صفحات الشعرعائشة أرناؤوط

الضحية

null
عائشة أرناؤوط
أيتها الحياة، أُولِمُ لك صوري فامتلكي المخالب. أُولِمُ لك ظلالي فأَصْعِدي ذئابكِ الحرّة.
أُولِمُ لجوعك تضوّري فلنمضغ الحصى. أُولِمُ لعطشكِ سُهافي فلنصل إلى الصّدى.
كل الأشياء تبيد في نقيضها وتولدُ في النقيض.

لا تستترْ بالنقيض. لا تُوْجِب الرحمة. لا تُصدقْ إلا الكاذب.
فمن يعرف عليه أن يعود ليجهل
ومن يجهل… عليه ألا يعرف،  فهو الهانئُ المُكَرَّم.

ونقول: الصدق!
من لم يحبّ فليأتِ إلينا، من أحبّ كذلك
من لم يكره فليتقدم، من يكره أيضاً فليتقدم
إلى تلك الخطوة المحفورة في الهواء الصلد، الخطوة المستحاثة
سيرى دون أن يعرف أن الهباء هو الوطن
وأنْ ما من غربةٍ إلا خارج العدم.

نجهل ما يقول الشيطان خارج الفردوس وكيف تنقلب أدواره، وكيف يحنّ إلى النعيم.
لا نعرف حنايا الملاكِ المُنهَك، المنهمكِ في تحنيط الغايات الإلهية
ملاكٌ في اللَّبْس، مابين الطهارة والشوق إلى الخطيئة.

وما قيل قد قيل
ما لم يقل قد قيل أيضاً في هذا المرح الداعر، في تلك العلامات الزائلة.
حفنةٌ من الأشباه تتنصّلُ من الشبيه. لهبٌ يلتهم نفسه ليرويَ جذورَ النار.
السهولةُ تتحدرُ من العَجز. العطفُ من القتل.
الانفكاك التشظي غير ممكنين إلا في الحرية
والحرية تقود إلى الطغيان.

لا تنل إلا مالا يُقدّم لك
اهزأ بالقدَر واتّحد بمصيرك
حيث القمة والهاوية تنغلقان لتبادل الأدوار في منتصف المسافة
حيث لا تُسفر النهايات إلا البدايات وحيث تفقد البداية وجهَها ووِجْهتها.

رافق الأشباح لتقاومَها. دع للغات فرصتها للهروب
قد طال شوقك إلى نفسك فسمِّ الأشياء بما ليست عليه
امتحن يأسك في الأمل وآمالك في اليأس
الخراب يُكَرِّم والابتهالاتُ تُفسِد.
تحت كلّ مستحيل، فوق كلّ ممكن
اسكنْ إلهك المصبوغ بدم العالم
واكِبِ الثمارَ والأقنعة الضاحكة
تمرّغْ في الفصول لتعرفَ المُجون
وانتقمْ من غربتك بغربة أخرى.

ضاعِفْ… ضاعِفْ… ضاعِف الهذر.

الغربة! تنزيهُ المُدْهِش، الخنوعُ للإحباط.
الحكاية المُخالِفة تستوجبُ ذاتك الأخرى
ادخلْها بدورك وتلاشى.

سيكونُ لنا هشاشة الصُّدْفة
سأمُ القارات من الجموح والتوازن
حنينُها إلى الانهمار على عَصَب المحيطات الغارق
إلحاد الضباب وارتيابه في الماء، والماءُ وريدُه.
هكذا أنت فانفصل وادخل الكارثة
انفصل واحمل فجرك معك
انفصل عن وزمة الأشجار ولحاء الزلازل القديمة
أنتَ المنتفضُ في تورّم الزمن
أنتَ الشاهدُ بلا عيون
أنتَ الهديرُ ولا تَسْمَع
أنتَ العدمُ الصَرْفُ مدعوٌ إلى الاحتفال بالوجود
ادّخرْ فناءك كما يدّخر الحصى أنفاسَ الكون
عُدْ إلى أصنامك وفجّرْ فيها الرعشة
تدثرْ بالحصول وأَنْحِ التحَقق
أنت الجبانُ داخل الرأسِ الحرِّ في المُكابرة
لنستنزل المجاهل… لنفضحْ عريّ اللقاء
ما يكون سيكون أيها الخائب أبداً
أيها المعشوق أبداً
أيتها الرائحة البديلة للهزائم
هناك احتمالات الصّوَر في التشظي على مياه الينابيع الداكنة
هناك احتمالات الحدوث في المألوفِ المرتعشِ الزائل.

نستعيدُ مناخات العنف الرحيم
نعتصمُ في الاحتضان الشبحي
نتدامجُ.. نتزاوجُ في الشُبْهَة الكبرى.

كيف للقوة الولوغ في المُكَوِّن؟
كيف للضعف صعود الفائض؟
الدلالات والتوجس من بلبلة الانهيار
الوحي الفضيحة، الصوت الفضيحة الصامتة
وما من شيء يترجل إلا في الشهوة الصهباء
ما من شيء إلا اشتهاؤنا للحياة حين ندفعها إلى الهاوية.

قل لي من أنتَ وأقول إنك تكذب
لا أنت أنت ولا أحدَ وجهيك.
نكبةُ بلوغِ الذات تتخفى في البراءة الدَّنِسَة
الانتقالُ من تنكّر إلى تنكّر
لستَ إلا الضحية
وما من جلاد هناك.

***
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى