صفحات العالم

القدر الافغاني

ساطع نور الدين
من أطرف اهداف الحملة العسكرية الاميركية الاطلسية على اقليم هلمند الافغاني الجنوبي، انها تطمح الى توفير الهدوء والاستقرار وضمان الحرية للناخبين الافغان لكي يشاركوا في الانتخابات الرئاسية المقررة في العشرين من آب المقبل، ويختاروا واحدا من بين عدد من المرشحين ابرزهم الرئيس الحالي حميد قرضاي.
هي إذاً الديموقراطية التي يريد الاميركيون والبريطانيون نشرها بالقوة في احد اكثر اقاليم افغانستان فقرا وتخلفا وتعصبا، حيث ترتفع نسبة الامية الى معدلات قياسية، وحيث يجهل معظم السكان انهم مواطنون في دولة لها عاصمة اسمها كابول، ولها رئيس يدعى قرضاي، وحيث القانون والامن هما للقبيلة والعائلة، وكل ما عداهما من سلطات هو مجرد وهم او افتراء.. لا سيما اذا كان مصدرها اجنبيا لا ينطق بلغتهم ولا يخضع لتقاليدهم ولا يرتدي ازياءهم.
اما موقف غالبية السكان من فكرة الانتخابات رئاسية كانت ام نيابية ام محلية ونظرتهم الى صناديق الاقتراع سواء كانت مختومة او شفافة، فإنه يعادل الكفر او على الاقل الافتراء على ثقافة تاريخية راسخة صمدت على مر العصور وضمنت استقرارا وازدهارا لم ينقطع الا في خلال الغزوات الاجنبية التي تعرض لها ذلك البلد المعذب بجغرافيته، اكثر بكثير من امكاناته، وهي شبه معدومة.. والذي يحفظ من الدين الاسلامي ما تلقاه دائما من قادته العسكريين اكثر مما تلقنه من فقهائه الدينيين، وآخرهم زعيما تنظيم القاعدة اسامة بن لادن وأيمن الظواهري اللذان وضعاه على الجبهة الامامية لحروب لا شأن له بمعظمها.
المهم الآن ان الجنود الاميركيين والبريطانيين خاصة يخوضون الآن معارك ضارية من اجل ان تعم التجربة الديموقراطية ارجاء اقليم هلمند والاقاليم الجنوبية المجاورة، وأن تجري الانتخابات بحياد ونزاهة تامة، وأن يتم التجديد للرئيس قرضاي لولاية رئاسية ثانية.. برغم ان العقدة الاميركية الاطلسية تكمن هنا في مثل هذا الخيار: الرئيس الحالي متهم من قبل واشنطن ولندن بالفساد، وشقيقه، حاكم ولاية قندهار المجاورة متورط في تجارة المخدرات.. وهما السبب الرئيسي في فشل مشروع اعادة بناء الدولة الافغانية ومؤسساتها الامنية والسياسية والاقتصادية على مدى السنوات الماضية التي سجلت نهوض حركة طالبان من كبوتها واستعادتها السيطرة على انحاء واسعة من الجنوب الافغاني.
ثمة خطة ديموقراطية تنفذ في افغانستان اليوم، من دون اي محتوى ومن دون اساس ومن دون هدف: مؤخرا ارتفعت اصوات في واشنطن ولندن تدعو الى وقف هذا الهراء، وتقترح التخلي عن قرضاي لمصلحة اي مرشح آخر مهما كان مغمورا وعديم الخبرة في السياسة.. على الاقل من اجل الايحاء للافغان بأن شيئا ما سيتغير بعد العشرين من آب المقبل، حتى ولو كان مجرد خدعة، لانها افضل وأقل كلفة من تلك الحملة على اشباح حركة طالبان، التي استعادت زمام المبادرة وشرعت في اغراق الجنود الاميركيين والبريطانيين في دمائهم.
انه القدر الافغاني الذي شاء ان يصبح مقياسا نهائيا لتلك العلاقة التاريخية المضطربة بين الغرب وبين المسلمين الذين ينتظرون في كل مكان وصول طلائع القوات الديموقراطية الغازية.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى