشفيات مثلاً، وذلك أن مؤسسات المجتمع المدني هي التي تستطيع أن تسهم إسهاماً بالغاً في مكافحة الفساد، من أجل مزيد من الشفافية. br>لابد من إدراج مكافحة الفساد على البرنامج الحكومي كشرط أساسي من اجل الوصول إلى الشفافية التي من شأنها أن تكون المدخل الوحيد والضروري لعملية الإصلاح الشامل

رضوان زيادة: ( كلنا شركاء ) بالتعاون مع مجلة الحال


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى