صفحات الناس

لبنانيون طُلَقاءْ.. ماذا بشأن سوريين سُجَناءْ؟!

null
نوري بريمو
أصدر الرئيس السوري بشار الأسد عفوا خاصا شمل بعض المعتقلين اللبنانيين الذين كانوا في سجون سوريا على خلفية اتهامهم بارتكاب جرائم بعضها جنائي كتهريب المخدرات، والآخر يتعلق بتعاطي السياسة في بلد يحظر ذلك، وبموجب الأمر الرئاسي أخلت السلطات السورية مؤخرا سبيل 23 سجين لبناني من أصل المئات، حيث علق رئيس جمعية دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين فور الإفراج عن هؤلاء بالقول “إن المفرج عنهم يشكلون ملفا منفصلا عن ملف المخفيين قسرا والبالغ عددهم حوالي 600 سجين نملك معطيات عن وجودهم في السجون السورية”.
أعتقد بأن كافة السوريين قد غَمرتهم فرحة الإفراج عن مواطني جارتنا لبنان الذين كانوا محتجزين في زنازين بلادنا، وفي الوقت نفسه يعتبر البعض ذلك منطويا على بادرة ايجابية وربما نقلة نوعية في مسيرة تداول الملفات المختلف عليها بين هاتين الدولتين المتصالحتَين حيناً والمتنازعتَين أحياناً. لكنني أجزم بأن غالبية أهل الشام يرون في ذلك انفراجا جزئيا ومنقوصا ولا يتعدى حدود حفظ مياه الوجه بشكل خجول ومتأخر، وأنه أمر جاء بعد انتظار لبناني طال أمده، ولعلَّ من حق القوى الديمقراطية في البلدين أن تعتبرها خطوة عملية يتيمة من رزمة التسويفات النظرية التي تبقى ناقصة المصداقية ما لم يتم ترجمتها بشكل فعلي عمليا من خلال إطلاق سراح كافة المعتقلين اللبنانيين الذين لا يزال مصيرهم مجهولا.
ويعود هذا الملف إلى عهد الحرب الأهلية التي نشبت عام 1975 وأحرقت أخضر ويابس البلد وتسببت في تحويله إلى ساحة مستباحة لعربدة مختلف الجيوش الأجنبية والعربية بما فيها الجيش السوري الذي بقي هناك خمسة وعشرين سنة إلى أن غادر بعد اندلاع “ثورة الأرز” وبموجب قرار دولي صدر عام 2005.
صحيح مرة أخرى، أن انفراجات كهذه من شأنها إبهاج نفوس السوريين وإثلاج صدور اللبنانيين، لأنها قد تمهد لفتح صفحة جديدة، وربما تأتي بمناخات سياسية أكثر توافقية بين البلدين، إلا أن الشارع السوري بمختلف مكوناته القومية والدينية والمذهبية، بات من حقه أن يتساءل: مادامت السلطات السورية قد بدأت بمسلسل الإفراج عن السجناء اللبنانيين دفعة تلو الأخرى.. فماذا بشأن آلاف أو عشرات الألوف من المواطنين السوريين المعتقلين بشكل تعسفي يستمد شرعنَته من الأحكام العرفية التي شرعت في ظل حالة الطوارئ السائدة منذ استلاب حزب البعث للسلطة عام 1963 عبر انقلاب عسكري؟
إن ملف الإفراج عن معتقلي الرأي والضمير الذين يجري اعتقالهم على خلفيات سياسية يتم نسجها بخيوط أمنية لمجرد الاشتباه باحتمال أن يكون اهتمام الناشط الفلاني متعلقا بالشأن العام للبلد، هو ملف حقوقي ينبغي نصرته في أي زمان ومكان لأنه يكتنف قضية ديمقراطية تخص مسألة وضع حد لقمع حرية الأفراد وضوابط لانتهاك حق الأمم في تقرير مصيرها.
وبناء على حساسية كهذه حول ملف مهمش وبقي طي النسيان خلال العقود المنصرمة، فإن قوى المعارضة السورية على حق حينما ترفع شعار تبييض السجون، وحينما تؤكد بأن دروب التغيير الديمقراطي الحقيقي والإتيان بدولة الحق والقانون، حلم سيبقى الطريق إليه وعرا وغير سالك مادام هنالك معتقلون سياسيون يقبعون في السجون لا لجرم ارتكبوه سوى لأنهم معارضون وليسوا موالون لأهل الحكم.
* كاتب كردي سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى