صفحات سورية

كيف يستقر لبنان.. ودمشق الآن هي الخصم والحكم؟

null


الطاهر إبراهيم

في الأمثلة الشعبية يعبر عن الرجل المتأهب للمشاكسة حتى من دون استفزاز، بأنه “يرقص من دون دُف”. فإذا استفز، ولو عن غير قصد، يرتفع منسوب المشاكسة في دمه، ويصبح خطرا، ومستعدا للرقص في أول فرصة مناسبة.

نعتقد أنه لا أحد من العرب يعرف الحالة النفسية للسوريين مثل اللبنانيين، والعكس صحيح. جوارٌ في الأرض، ووحدةٌ سياسية حتى تاريخ الاستقلال. ويوم أن استقلت سورية، وانفصل عنها لبنان في كيان مستقل، لم يجرؤ أحد من الشقيقتين أن تعلن أنها أصبحت كيانا مستقلا، فتتبادلا السفراء، كما هو الحال بين ليبيا ومصر مثلا.

حاولت باريس أن توسع خطوط التباعد بين البلدين. وتبعتها واشنطن خصوصا بعد أن شق “ديغول” عصا الطاعة عن أمريكا، التي وجدتها فرصة سانحة يوم استحكم خلاف النصارى والفلسطينيين، ليدخل الجيش السوري لبنان عام 1976 بضوء أخضر من واشنطن.

لا يعتقد اللبنانيون أن دمشق ستغض الطرف عن سعي الحكومة اللبنانية التقليل من حجم المشاركة العربية في القمة، بعد أن أفشلت دمشق انتخاب رئيس جمهورية توافقي للبنان، وبعد أن رفض لبنان المشاركة في القمة، وإن كان ذلك لم يغظ دمشق كثيرا.

ما زاد في التأزيم، الرسالة اللبنانية التي تلاها رئيس الحكومة “فؤاد السنيورة” من السراي الكبير عشية انعقاد مؤتمر القمة العربية في دمشق، مذكرا الملوك والرؤساء العرب – من حضر القمة ومن غاب عنها – (بالفراغ في موقع الرئاسة في لبنان، – حيث – لعبتْ سورية خلالها وقبلَها دوراً رئيسياً في احتدام الأزمة السياسية في لبنان وأسهمت – من خلال تدخُّلِها المستمر في الشؤون اللبنانية الداخلية – في مَنْعِ وُصول المرشَّح التوافُقي إلى الرئاسة). حتى قيل بحق أو من دون حق، أن “السنيورة” ألقى بقفازيه في وجه الرئيس السوري.

الآن وبعد أن انتهت القمة، وانفض السامر، لا يعتقد أكثر اللبنانيين أن سورية سوف تسكت عن محاولة الحكومة اللبنانية إفشال – هكذا تعتقد دمشق – القمة، ما جعل دولا عربية هامة تخفض مستوى تمثيلها. ويتساءل اللبنانيون الآن عما بعد القمة؟ وعن الرد السوري على ما كان من لبنان تجاه سورية قبل مؤتمر القمة، وفي أي اتجاه سيكون الرد أولا؟

كما يعتقد لبنانيون كثر أن الرد السوري لن يتأخر كثيرا، ولن يكون دبلوماسيا فحسب، من خلال كون دمشق أصبحت رئيسة لمؤسسة القمة العربية على مدى عام كامل. وأن القول بأن سورية كانت تزعزع لاستقرار في لبنان من خلال عمليات الاغتيال أثناء رئاسة لحود الممددة، سوف يزعم اللبنانيون بأنه سيصبح أكثر ضراوة بعد انتهاء القمة. وأن الصراحة التي اتسمت بها رسالة “السنيورة” زادت طينة العلاقة بين البلدين بللا.

لعل الأمر الذي لم يعره اللبنانيون كثيرَ اهتمام قبل انعقاد القمة، في غمرة اهتمامهم بالقمة – نشارك أو لا نشارك – هو أن سورية أصبحت رئيسةً لمؤسسة مؤتمر القمة على مدى عام كامل كما هو معروف.

الآن، ربما أصبح اللبنانيون يعتقدون أن هذه الرئاسة سوف تعطي سورية حرية في الحركة أكثر من ذي قبل. وأن دمشق يمكنها الآن أن تفعل الكثير من دون أن تكون متَّهمة، أو أن يحد أحدٌ من حرية حركتها.

ربما أصبح مشروعا الآن، أن تتساءل الحكومة اللبنانية فيما إذا كانت دمشق ستستغل هذه الرئاسة – على أكثر من محور – للضغط على الحكومة اللبنانية أو الحكومات العربية، لترخي قبضة المحكمة الدولية عن عنق دمشق، الاعتباري طبعا؟ وربما يتساءل اللبناني عندها عن مقدرة لبنان على الاستقرار، بعد أن أصبحت دمشق “الخصم والحكم”؟ وربما يخاطب الرئيس “السنيورة” – مستقبلا – الرئيس بشار بقول المتنبي: فيك الخصام وأنت الخصم والحكم!

__________

* كاتب سوري

أخبار الشرق – 2 نيسان/ أبريل 2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى