صفحات العالم

تغيير الذهن الأميركي

جون ادوارد سميث
اذا نظرنا الى المائة يوم الأولى من فترة الرئيس أوباما في ما يتعلق بالانجازات القانونية، فإنه من الصعب مقارنتها بأيام فرانكين روزفلت الأولى. فقد واجه روزفلت ظروفاً يستحيل أن تتكرر. فربع الشعب الأميركي كان عاطلاً من العمل.
وانهارت أسعار السلع، وتوقفت المصانع، والمحلات أقفلت أبوابها، والنظام المصرفي بلغ مرحلة الانهيار. وما كان هناك نظام شامل للتأمين، ولذلك فإن ودائع البنوك ما كان مؤمناً عليها. وما كان هناك دعم للقطاع الزراعي، كما ان الادارة الفيدرالية ما كانت تعوّض على العاطلين من العمل، فضلاً على أن نظام التقاعد ما كان متوافراً بكفاءة. وما كانت هناك أخيراً خطة فيدرالية للانقاذ. وكان نصف الشركات الأميركية معرّضاً للاقفال، في حين ان 44% من ملاّك المنازل ما عادوا يستطيعون دفع الأقساط.
ولذلك، فقد كان خطاب روزفلت: ان الأمة تريد أفعالاً، والأفعال ينبغي أن تجري الآن. وقد أجاب الكونغرس على التحدي بخمسة عشر قانوناً تاريخياً وضعت البلاد على خارطة الشفاء. وما استطاع أوباما، ولا أي من سابقيه أن يجاري خطوات روزفلت هذه. لكن، انه من الصحيح القول إن أوباما يواجه حربين استنزافيين في العراق وأفغانستان، كما يواجه جموداً اقتصادياً، وتصاعداً في معدلات البطالة، وصناعة سيارات شبه مفلسة، ونظاماً صحياً مريضاً مرضاً مزمناً، ومشكلات في التربية والطاقة والبيئة. وهذه كلها أمور شديدة الصعوبة. وهي أمور تقتضي السرعة في المعالجة، لكنها من ناحية ثانية غير داهمة، ولا يمكن مقارنتها بما واجهه روزفلت. فشبكة الأمان التي قدمها “النيوديل” تسمح للرئيس أن يتصرف ببعض الحرية.
ومن جهة ثانية، فإن مقاربة أوباما لمسائل الحكم مختلفة عن مقاربة روزفلت. فأوباما يؤمن بعمل الفريق، بينما يعمل روزفلت بمفرده. وخلال سنوات “النيوديل” الذي أطلقه، كان روزفلت شخصية خلافية. وقد كان انصاره من الكثرة بحيث اعتبره بعضهم شخصية توحيدية. لكن الواقع انه كان يقود حرباً طبقية، وانه كان يميل لأبلسة خصومه. فقد قال مرة، “هم مجمعون على كراهيتي، وأنا أرحّب بكراهيتهم”! وكان ذلك أمام اجتماع في روماليسون سكوير غاردن” عام 1936.
لكن هناك ناحية معينة يبدو فيها الشبه بين الرجلين روزفلت وأوباما، قوياً. ويتمثل ذلك في قدرتهما على تغيير مزاج الأمة، ووضع أجندة جديدة للتفكير والتصرف والأولويات. ففي العام 1933 صار روزفلت رئيساً للولايات المتحدة في وقت كانت فيه الأمة الأميركية قد مضى عليها خمسون عاماً وهي تعتقد أن خير الحكومات هي الحكومة الأقل تدخلاً وعملاً في الشأن العام! وهذا ما يواجهه أوباما ايضاً بعد حقبتين أقنع خلالهما باري غولدووتر ورونالد ريغان الشعب أن الادارة هي المشكلة وليست الحل! وفي كلتا الحالتين (حالة روزفلت، وحالة أوباما): فإن هذه “العقلية” انتهت أو جرى تجاوزها بحكم الظروف.
والأمر نفسه يمكن قوله عن السياسة الخارجية. فقد واجه روزفلت وضعاً كانت فيه الأمة الأميركية قد أقفلت على نفسها اعجاباً وقرفاً. وقد واجه أوباما الأيديولوجيا الأخرى التي جاءت بعد الانعزال، وهي أيديولوجيا الأمة الاستثنائية (مدينة على جبل). وكان الانعزال الأميركي في الثلاثينات قد تسبب في تجاهل أخطار النازية واليابان. وقد تسببت العقلية الاستثنائية في عهد بوش في المضي باتجاه الأوحدية، ورفض قواعد العلاقات الدولية، والديبلوماسية. ولكي يتجاوز اتجاهات العزلة لجأ روزفلت للأحاديث الاذاعية، وللأحاديث بجانب الموقد. وتحول أوباما الى المراسلات والى الانترنت، وهي وسائل القرن الواحد والعشرين. وكما أفاد روزفلت من عجز خصومه عن استخدام الراديو، فكذلك أفاد أوباما من عجز القيادة الجمهورية. وقد قال الملك جورج السادس لروزفلت عام 1941: لقد تعجبت من قدرتك على الوصول للناس من خلال مخاطبتهم مباشرة. والذي يبدو الآن ان الرئيس أوباما يعتقد ان ما نجح فيه روزفلت يمكن أن ينجح فيه هو.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى