صفحات ثقافية

يوسف شاهين.. منرضاش يامصر

null
خالد الشامي
(منرضاش يموت جوا قلبي نداه) .صرخ بصوت منير وكلمات عبد الرحيم منصور في فيلمه حدوتة مصرية وكأنه ينعي نفسه، او يتنبأ بمصيره ومصيرنا (بالحكمه قتلتني وحيتني وخلتني اغوص في قلب السر قلب الكون قبل الطوفان ما يجي. خلتني اخاف عليكي يا مصر). بعد ان اعلن هويته(مين العاقل فينا مين مجنون. مين المدبوح من الالم .مين الظالم فينا مين مظلوم.لا يهمني اسمك لا يهمني عنوانك.لا يهمني لونك ولا ميلادك مكانك .همني الانسان ولو مالوش عنوان).
وكان المشهد الاخير في فيلمه الاخير (هي فوضي) تأكيدا لهذه الرؤية: طوفان شعبي يثور علي الظلم، وهو المشهد الذي اصرت الاجهزة الامنية المصرية علي حذفه. نبوءة ودعنا بها وهو الذي كان تنبأ بانتصار اكتوبر في فيلمه العصفور” الذي حمل فيه النظام مسؤولية الهزيمة.
وفي مشهد تأبينه اكد المسؤولون عن التلفزيون المصري هذه العلاقة الصعبة بين النظام وشاهين، عندما لم يجدوا عندهم اي مقابلة حديثة معه لاذاعتها، فاضطروا لبث جزء من لقاء اجراه معه خالد النبوي في تلفزيون ابوظبي قبل سبع سنوات.
فقد كان هذا العملاق ممنوعا من الظهور في تلفزيون بلده بسبب انتقاداته اللاذعة للنظام ثم مشاركته في التظاهرات الاحتجاجية خلال السنوات الاخيرة. بينما تخصص ساعات وساعات لانصاف الموهوبين والمعارف والذين (يفتحون مخهم) اي يدفعون ثمن استضافتهم.
انها سياسة الاقصاء الاعلامي نفسها التي كانت متبعة مع الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله، والمتبعة حاليا مع مبدعين أخرين اتخذوا مواقف شريفة ضد النظام، مثل احمد فؤاد نجم وصنع الله ابراهيم وفاروق جويدة وعلاء الاسواني وامين الديب وغيرهم.
فهل اصبح تلفزيون الحكومة عزبة خاصة، لايجب ان يحلم بالظهور فيه معارض حقيقي للنظام حتي اذا كان عملاقا بقامة شاهين نعاه رؤساء وفنانون كبار حول العالم، وتناساه المسؤولون في بلده؟.
(منرضاش) هذه المحاولة التلفزيونية المثيرة للشفقة لتجاهل ابن النيل، وقناوي وصلاح الدين الايوبي، ومحمد ابوسويلم، والعصفور الذين لن يسمحوا للموت نفسه بأن يغيب شاهين.
و(منرضاش) انه لم تنظم له جنازة رسمية، حتي اذا كان مشيعوه قاموا بالواجب عندما ارتجلوا شعارات صادقة من قلوبهم ووحي اللحظة في مشهد(شاهيني بامتياز) لتوديع جثمانه لدي خروجه من الكنيسة التي احتشد فيها اساطين الفن.
و(منرضاش) الا يحصل شاهين علي اعلي الاوسمة من الدولة التي رفع علمها في اهم محافل السينما الدولية لنصف قرن.
لقد فوتوا فرصة كبيرة في ان يرتفعوا لمستوي هامته، فاثبتوا انه كان محقا في توبيخهم وفضحهم.
الذين شاهدوا فيلمه (اسكندرية كمان وكمان) يعرفون كم كانت علاقته صعبة مع الحكم، خاصة كما يتضح في مشهد انحيازه لزملائه المضربين في النقابة، رافضا عرضا من مبعوث رفيع المستوي، بالقول(احسن كل واحد يحافظ علي كرامته).
لقد كان واحدا منا وليس منهم. نبيل صعلوك ومبدع لا يغريه ذهب الملوك ولا تخيفه سيوفهم.
هذا هو شاهين، وهذه هي مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى