صفحات سوريةعلي العبدالله

عامان على إعلان دمشق

           

علي العبدالله

يوم الثلاثاء (16/10) أكمل “تكتل إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي”، والذي شكلته قوى حزبية واجتماعية وشخصيات فكرية وسياسية سورية توافقت على تبني خيار التغيير السلمي الديمقراطي بعد أن يئست من عملية الإصلاح التي انتظرتها طويلاً من دون أن تلوح في الأفق بارقة أمل، أكمل عامه الثاني. فقد مدت قوى المعارضة الديمقراطية السورية يدها للسلطة طوال خمس سنوات (2000/2005) ودعتها للالتقاء في منتصف الطريق وطالبت، في ضوء التأكد من عجز هذه السلطة وفشلها في مواجهة الاستحقاقات السياسية، وحل المشكلات المعيشية والخدمية المتفاقمة، بعقد مؤتمر وطني للإصلاح يحضره الجميع تتم فيه مناقشة خطوات الإصلاح ومراحله وأدواته من دون طائل (دعوات وبيانات كثيرة وخاصة رسالة وجهت لرئيس الجمهورية وقعها 278 مثقفاً وناشطاً سياسياً وحقوقياً سورياً).

 

وكانت قوى المعارضة قد استقبلت خطاب قسم رئيس الجمهورية في بداية رئاسته الأولى عام 2000 بأمل وتطلّع، واعتبرت حديثه عن الإصلاح ومسؤولية المواطنين ودورهم في الإصلاح وقبوله بالرأي الآخر مؤشرات إيجابية ومثيرة للاهتمام، غير أن الوقت مر من دون حصول خطوات فعلية قبل أن تتحطم الآمال وتنهار التطلعات بالمحددات والمحرمات التي أعلنها في خطابه في حفل تخريج دورة عسكرية أواسط عام 2002 حيث قال: “هناك في سوريا أسس لا يمكن المساس بها قوامها مصالح الشعب العربي السوري وأهدافه الوطنية والقومية، وحزب البعث العربي الاشتراكي، والوحدة الوطنية، ونهج القائد الراحل الرئيس حافظ الأسد، والقوات المسلحة”.

 

رفضت السلطة اليد الممدودة وأصرت على مواقفها ولاحقت قوى المعارضة ونكلت بعدد من رموزها الفكرية والسياسية والحقوقية.

 

انتقلت قوى المعارضة بعد أن أثبتت الوقائع والممارسات اللاحقة للسلطة صدق قراءتها لموقف السلطة الرافض للإصلاح حيث أوضحت توصيات مؤتمر الحزب الحاكم (يونيو/ حزيران 2005) وخطاب القسم الثاني لرئيس الجمهورية (يوليو/ تموز 2007) عدم وجود مشروع إصلاحي لدى النظام، من المطالبة بالإصلاح، عبر توجيه الخطاب إلى السلطة، إلى تبني خيار التغيير الديمقراطي، والتكتل، والعمل معا من أجل إنجاز هذا الخيار بالضغط السياسي والنشاط الميداني السلمي وقد جسدت ذلك (16/10/2005) في تكتل سياسي حمل اسم “إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي”.

 

وإعلان دمشق للعلم تكتل سياسي جمع قوى سياسية متنوعة وشخصيات اجتماعية وثقافية عديدة. ففي الإعلان أحزاب عربية وأخرى كردية وآثورية، أحزاب قومية ويسارية وليبرالية، وشخصيات إسلامية ديمقراطية ومستقلة، اجتمعت على مشتركات سياسية هي:

 

1 الديمقراطية، بكل ما تعنيه من حريات عامة وخاصة، ومن تعددية حزبية، وتداول للسلطة، وفصل للسلطات، وحقوق متساوية ومكفولة لجميع المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم القومية والاثنية، أو معتقداتهم الدينية، أو توجهاتهم السياسية، هي الهدف، وهي خيار نهائي لا رجعة عنه.

 

2 اعتماد النضال السلمي، بكل ما يعنيه ذلك من نبذ للعنف والإكراه ومن أخذ بالنضال السياسي، وسيلة لتحقيق الهدف الديمقراطي المنشود.

 

3 الالتزام بسلامة الكيان الوطني السوري الراهن، أمنه ووحدته، مع ما يعنيه ذلك من السعي لاستعادة سيادة الدولة الكاملة على أراضيها، وتمكينها من أداء دور عربي وإقليمي إيجابي وفعّال، يليق بسوريا وبشعبها وتاريخها.

 

4 رفض حصر الخيارات الوطنية في ثنائية الاستبداد أو التبعية، والعمل على تخليص سوريا من الاستبداد، ومن الأخطار الخارجية، عبر الانتقال، بشكل متدرج وآمن، إلى نظام ديمقراطي.

 

لم تكف قوى الإعلان، ومنذ تأسيسه، عن السعي الجاد والدؤوب لترسيخه وتمكينه، عن طريق مأسسته، ونسج علاقات صادقة ومتينة مع المجتمع السوري ومع الأحزاب والمنظمات والقوى العربية والصديقة. وعن التحرك لتغيير البيئة السياسية السائدة في البلاد كي تفتح الطريق لعملية الانتقال إلى نظام ديمقراطي. وقد ركزت على السير باتجاه التغيير الوطني الديمقراطي والتمهيد لذلك بإجراءات محددة مثل رفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية والسماح بتشكيل الأحزاب وبحرية الصحافة وبالنشاط السياسي والنقابي والثقافي الحر والمستقل بحيث تصبح البلاد على عتبة الحرية وينفسح المجال أمام قيام حياة سياسية شفافة وجادة والتنافس على حل مشكلات المواطنين عبر البرامج السياسية والاقتصادية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع في تحديد الحزب والبرنامج المقبول مرحلياً لإدارة السلطة التنفيذية.

 

لكن، ومع الأسف الشديد، لا تزال السلطة السورية ترفض الاعتراف بالمعارضة وترفض قبول خيار التغيير السلمي ولا تزال تعتمد على القوة الأمنية في مواجهة قوى المعارضة الديمقراطية، تلاحقها وتضطهد كوادرها وتنكل بهم، بما في ذلك السجن والطرد من العمل، ومضايقة الأهل والأصدقاء من جهة، وبرفع إصبع الاتهام بالخيانة الوطنية في وجهها من جهة أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى