صفحات العالمما يحدث في لبنان

انتخابات لبنان على وقع رقصة حب قديم بين الرئيس والزعيم

حازم الأمين
فقدت الانتخابات النيابية اللبنانية قبل حصولها بأكثر من شهرين بريقاً كنا توهمناه قبل نحو سنة. كنا في حينه معتقدين انها ستشكل مختبراً لفحص الميول الفعلية للبنانيين بما يظهر مشهداً يحسم خلافاتنا. كنا نقول مثلاً ان الرد على نزول حزب الله وحركة أمل بسلاحهما الى الشارع وانتزاعه عنوة، سيكون بعد سنة في صناديق الاقتراع. وسمحنا لأنفسنا ذات يوم بإشهار أصابعنا محذرين وليد جنبلاط من شطط مواقفه وتحولاته.
كانت الانتخابات موعداً، لكنها اليوم محطة نبدو فيها عديمي القيمة والتأثير. فلنتأمل مثلاً في الشعارات التي كنا نعتقد انها ستشكل جوهر المعركة الانتخابية، فهل من أثرٍ في برامج الأطراف لقضية السلاح في أيدي القوى غير الشرعية، وهي كانت جوهر النزاع في لبنان الى وقت قريب؟! وهل من أثر لموقع لبنان في خريطة النزاعات في المنطقة؟
ولكن ما هي الهموم التي تقدمت على هذا الجوهر؟ ففي غمرة عاصفة تشكيل اللوائح واختيار المرشحين قد يعتقد المرء او يتوهم ان ما تقدم هو قضايا صغرى من نوع مصالح الأطراف واستبدال مرشح بآخر، وأن المشهد الانتخابي اللبناني هو الآن في لحظة مخاضه البشع حيث تستيقظ رغبات التصدر وإجراء التسويات وغياب الشفافية.
لا، لا يبدو ان هذا ما تقدم على رغم اننا نستيقظ كل صباح على صحف تنقل أخباراً حوله. ما تقدم هو حرفياً انبعاث ثنائية «وليد جنبلاط ونبيه بري» من رماد تسوية اقليمية بدأ اللبنانيون يستلهمون ملامحها في غمرة تشكيل لوائحهم. وهذه الثنائية الضمنية و»الخبيثة» يستدعي قيامها دخاناً يضلل انعقادها ويُضمره. والدخان هنا هو نكتة اللوائح وحساباتها وما تثيره من اوهام.
ثنائية «بري – جنبلاط» هي الجديد الوحيد الذي يبدو ان الانتخابات ستحمله لنا نحن اللبنانيين، وهي مختلفة عن سابقاتها تمام الإختلاف، اذ هي سائرة نحو الانعقاد من خارج الانقسام ومن خارج اللوائح والأحلاف الانتخابية، وهذا مركز خبثها وصورته. فلنتخيل مثلاً كم يحتاج المرء من دربة ومراس حتى يقتنع بأن لائحتين انتخابيتين ستتنافسان في قضاء بعبدا تضم كل واحدة منها مرشحاً لزعيمين مزمعين على التحالف في أعقاب انتهاء الانتخابات.
قلـب كل من بري وجنبلاط صفحة الانقسام والتقطا وجهة بدأت تلوح متمثلة في رغبـــة اقليمية في التسوية، وكل واحد منهما لاسبابه يبدو شديد الحماسة لهذا التحول علـــى رغم الصعوبات الكبيرة في تسويق هذه الوجهة. جنبلاط بسبب موقعه «الأقلوي» الذي يملي عليه دهاء ما، ويضعه في موقع المساوم على كل العناوين، وبري لأنه الزعيم القوي والوهمي الذي لا بديل له، على رغم تقدم حزب الله على مناطق نفوذه.
لا يبدو ان الزعيمين يقيمان وزناً للتوازنات التي ستنجم عن الانتخابات، فهما اليوم في موقع ترتيب مشهد ما بعدها. ويقتضي ذلك تبادلاً لرسائل الثقة، كأن يضغط جنبلاط على سعد الحريري لترك مقعد شيعي في البقاع الغربي لمرشح بري، او ان يسعى بري لتمرير مرشح جنبلاط في بعبدا من خارج المنافسة. وهذه الوقائع ليست اكثر من «بروفا» لما سيجري بعد الإنتخابات. والتي ربما أنتجها عقل التسوية من خارج لبنان.
المخارج المتخيلة لمشهد الثنائية هذه جاهزة بدورها، فتعثر علاقة بري بحليفه ميشال عون لا حاجة الى دلائل تؤكدها، وجنبلاط من جهته لم يخفِ رغبته في موقع مختلف بعد الإنتخابات. اذاً النواة جاهزة وقد بدأ التمهيد لها منذ اشهر.
وفي ما يتعلق بذلك السؤال الذي لطالما طرحه اللبنانيون في الآونة الأخيرة، وهو: هل سيبقى وليد جنبلاط في 14 آذار بعد الانتخابات النيابية؟ فجوابه لن يكون تأكيد خروجه او نفيه، اذ ان المهمة تتعدى الخروج، انما تصديع التحالف ونزع جذوته. لن يحصل انقلاب، وسيبقى اللاعبون في اماكنهم، لكنهم سيكتشفون كم انهم لاعبون صغار وعديمو التأثير والقيمة.
تقترب الثنائية من الانعقاد او الارتخاء بقدر ما تنجزه التسوية من خطوات، او ما تواجهه من عثرات، وبما ان منطقة تحركها ضيقة ومقتصرة على المقاعد المسيحية، فذلك ليس الا صورة من صور التآمها حتى الآن. فلا يبدو ان ثمة خلافاً على المقاعد الشيعية، وكذلك الأمر على المقاعد السنية في البرلمان المقبل، اذ ان التسوية تلك سلمت امر هذه المقاعد لطرفيها كليهما. وجنبلاط خاض في الآونة الأخيرة معاركه مع حلفائه على المقاعد المسيحية في لوائحه، وكذلك يفعل بري اليوم مع حلفائه المسيحيين ايضاً.
هامش التنافس تُرك عند المسيحيين، ولكن ليس لقواهم، والأرجح ان ما تُرك خارج البحث في جـــولات الحوار غير المعلن بين اطراف خارج الحدود اللبنانية، ترك بانتظار نتائج «الانتخابات المسيحية»: فإن تقدمت 14 آذار يتقدم بري نحو جنبلاط خطوة، وان فاز ميشال عون يرتفع منسوب «ذاكرة» وليد جنبلاط ويتقدم تاريخه على حاضره ويقترب «خطوة مدروسة» باتجاه حليف الأمس!
كم يبدو عبقرياً مُعد هذا السيناريو، وهو على الأرجح شخص محدد، له وجه واسم وعنوان، وتولى لإكماله وضع لمسات تثير الإعجاب على قدر ما تثير من خيبات. فلنختبر مثلاً وظيفة كل من نجيب ميقاتي وجان عبيد في تعزيز الثنائية الضمنية. ميشال المر وحزب الطاشناق، وآخرون من مثل فريد هيكل الخازن ومنصـــور البون. وجميــع هؤلاء سيكونون ضمـــــن اللوائح المتنافسة في الإنتخابات، لكنهم مرشحـــــون لأدوار مختلفة بعد انتهائها. وفي حين تبدو 8 و14 آذار منقادتين الى تعزيز هذه الوجهة على حساب شعاراتهما وما وعدتا به جمهورهما، يظهر جلياً زيف المضمون الحقيقي للانقسام اللبناني على وقع رقصة حب قديم بين الرئيس والزعيم.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى