صفحات سوريةغسان المفلح

الموضوع ليس المحكمة الدولية… بل خداع الناس

null
غسان المفلح
اعتبر زهير سالم محاكمة قتلة الرئيس الحريري كرنفالاً وسبق الرئيس الاسد بالحديث عن تسييسها بزمن
كتبت هذه المقالة تعليقا على مقدمة لمقالة الناطق باسم جماعة “الإخوان المسلمين” في سورية السيد زهير سالم جاء فيها “كُتب هذا المقال تعليقاً على احتفالية “كرنفال لاهاي” لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق المرحوم رفيق الحريري ولا علاقة له بما صدر وما يمكن أن ينفذ ضد الرئيس البشير.. ويكفيك أن تتأمل التسارع الإجرائي لتدرك الفرق..” وعنوان مقالته” ترنيمة ما قبل النوم”.
هي ليست آيات تتلى علينا بل هي ترانيم الاعتراف بأن الاستبداد, له شرعية الهوى, ومشروعية اللحاق بوهم إيران, كقائدة للمشروع”الإسلامي” في المنطقة, بعدما تسابقت أفرع مصر والأردن و”حماس”, على تتويج إيران سيدة للموقف الحامي للأمة الإسلامية. وتساءل بعض الناطقين باسم إخوان سورية” لم لا يكون لنا في الخيمة الإيرانية نصيب? لم يكن الموضوع دفاعا عن السودان, بل كان دفاعا عن البشير كحليف لإيران, وللنظام في دمشق. ورغم ذلك تفهمنا أن يكون “لإخوان” سورية موقف يدافعون به عن الرئيس السوداني عمر البشير, وتحدثنا في مقالة سابقة وبشكل نقدي عن هذا الموقف. وتفهمنا أن لهم أسبابهم التنظيمية والسياسية الخاصة, والتي لم تعلن في الموقف ذاته. عادة التحالفات السياسية لها مقروء ومخبوء. كل هذا مفهوم ومفسر لكنه غير مبرر. والسبب أن من قتلهم رئيس السودان هم في المقدمة الأولى بالنسبة لنا بشر, وفي مقدمة “إخوانية” صغرى” هم مسلمون! ومن شردهم وهتكت ميليشياته أعراضهم هم بشر أيضا, ومسلمون! طيلة السنوات “الدارفورية” (نسبة الى دار فور) لم نلمس موقفا “إخوانيا” يتضامن مع الضحايا, فما بالنا بموقف مندد! لم يكتشف “إخوان” سورية أن هناك مشكلة في دارفور, إلا بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي, مذكرة توقيف للرئيس البشير. وعندما اكتشفوا وقفوا مع الجاني! وأصدرت الجماعة بيانها المندد والمتضامن مع البشير, مع ذلك لا بد لنا من كلمة قصيرة, قبل أن نعود للمقالة المذكورة” إننا نتفهم كشعوب سياقات المصالحات العربية- العربية, ونتفهم هاجس العرب من إيران, ونتفهم أن سياسة فك عرى التحالف بين إيران والنظام في دمشق هي سياسة واهمة, ولكننا لابد أن نقول كلمة بسيطة في هذا الشأن, إيران لها طموحاتها, ولكنها ليست أكثر عداء للديمقراطية من بعض أنظمتنا العربية” ومن دون أن ننسى الظل الإسرائيلي فوق سماء دمشق, يعطي شرعيته, وتتلقفه أيضا القوى الإسلامية في المنطقة, والتي على ما يبدو, بات صعبا على “إخوان سورية” بقاؤهم خارج السرب العاكفي- المشعلي! نقول يبدو من دون أن نجزم. إن “إخوان” الأمة العربية, ومعهم إيران وبعض الأنظمة العربية, مجمعون على ضرب الدور المصري. وضربه من جهتين الأولى” إقليميا, والثانية: مصر وحدها تستطيع التأسيس لديمقراطية عربية. وهذا بحد ذاته مخيف, لأن إسرائيل تشاركهم هذا الهم. رغم تعقد اللوحة “الإخوانية” في مصر, و”إخوان الأمة” أيضا, عمامتهم بيضاء, وراياتهم خضراء, وبات القلب إيراني الهوى.
و”البسيج” و”الباسدران”- (حرس الثورة الإيرانية)- يشكلان طليعة مقاتلة متساوقة مع الشعار فوق الرايات الخضراء” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة” وهذه غزة “حماس” شاهدة على تصدي الحرس الثوري الإيراني للعدوان الإسرائيلي الغاشم, وخصوصاً بعد تعليق “الإخوان المسلمين” السوريين لنشاطهم المعارض ضد النظام في دمشق, لتكثيف جهود الأمة في غزة. ضمن هذا القسم من اللوحة جاءت مقالة السيد سالم ومواقف “الإخوان” عموما, وبالعودة للمقالة, نجد إن الرجل لا يطالب اللبناني والسوري بألا يعقدا الأمل كثيرا على المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري ورفاقه فقط, بل هو يريد أن ينسف الأساس الذي قام عليه هذا الأمل. ليس من حق الشعوب أن تأمل بعدالة دولية حتى ولو كانت ناقصة! إذا افترضنا أن كل ما جاء في المقالة صحيح, وأن المحكمة الدولية هذه لن تحقق العدالة المرجوة, لأنها تأتي في سياق مشروع استعماري جديد يريد الهجوم على إيران! ومن السياق يفترض كاتب المقالة أن النظام في دمشق سيسير مع هذا المشروع, وإذا كنتم ضد هذا المشروع كيف لنا أن نفهم تعليق نشاطكم المعارض إذن!? مادام النظام في دمشق يريد أن يتساوق مع هذا المشروع القاضي بضرب إيران, وبالتالي طمس معالم العدالة التي يمكن أن تشير إليها المحكمة الدولية?
لم نفهم في الواقع! إن كاتب المقالة هو ضد المحكمة لأنها لن تحقق العدالة, أم أنه ضدها لأنها يمكن أن تحقق شيئا من هذه العدالة? الرئيس بشار الأسد في مقابلته منذ ايام مع جريدة “الخليج” صرح”بأن لبنان هو الخاسر في حال سيست المحكمة الدولية” ولكن السيد زهير سالم يقول أنها سيست منذ زمن. وهي عبارة عن “كرنفال” لا أكثر ولا أقل, طالما هي كذلك” لماذا هذا الاهتمام بها إذن?
أما ما يخص الناس الذين علقوا آمالهم ويعلقون هذه الآمال على هذه المحكمة, وإرشادهم على أنه عليهم عدم تعليق أي أمل, لا يجب أبدا أن نقول لهم أن البديل هو تعليق نشاطكم المعارض أقصد لا يجب أن نقول لهم علقوا آمالكم إلى حين انتهاء خالد مشعل من تقويض القضية الفلسطينية. إذا كان مطلوباً عدم تعليق الآمال على هذه المحكمة, على الناس إذن أن يسيروا خلف السيد سالم عندما أعلن أنه يعلق نشاطه المعارض, بالتالي نحن نقول الأفضل لهذه الناس أن تسير وراء الرئيس بشار الأسد, وتعقد الآمال عليه, بدل أن تسير خلف من يقف كما يقول المثل الشعبي” رجل في البور ورجل في الفلاحة” وبلا أي فائدة عادت وتعود على شعبه. إنها مشكلة “الإخوان المسلمين” في هذه الأمة” عين على الاستبداد” البشير نموذجا” والعين الأخرى على ولاية الفقيه” وهذا بدوره لا ينفي مطلقا أن الإسلام السياسي العربي, فيه تيارات تحاول تجديد دمه, بتبن فعلي وحقيقي لمفاهيم العصرنة, والديمقراطية, وحرية الاعتقاد, وحقوق الإنسان, ولكنها مازالت ضعيفة في حزمها الفكري تجاه, هذه المسائل, والتي من دونها, لايمكن أن تتقدم هذه التيارات وستبقى تعتمد على المخزون التجييشي الذي تعتمده الأنظمة المستبدة نفسها, لنلاحظ خطاب النظام السوري, وخطاب “الإخوان” السوريين أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى