صفحات العالمغسان المفلحقضية فلسطين

القدس مدينة للتعصب أم للتعايش؟

غسان المفلح
رمزية القدس كمدينة دينية، ليست بجديدة على شعوب المنطقة بمختلف أديانها، كانت رمزية عند اليهود ولازالت، ورمزية عند المسيحيين ولازالت، وكذلك الحال بالنسبة للمسلمين، ولكن أين تكمن رمزيتها بالنسبة للعرب، حتى الملحدين منهم؟! إن الرمزية العربية للقدس ناتجة عن أن رموز الإسلام تحولت إلى رموز عربية، ولهذا علاقة بتاريخية النشوء الإسلامي وعلاقته بالعرب واللغة العربية، ولهذا على العرب فك الارتباط مع التعبئة الإسلامية، وعلى الإسلام كدين كوني وتبشيري أن يفك الارتباط مع العرب، كخير أمة حاملة للقرآن. ملاحظ في هذا السياق أيضا، أن من يهاجم الإسلام أصبح بالنسبة له مهاجمة العرب بداهة، والعكس صحيح غالبا.
العرب الآن هم أكثر من عشرين مشروع أمة- دولة أو العكس، والتعبئة الدينية كإسلامية عربية أو عربية إسلامية، هي تعبئة، مزيفة ولن تجر سوى الويلات على شعوب المنطقة جميعا. هذه التعبئة تستثني العرب غير المسلمين، وتستثني المسلمين من غير العرب، وفي كثير من الأحيان تلفظهم نحو المعسكر الآخر المعادي للإسلام، وهذه التعبئة تستثني غير العرب الذين يعيشون كمواطنين في الدول العربية نفسها. هنا لابد من التأكيد أيضا” أن هذه التعبئة هي وليدة الزمن المعاصر، وليس لها علاقة بثقافة الماضي، لكي يجري الحديث عن العهدة العمرية والعودة إلى احتلال العرب المسلمين للقدس، وبناء رموزهم فيها، وبالتالي تصحيح التاريخ، في الوقت الذي لم نسمع هؤلاء يتحدثون عن الطرف المقابل، وأحد أهم المسببات في نشوء التعبئة الدينية هذه لدى المسلمين، إنها إسرائيل، التي تطالب العالم بالاعتراف بها كدولة يهودية صرفة، وتريد القدس الشرقية عاصمة لها. ماذا تعني القدس للعرب، في الواقع سؤال لم أجد إجابة عليه إلا كونها رمزا دينيا، تماما كيهود إسرائيل، مع الفارق بالطبع بين الطرفين” وهو فارق محدد وأساسي ورئيسي” أن ميزان القوى هو في مصلحة إسرائيل كممثلة للديانة اليهودية، وليس كدولة عادية” هذا الفارق محمي أيضا من كل دول العالم، ومن ثقافته الأكثر معاصرة. هل هذه الحماية نتاج رمزية دينية، أم أنها نتاج شروط أخرى معاصرة؟ وهذه الشروط هي سياسية رفعت لكي تصبح حدود لاهوتية مقوننة” معاداة السامية” كنسيان لحدثين، الهولوكست وطرد اليهود من جنة أوروبا، وبريطانيا بشكل خاص إلى وطن قومي كان يمكن أن يكون أية بقعة في العالم، وواهم من يعتقد أن بريطانيا عندما أعطت فلسطين وطنا للهيود، كان نتيجة لخوف بريطانيا منهم، أو لتأثرها بقدرة الحركة الصهيونية.
إنه إحساس بالذنب؟ أم أنه سياسة تحولت إلى ما يشبه النسيان بالمقدس؟
القدس مدينة الأمر الواقع، هذا ما أجادت فيه النخب الإسرائيلية، حيث حولتها إلى مدينة ميزان قوى غاشم، إن احتكار رمزية القدس بالسلاح من قبل الدولة العبرية، يعني فيما يعنيه، عدم وجود أية مشروعية أخرى للوجود الإسرائيلي في القدس، لأنه لو كان هنالك مشروعية أخرى واضحة، لما كان هنالك داع للاستمرار في سياسة الاستيطان والتهجير المنهجي لسكانها غير اليهود، من جهة أخرى، كيف لدولة في هذا الزمن تريد أن تعرف بدينها، لماذا إذن يأتي النقد، لما يسمى دولة الإسلام فقط؟ إنه منطق التعبئة الدينية، الذي تحتاجه السياسة الإسرائيلية، وباتت تحتاجه نظم الاستبداد، ومعها الإسلام السياسي. لهذا يصرح أفيغدور ليبرمان وزير خارجية نتنياهو” بأن القدس بشرقها وغربها عاصمة أبدية للدولة العبرية، ويريد ترحيل عرب إسرائيل الذين يشكلون خمس سكان أراضي ال48 أو إسرائيل، يريد ترحليهم إلى الضفة الغربية، ودون أن يعترف لهم بقيام دولة فلسطينية في هذه الضفة.
لتعطنا النخب الإسرائيلية مؤشرا واحدا على أنها تريد العيش بسلام مع شعوب المنطقة، وخاصة مع الفلسطينيين؟ وهل يمكن لمشروع اعتمد القوة والقوة فقط، ودون أن يستطيع إيجاد مبرر حقوقي وأخلاقي لمشروعه هذا، أن يتحول إلى مشروع سلام؟ لهذا تعتقد غالبية النخب الإسرائيلية، أن الاستيلاء على القدس الشرقية وجعلها عاصمة للدولة اليهودية، هو إعادة كتابة رموز تلك المدينة بما يتوافق مع هذه المشروع اللاسلمي..والعنصري في وجه من وجوهه. إن أسطرة لتاريخ المدينة سواء كان يهوديا أو إسلاميا أو مسيحيا وتقديس هذه الأسطرة، يحولها إلى مدينة لا تقبل القسمة على أكثر من دين واحد..
الطرف الفلسطيني، يتعامل مع القدس أيضا بوصفها رمزية دينية أكثر منها عاصمة لدولة منتظرة ووطن وجودهم فيه هو أملهم! وهذه التعبئة زادت في الأونة الأخيرة على يد حماس وداعيمها في العالم الإسلامي.
الغرب يقف منتظرا ما ستؤول إليه سياسية القوة هذه، لأنه يضمن حصته الرمزية في المدينة المقدسة! في كلتا الحالتين..وهذه الرمزية ليست مسيحية بالمعنى المطروح يهوديا وإسلاميا، بل هي رمزية التواجد التاريخي الغربي بكل حمولاته، والأغلب هي حمولات في غالبيتها غير دينية. من قال أن الغرب لا يستطيع إجبار إسرائيل على عدم اللعب بورقة القدس بهذه الطريقة؟ الغرب عندما يريد وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، قادر على فعل دايتون آخر، دايتون لم تحسب فيه أمريكا وحلفاءها حسابا لروسيا، عندما قررت حل المشكلة اليوغسلافية. صحيح أن الموضوع هنا أكثر تعقيدا، ولكن إرادة الغرب قادرة على فرض حل على إسرائيل، إن أرادت ذلك.
القدس الشرقية مدينة فلسطينية، وليست مدينة إسلامية، هذا أمر يجب أن يحتل الأولوية، بالنسبة للنضال الفلسطيني، لأن الفلسطينية تستغرق الفلسطيني بغض النظر عن دينه، وهذه حقيقة لا يمن علينا فيها إسلاميي حماس أو خلافهم. وهذا ما يجعل بقاءها محتلة مهما كانت القوة المستخدمة، وفقا للقانون الدولي، مهما بدا منحازا إلا أنه لا يستطيع إنكار ذلك، ولكن أن نرد على تهويدها بأسلمتها، فهذا أمر أصلا تريده النخب الإسرائيلية، لأنها تحولها إلى خلاف على الأسطرة وموادها والقدرة على تفعيل هذه الأسطرة بهذا الاتجاه أو ذاك..وهنا تجد القوة الإسرائيلية نفسها الأكثر قدرة على فرض أسطرتها.
القدس ليست عروس عروبتنا، القدس مدينة فلسطينية احتلت عام 1967 في الخامس من حزيران، كما أنها ليست عروس إسلامنا أيضا، وعذرا من الشاعر العراقي مظفر النواب.
القدس مدينة للتعايش كما كانت، ويجب أن يتبناها الفلسطينيون كما كانت، مدينة فلسطينية ودون إضافات أخرى.
ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى