الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

إدارة أوباما بحاجة الى إدارة خاتمي في إيران

كامل عباس
رجحت كفة الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن المنصرم  بين روسيا وأمريكا لصالح الأمريكان , مما زاد من غرور إداراتها المتعاقبة , وقد شهد الغرور قمته على يد إدارة بوش بعد النصر النهائي فراحت تلك الإدارة بحماقاتها المشهورة تقسم العالم الى معسكر الخير ومعسكر الشر وتدعم الأغنياء في كل مكان على حساب الفقراء وتنشر ديمقراطيتها المنتصرة بواسطة قنابلها وصواريخها , والنتيجة كانت انقسام العالم أكثر  مما كان عليه أيام النظام السابق , سمة عالمنا الحالي  في القرن الجديد مدن وصل التناقض بين أحيائها الى مداه الأخير, مثل مدينتي عروس الساحل السوري حيث ناطحات السحاب في الكورنيش الجنوبي بإطلالتها الساحرة وقامتها البهية وشوارعها النظيفة  , يقابلها في المنطقة الشمالية حي الدعتور وبيوته المتلاصقة وحاراته الضيقة والوسخة , , اما عاصمة بلدي “الاشتراكي” فالأمر أكثر سوءا , لنجد حي المزة 56 المكتظ بالسكان في أعالي جبل المزة ,حيث الساكن الجديد يحتاج الى حبال ورافعات لإدخال أغراضه المنزلية الى البيت , يقابله حي القصور في الجهة الثانية من العاصمة , والحال ليس أحسن كثيرا  في كل عواصم الدنيا .
آلاف الأمثلة يمكن إيرادها عن سياسة أمريكا قبل الادارة الحالية التي ساهمت في وصول العالم الى أزماته الحالية المتعددة نذكر منها مثالا واحدا فقط من وحي علاقتها بالمملكة العربية السعودية .
كل الإدارات الأمريكية السابقة تعاونت مع حكام السعودية بنفس الطريقة , تحالف ودعم غير محدود, مع دولة غارقة في ظلام وجهل القرون الوسطى وربما أسوا , على حساب العقل والمنطق والتطور التاريخي , فأنتج هذا الدعم ظاهرة الأفغان العرب ومدارس تحفيظ القران في الباكستان وغيرها , وغذى الإرهاب الإسلامي الحالي .
منطق العصر يقول بحقوق الانسان وأنظمته السياسية المتعددة البعيدة كل البعد عن الأنظمة الملكية التي تقسم الناس بين سلالات يجري في عروقها دم ازرق وسلالات يجري في عروقها دم احمر, والنظام في السعودية ليس ملكيا ملكية دستورية , بل ملكية مطلقة , ومن يطالب من مثقفي السعودية بتحويلها الى ملكية دستورية يصبح مستقبله ومستقبل عائلته داخلها على كف عفريت , ما تزال السعودية حتى الآن تتناغم في سياستها الخارجية مع سياسة أمريكا لتحمي العائلة المالكة وأمراؤها وأموالهم ونفوذهم وجاههم في الداخل والخارج , اما الشعب السعودي فقد وصل التجهيل بين أفراده درجة غير مسبوقة تتصدرها الشرطة الدينية والمطوعين في الشوارع من اجل الصلاة  وجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفتاوي العلماء المسلمين حول إرضاع الكبار وزواج المسيار, والنتيجة شعب جاهل تبدو قيادته أمام العالم متقدمة حضاريا عنه مما يجعل المطالبة بدعمها أمرا مقبولا.
جاءت إدارة أمريكية بقيادة اوباما كضرورة تاريخية للشعب الأمريكي والعالم .
العالم بحاجة الى تنمية مستدامة (اقتصادية واجمتاعية وسياسية وبيئية في ظل العولمة الجديدة تكون لصالح مجموع الطبقات الاجتماعية وليس لمصلحة الأغنياء فقط , والسير في طريق الادارة القديمة يجعل حضارة الانسان على هذا الكوكب مهددة بالفناء )  وقد عاهدت الادارة الجديدة الشعب الأمريكي والعالم ان تُظهٍر امريكا بشكل جديد عنوانه-  قوة المثال وليس مثال القوة – وأمامها تحديات كبيرة منها التحدي الايراني الذي نحن بصدده .
اذا كانت الادارة الجديدة مهتمة بمصالح المجتمعات وتنميتها الى جانب المجتمع الأمريكي , ولن يكون همها فقط مصالحها الذاتية المتعارضة مع مصالح الشعوب في المنطقة كما في السابق , فالأولى بها ان تنطلق من السياسة الداخلية لكل دولة أكثر مما تنطلق من السياسة الخارجية الممالئة لها, وان يكون همها التغيير النابع من الداخل مدعوما بشكل سلمي من الخارج ,  في هذه الحالة عليها ان تعيد حساباتها قي التعامل مع دول المنطقة مثل اسرائيل والسعودية وايران .
ان ايران دولة لها ماض عريق في المنطقة ثقافيا واجتماعيا وذات نظام جمهوري وليس ملكي وان كان قادتها الحاليين يريدون دولة نووية قوية لمصلحة النظام الحاكم وعلى حساب الشعب الايراني , فهم لايختلفون في ذك عن اسرائيل ’ فلماذا يسمح لاسرائيل بامتلاك سلاح نووي ولا يسمح لهم ؟ وهل يتحمل منطق العصر حربا مدمرة لحل الإشكال مثل الحرب على العراق ؟
يقودنا كل ذلك الى حاجة العالم والمنطقة والادارة الأمريكية للإصلاحيين في ايران , ونجاحهم في الانتخابات المقبلة لا يقل أهمية عن نجاح اوباما في امريكا , وخاتمي الرمز لا يقل جاذبية عن اوباما , وهو المعروف للعالم بثقافته الديمقراطية المنسجمة مع نفسها والتي ترى بالديمقراطية آلية للحكم أفضل ما عرفته البشرية حتى الآن .
اذا كان الأمر كذلك فعلى الإدارة الأمريكية دعم الإصلاحيين في الداخل لتأتي إدارة إيرانية غير الادارة الحالية المعروفة بحماقاتها وتدخلاتها في شؤون الآخرين – مثل إدارة بوش السابقة على ادارة أوباما-  لتعمل الإدارتين معا مع باقي الإدارات المشابهة من اجل مؤسسات دولية جديدة قائمة على أساس حوار الحضارات وليس على أساس النفوذ السياسي التاريخي لخمسة دول تقود مجلس الأمن الدولي الحالي  .
قد يقول قائل: الأمر مختلف في إيران عن أمريكا , أمريكا دولة ديمقراطية عريقة , هيأ فيها ذلك التاريخ فرصة للتغيير من خلال احترام مؤسساتها العسكرية والأمنية لاختيار شعبها .                  الأمر مختلف في دولة من دول العالم الثالث مثل إيران  , ووجود مؤسسات عسكرة وأمنية مثل الحرس الثوري الإيراني لن تسمح باحترام نتائج الانتخابات .
نعم انها مشكلة ولكنها ليست مبررة ابدا لاستعمال القوة من اجل التغيير من الخارج كما جرى في العراق .
ماهو مطلوب من إدارة أمريكا والعالم مساعدة الشعب الإيراني ليجتاز محنته ويتخلص من قبضة المتاجرين بالدين فيه عبر التغيير من الداخل, وغير ذلك لن يكون لا في مصلحة أمريكا ولا إيران  , بل في مصلحة تجار السلاح والمافيا في كل مكان .
*اللاذقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى