صفحات مختارةفاتح جاموس

وحدة “الشيوعيين السوريين”، وحدة عمل ” اليسار السوري” فانتازيا أم ضرورة ؟

null


فاتح جاموس

1-
يبدو أن الجميع في الوطن السوري على قناعة أنه يعبر مرحلة تطورات انتقالية، خاصة القوى والأحزاب والفعاليات المختلفة بكل اتجاهاتها وتصنيفاتها السياسية والاجتماعية والثقافية، نظاما وموالاة ومعارضة وما بينهما- أي كامل النخبة السورية- أنهم في وضعية تحفز وقلق، ويعيشون حقيقة تلك القناعة، فكلٌّ
يعد نفسه من أجل هذه المرحلة والتصورات المتوقعة تجاهها،
بالتغاضي عن أهمية فعاليته ووزنه، والتأثيرات الواقعة عليه بسبب احتكار السلطة، ومصادرة ومنع النظام للنشاطات المستقلة عنه، وضبطه لها بسبل القمع أو الردع المختلفة . بعد ذلك تبدأ خلافات النخبة، تخلقها وتؤثر فيها زوايا الرؤية المختلفة، المصالح، الوعي، الرغبات، والقناعات حول حدود تلك التطورات ومدى خطورتها وشمولها، وتائرها، التحالفات

والأطر والوسائل المطلوبة للفعل بها، والموقف من الأطراف الأساسية التي تقودها وتوجهها استراتيجياً وتكتيكياً.

من منظورنا، فإن المرحلة المعنية لن تشهد تطورات فحسب، بل ستكون متسارعة، بعضها دراماتيكي وخطر جداً على المستوى الوطني والمصالح الوطنية العليا، ستشمل وتؤثر في كل الميادين للقضايا والحياة السورية، ستخترق الأطر والتحالفات و البرامج والمهمات والمطالب. وبقدر التسارع الفعلي لتطور الأحداث، أو القراءة والتوقعات الوهمية أو الخاطئة في ذلك، فإن المعارك السياسية المتعلقة بها تصبح أكثر احتداماً وأهمية. إن السنوات الثلاث الماضية قدمت لنا “بروفات” واضحة وجادة جداً على ذلك الصعيد، بدءاً من نشاطات بعض القوى والفعاليات السورية في الخارج: ( الحركة الدينية، الغادري وما يمثله، نائب رئيس الجمهورية السابق رفعت الأسد وما يمثله. ثم تشكيل جبهة الخلاص بعد ” هرب ” نائب الرئيس خدام، تهويله و”رعبه” من أن يكون معارضاً من الداخل، والانشقاق الفعلي لحركة الإخوان المسلمين بذلك عن إعلان دمشق، وإضافتهم لسبب آخر في الخلافات داخل الإعلان، الخ.. ).

في الداخل: بدءاً من لقاء دير الزور، الحشد الذي حضره، والحوارات الحامية قبله وخلاله، ومقاطعة التجمع الوطني- الديمقراطي لذلك اللقاء دون ذكر أي سبب صريح. ثم إعلان دمشق بكل ما أثاره من اهتمام ومعارك ولا يزال، بشكل خاص في هذه الأيام بسبب القضايا التي جاءت في وثيقة البيان التوضيحي التي صدرت عن الإعلان بالتوافق المطلق لكل فعالياته قبل أكثر من سنة، فبعض أطراف إعلان دمشق بحجج مختلفة – صراحة أو مواربة- تريد التخلي عن محتوى وثيقة البيان، وعن البيان بكل ما عناه ويعنيه، كذلك بسبب استكمال المؤسسات الخاصة بإعلان دمشق وتركيبتها الداخلية، والاستقطاب السياسي في تشكيلها من منطلق الخلافات، والدور الذي ستلعبه في سياسات وتوجهات الإعلان . التجمع الوطني الديمقراطي والتطورات الداخلية فيه، من وجود حزب العمل الشيوعي بعد توقف رفض قبوله، باستخدام إحدى القوى لحق الفيتو، ومن جهة أخرى حماس واندفاع حزب العمل الشيوعي لدخول التجمع، بعد ابتلاع كل مرارات الماضي بغصّة، وضبطه لكل ردود فعله السلبية المتوقعة، كل ذلك بعد تقديره أيضاً أن هناك من يريد تدمير التجمع بإجراء تغيير عميق في توجهاته السياسية والإستراتيجية، أو نقل ثقل العمل والأهمية إلى إطار إعلان دمشق، أو التسويف والمماطلة والإهمال في عقد مؤتمره، وإنجاز الوثائق الضرورية، وجذب قوى وفعاليات جديدة إليه. تشكيل تجمع اليسار الماركسي من مجموعة أحزاب وفعاليات، والنقاش الداخلي الجاد لاتخاذ موقف وموقع في الحركة والأطر السياسية السورية . ثم المبادرات الجادة من أحزاب وأطراف شيوعية متنوعة، داخل جبهة النظام ( الحزب الشيوعي السوري ـ اتجاه النور )، أو في وضع ” بينيّ ” كتيار قاسيون، أو معارضة كتجمع اليسار الماركسي، مبادرات وحوارات كحد أدنى من أجل التنسيق في المسائل المشتركة داخل الصف الشيوعي واليساري، أو من أجل وحدة الشيوعيين السوريين ووحدة عمل اليسار السوري كحد أقصى . أما النظام فهو بدوره على درجة عالية جداً من التيقظ والاستعداد والنشاط بالعلاقة مع المرحلة واحتمالاتها، يحكمه في ذلك نفس النهج والتوجهات القديمة بالعلاقة مع الداخل، احتكار كل شيء، منع النشاطات والحركة، منع تطور أي نفوذ لأي أحد أو إطار سياسي، الضبط بالردع والقمع بدلاً من السياسات التي يفترض أن تقوم على أساس الأزمة الوطنية العامة وما تفترضه من ثقافة الحوار والتعبئة في المجتمع ومع المعارضة .

لماذا تبدو التطورات في هذه المرحلة الانتقالية شبه حتمية، متسارعة، وبعضها دراماتيكي، تتجاوز بخطورتها الوحدات والأطراف الجزئية، تتجاوز الجميع إلى مستوى المسّ الخطير بالمصالح الوطنية العليا؟ لماذا تمتلك كل هذه القدرة على التأثير الشامل والتغيير؟ وتفترض بالمقابل سياسات وتحالفات وأطر ووسائل ذات طابع وضرورة موضوعية، وعلى مستوى عالٍ من العقلانية والوعي الذاتي والشعور بالمسؤولية؟

تكمن الإجابة في العوامل والأسباب التالية، وأشكال ترابطها، والتفاعلات المحتملة عن ذلك.

1 ـ إن إستراتيجية النخبة القيادية الأمريكية، على المستوى الاجتماعي- الطبقي- والمصالح الاقتصادية بكل اتجاهاتها: ديموقراطيون وجمهوريون وما يمثله كل منهما ( مع فوارق في الاستخدامات التكتيكية للوسائل المتاحة و وتائر الحركة ) بشكل خاص الإدارة القائمة، ذات إستراتيجية صلبة أو عنيدة في إعادة صياغة المنطقة، وفي الأولويات منها سوريا، نظاماً، ومجتمعاً، وقيماً، ولعباً على التركيبة الداخلية السورية الهشة، لتحويلها إلى علاقة ونظام مكوّنات، لمستقبل علاقات تبعيّ مع الكيان الصهيوني، (الوضع العراقي مثالا، وما هو مطلوب لسوريا، أو لإيران، أو لبنان، أو فلسطين لن يكون أقل مأساوية وتدميراً ) وهي حتى الآن غير مستعدة لإبداء أي مرونة للحوار والمساومة مع النظام ، على الرغم من إبدائه الكثير من الاستعداد، وتبذل كل جهد لمتابعة الضغوط، عبر التأثير على المؤسسات الدولية وانتزاع قرارات، أو عبر الأنظمة العربية الأخرى للمزيد من العزل، أو عبر التدخل المباشر في الفعل السياسي السوري الداخلي وتأمين اختراقات في القوى السياسية والاجتماعية، وترتيب الشروط للدفع به إلى حافة الهاوية، وليس مستغرباً أن تقدم الإدارة في الوقت الفعّال المتبقي لها أو الكيان الصهيوني، على عمل مباشر تجاه سوريا أو أطراف أخرى في المنطقة ( حزب الله – إيران )، تؤدي إلى سلسلة تفاعلات توصل بدورها إلى الأهداف المطلوبة في سوريا، على الرغم من الصعوبات الشديدة التي تواجهها إستراتيجية الإدارة الأمريكية في المنطقة ، ووصول الحوار والخلافات بشأنها إلى النخبة على مستوى القمة، بل حتى إلى المجتمع الأمريكي .

2 ـ إستراتيجية النظام السوري في مواجهة ذلك، والفصام الحاصل فيها، وجهه الأول: الاستعداد للمساومة بشرط أن تلحظ الإدارة مصلحته في السلطة، وتركه بدون هذه المتابعة والضغوط ليستقر، ومن جهة أخرى لحظ مصلحته في عملية تسوية مع إسرائيل لإعادة الجولان بشروط مناسبة من منظور وطني سوري عام في حدوده الدنيا، لا يستطيع أحد أن يتجاوزه بما فيهم النظام. ووجه الفصام الثاني هو الممانعة بسبب الاضطرار إلى ذلك، ورفض الإدارة لأي مساومة أو مرونة حتى الآن، بل متابعة الضغوط والتهديدات. كذلك بسبب تاريخ وحساسية المسألة الوطنية في سوريا.

بين وجهي الفصام المذكورين، يتابع النظام نهجه ومجموعة سياسات رئيسية على أكثر من صعيد واتجاه، فتبدو العلاقات التحالفية الخارجية واللعب على السياسة الخارجية، كأنها بديل للسياسات الداخلية. بالطبع هو شيء صائب أن يعقد النظام مجموعة تحالفات تقوم على أساس التناقض مع الإدارة الأمريكية وحلفائها في مثل الوضع والشروط القائمة، لكن أن يكون هذا بديلا للعلاقات والسياسات الداخلية مع المجتمع والمعارضة، المفترض أنها الحاسمة في أي أزمة وطنية، بل متابعة نهج احتكار السلطة والقمع المتنوع ومنع أي حراك، واعتبار الداخل أكثر خطورة، والامتناع عن أي إجراء قانوني أو سياسي ذي طابع ديمقراطي أو انفتاحي بالحدود الدنيا، فإن مثل هذا سيساهم بقوة في خطورة التطورات والآثار، وسيسمح للإدارة الأميركية ولكل من لديه أجندة سياسية خاصة أن يستغله، كذلك في إطار التطورات الذاتية للنظام من منظور اجتماعي ـ طبقي واقتصادي؛ البنية، وانزياح المصالح الطبقية ، الانزياح والتغير العميق في القاعدة الاجتماعية القديمة للنظام، خاصة الأعداد الهائلة من المنتسبين إلى حزب البعث، والأعداد الهائلة العاملة في مؤسسات الدولة المتضخمة، والتطورات الرأسمالية المجنونة الحاصلة في سوريا بقيادته وإشرافه، واضطراره بحكم التطورات البنيوية لتنفيذ سياسات المؤسسات الرأسمالية الدولية، أو اللعب بالتطورات الاقتصادية الداخلية على حساب الشعب، وترك سياساته القديمة في ضبط المعادلة الاقتصادية ـ الاجتماعية وردود الفعل الانفجارية المحتملة ووضع كل ذلك في إطار المساومة السياسية مع العالم الخارجي، وأنه على استعداد أيضاً لتنفيذ سياسات اقتصادية تخلق الشروط الأكثر ملاءمة للتطورات الليبرالية الاقتصادية المتوحشة في سوريا.

إن الإسراع والركض للتخلي النهائي عن سياسات الدعم والخدمات وجنون الأسعار الذي انطلق، ولن يستطع أحد وقفه عند حد، كل ذلك سيساهم أيضاً في خلق تطورات دراماتيكية خطرة: مجتمع وشعب تزداد شروطهما بكليتها صعوبة، بدون حريات، بدون قدرة على التعبئة والتنظيم، مع هشاشة اجتماعية عالية، تراكمت على مدى طويل من سياسات العزل والردع ومنع أي حراك، كل هذا يمثل أيضاً شرطاً ملائماً جداً لاستغلاله من قبل الإدارة الأميركية، أو أي عامل خارجي تدخليّ

3 ـ في هذا الصراع، تكاد تغيب القوى الأخرى الفاعلة، أو يكاد يغيب تأثيرها في المجتمع السوري، أولاً وأساساً بحكم طبيعة النظام، احتكار السلطة ومنع الحراك بالقمع المعمم، وثانياً بسبب تعقيدات الشرط السوري تاريخياً بين الوضع الاجتماعي والوطني، وجدلهما على المسألة الديموقراطية، ثم اختلاف الاجتهادات ووجهات النظر على ذلك ومسؤولية القوى الوطنية والديمقراطية عن أخطائها في الأساس، أو استمرار سياساتها الخاطئة، وانقسامها على ذاتها انقسامات حادة بين جبهة النظام والمعارضة، أمّا الوضع داخل صفوف المعارضة فيمكن وصفه بأنه ممزق أيضا بين أطر مختلفة، وداخل تلك الأطر هناك خلافات حقيقية، وعلى الرغم من الأشواط التي قطعت ديمقراطياً لضبط ذلك بمبادئ ووثائق وتعهدات، إلاّ أن الخلافات تتقدم وتجري عملية انسحاب من الاتفاقات والوثائق، ربما أيضا بسبب تعقيد الشرط السوري في المسائل الأساسية، ووصول البعض إلى قناعة عميقة أن أي تغيير غير ممكن في سوريا بشروطها الداخلية فحسب، فالنظام قد أغلق ذلك ولا بد من دور حاسم للعامل الخارجي بصورة أو بأخرى، لكن هذا الأمر يؤكد مسؤولية المعارضة في عدم ضبط خلافاتها، أو عدم التزام بعض أطرافها بالاتفاقات التي وقّعت عليها، أو عدم إثبات هذه الأطراف ومن ثم المعارضة بالملموس أنها طوّرت بنيتها وثقافتها الديمقراطية وتجاوزت النظام وجبهته، إنها مسؤوليتها في غياب التحديد الواضح والدقيق لمهماتها وبرنامجها ووسائلها، وبشكل خاص مفهوم التغيير الديمقراطي التدريجي السلمي الآمن، وتحديد الأخطار الداخلية والخارجية بوضوح، هذا الوضع سيعمق الخلافات والشروخ ويرفع من مستوى مسؤولية المعارضة في عدم تحولها إلى قوة قادرة على لعب دور أولي في مواجهة خطر التطورات المحتملة.

* بعد ذلك كله: أين تتركز المعارك الأساسية في الوطن السوري، ما هي عناوينها، كيف تستقطب النخب والقوى والفعاليات عليها، وما هي الاحتمالات الحركية في ذلك؟

أولا- في الحقل الديمقراطي والحريات ومحتوى وشكل النظام السياسي المطلوب للمجتمع السوري، عملية التغيير الديموقراطي وكل ما يتعلق بها من العامل الخارجي إلى المعاني الفعلية للتعابير والمصطلحات: تدريجي، سلمي، آمن، الخ.. البعض يرى المهمة المركزية هنا، بل مجموع قوى وإطارات المعارضة ترى ذلك، ولا توجد خلافات على هذا الصعيد، لكن البعض يرى فيها مهمة وحيدة حتى تتحقق، والمطلوب صب الجهود فقط من أجلها، وأي حديث آخر عن مهمات أخرى ، يفترضه شيئا يصب في خندق النظام، والبعض يراها مهمة مركزية وضرورية بحد ذاتها، كما أنها ضرورية ومفتاحية لمواجهة كل التحديات والمخاطر والتطورات المحتملة، وهي خاضعة للشروط، قد تتقدم أو تتأخر في إمكانية التحقق، وقد تحصل انزياحات في المهمات والضرورات، خاصة على صعيد المسألة الوطنية، أو المسألة الاجتماعية، ليس هذا فحسب، بل بحكم المسارات الزمنية للوقائع، فإن المسألة الديموقراطية لن تتحقق غداً أو بعد غد، مما يجعل من المسألة الوطنية قضية واقعة على عاتق المعارضة، وتفترض تحديداً للموقف من الأطراف الخارجية، خاصة الولايات المتحدة عبر نظامها بصفتها خطراً حقيقياً، فأجندتها السياسية وكامل ممارساتها في المنطقة تتسبب بمخاطر شديدة على الوحدة المجتمعية والوطنية، وعلى كامل مستقبل العلاقة الصراعية مع الكيان الصهيوني.

ثانياً – في الحقل الوطني والنظر إلى الخطر الخارجي بصفته يحدد المهمة المركزية، والبعض يرى أيضاً ضرورة صب كل الجهود لمواجهة هذا الخطر، وأي جهد أو رؤية أخرى مثلاً في المسألة الديموقراطية يراه يصب في الخندق الأمريكي أو الخندق الليبرالي الجديد، وهنا تحاول القوى الشيوعية الواقعة تاريخياً داخل جبهة النظام، أو تلك البينية، أن تتميز بالمطالبة بتحسين الشرط السياسي الديموقراطي، لتحسين الشروط من أجل مواجهة الخطر الخارجي، كذلك الشروط الاجتماعية والاقتصادية للطبقات الشعبية، دون أن ترى المهمة المركزية في الحقل الديموقراطي، أو دون أن ترى فيها شيئاً مفتاحياً .

ثالثا – في الحقل الاجتماعي حيث يتفرد الشيوعيون واليساريون القوميون بالاهتمام وإبداء التخوفات من التطورات الجارية ومستقبلها، التخوف بشكل خاص من التغول والتوحش في التطور الرأسمالي السوري الذي يقوده النظام، أو يندفع إليه موضوعياً وذاتياً، كما يقوم احتمال طرحه من جهة النظام للمساومة السياسية على حساب المجتمع والطبقات الشعبية، إذ في حقيقة الأمر يبدو لأي مراقب ـ حتى غير مدقق ـ بأن النظام قد أنجز الأرضية شبه الكاملة والفعلية للتطورات الليبرالية الاقتصادية المتوحشة، بحيث يجعل المرء يتساءل فيما إذا كانت نخبة “الليبراليين الجدد” في سوريا تعرف ذلك أم لا! وفي حال قيام مساومة بين الولايات المتحدة والنظام، فهل سيمتدحون أو سيدافعون عن الفئات الرأسمالية التي خلقها النظام، أو يتحولون لطليعة في خدمتها، أو أنهم في حقيقة الأمر هم كذلك حتى بدون قيام هذه المساومة، أليست هذه أهم الحقائق الطبقية والاقتصادية والاجتماعية، وإن كانت المسألة ثقافية وفكرية وسياسية وتتعلق حصراً بالوجه الديموقراطي، أليس بإمكان المرء أن يكون ديموقراطياً دون أن يكون رأسمالياً، أو طليعة للرأسمالية، خاصة من كان منهم في موقع اليسار حتى البارحة، أو لا يزال يدّعي ذلك !

** من يطّلع على تقارير وبيانات القوى الشيوعية في جبهة النظام يستطيع التأكد من تخوفاتهم الاقتصادية والاجتماعية التي تسبب وسيتسبب بها النظام، تخوفاتهم من كامل الإنجاز الاقتصادي وكيفية تأثيره في تمهيد الأرض، بل التقدم الفعلي للنفوذ الليبرالي الخارجي والداخلي. بل هناك تخوفات وحسابات أنه ربما حانت اللحظة الذاتية من جهة النظام ليقول لهم: لا يمكن تحملكم بعد الآن على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، لأن الشروط الموضوعية لمثل هذه اللحظة قطعت شوطاً طويلا جداً وعميقاً.

في تلك الشروط أو اللوحة المعقدة والمتحركة، بينما يعبر الوطن مرحلة انتقالية من التطورات، نعتقد فيها أن النظام سيحافظ على نهجه وسياساته العامة خاصة مع إصرار الإدارة على رفض المساومة، كما نعتقد أن الاتجاه الليبرالي ـ الاقتصادي وليس بالضرورة الديموقراطي- الوطني، سيصبح أكثر وضوحاً، أو أقل نفاقاً فيما يتعلق بالعامل الخارجي السياسي، وسيتخلى بعضه عن الاتفاقات التي عقدها بهذا الخصوص داخل أطر المعارضة، بشكل خاص مع احتدام التطورات، كما ستجد القوى الشيوعية واليسارية نفسها أمام وقائع موضوعية صريحة واضحة، تسمح لها بالبحث الجاد عن التقاطعات الفعلية على الأرض، على الأقل في الحقل الاجتماعي الطبقي، أو الحقل الوطني، وبعض المطالب الديموقراطية الجزئية. وكلما تقدم الخطر الخارجي، وخطر التحولات الاجتماعية الرأسمالية ( أو بالأصح الليبرالية )، ستجد نفسها أكثر فأكثر مضطرة للبحث عن إطار مشترك ( تجمع اليسار الماركسي ” تيم” كمثال )، على الرغم من إمكانية استمرار الإطارات الأخرى، والتواجد غير الثابت للقوى المختلفة داخلها، أو تواجدها في أكثر من إطار إما بسبب عدم اندفاع التطورات إلى نهاياتها، أو بسبب الحسابات التكتيكية واللعب السياسي السوري الموارب لبعض القوى، أو بسبب استمرار النظام بنهج القمع والرهابات التي يخلقها…

هذه قراءة ترى أن العمل على الحوار والتنسيق المشترك وصولاً إلى وحدة عمل اليسار على أكثر من صعيد، هو شيء له أساس موضوعي واضح وعميق، وأن المبادرات التي صدرت عن أكثر من جهة شيوعية حول الحوار والتنسيق، وإعادة الحياة لشعار وحدة الشيوعيين، ووحدة عمل اليسار، ليس شيئاً فانتازياً، بل شيئاً يقوم على الضرورة، لكن بين الضروريّ والممكن وبين الواقع الفعلي تعقيدات كثيرة ومسافة قد تكون طويلة، المهم فيها هو الخطوة العملية الأولى. فهل ننجح بها ؟

2-

– في الشروط الذاتية، وإمكانيات التحقق

حتى ولو خلصنا إلى أن كلا الشعارين حاجة وضرورة موضوعية ، وليس شيئا للفانتازيا، وأن مرحلة الانتقال الخطرة و المتسارعة، التي يمر بها الوطن السوري، قد هيأت و تهيئ الشروط الأساسية لذلك، من حيث تقدم ووضوح المهام المشتركة، وبروز دلالات على تطورات شاملة، طالت الأحزاب والإطارات والنخب السورية بمجملها، فهل يكون هذا كافيا لتحقق الشعارين، أو حتى للبدء به ؟ بالطبع لا . ليس هذا فحسب، فكم من فرص موضوعية ” وتاريخية ” بدت ناضجة ومهيأة، عجزت بدورها الشروط الذاتية عن الاستفادة منها وتحويلها إلى فعل إيجابي حي، وفي أحيان عديدة ربما ساهمت في تدميرها، وينطبق هذا بصورة خاصة على تاريخ الحركة الشيوعية واليسار السوري، فما هي حقائق الوضع الذاتي ؟ ما هي وجوهه السلبية والايجابية؟ وكيف بالإمكان الانطلاق إلى الخطوة الأولى ؟

الوجوه السلبية في حقيقة الشروط الذاتية :

1 ـ التناقض الشديد بين الفكر والأسس التي يفترض أنها تحكم وتوجه منهجية وممارسات تلك القوى، وبين الحقائق القائمة على الأرض. فالمبدأ الأساسي المعتمد ( حسب ادعاءات كل الأطراف ) في قضايا الاندماج ومشاريع التوحيد، وكل أشكال وسويات التنسيق فيما بينها هو المهام والمطالب المشتركة في الميادين المختلفة، السياسة وقضايا الديموقراطية، القضايا الوطنية، الاجتماع والاقتصاد والوضع المعيشي للطبقات الشعبية، مواجهة الأعداء الطبقيين في الداخل ( الرأسماليين ) وفي الخارج ( الامبرياليين )، مع اعتبار المهمة المركزية، أو الأساسية، أو المفتاحية، بحسب التسمية، هي المعيار الأول أو الحاسم في ذلك . على الرغم من هذا الادعاء، والاتفاق البرنامجي والسياسي على المهمة المركزية ومهام أخرى عديدة، أو شاملة، كان الطابع العام داخل صفوف الحزب الشيوعي السوري، طابعا انشقاقيا، طابعا غير توحيدي وغير تنسيقي حتى زمن قريب جدا، آخره مجموعة ( قاسيون) في سلسلة طويلة: انشقاق الثلاثي عن المكتب السياسي، ثم مجموعة الرفيق يوسف نمر، ثم منظمات القاعدة عن الحزب الأم، ثم اتجاه ( النور ). والأمر لم يكن أقل سلبية أبدا في صفوف القوى المعارضة، فلم تعرف أي عملية اندماج أو حتى تنسيق بحده الأدنى بين الحزب الشيوعي السوري ـ المكتب السياسي ـ وحزب العمل الشيوعي، على الرغم من المبادرات العديدة التي تقدم بها حزب العمل، والأمر لم يختلف بأي مستوى حتى داخل المعتقلات!

ليس هذا فحسب ، بل مّد هذا النهج والتاريخ نفسه، إلى إطار التجمع الوطني الديموقراطي، كتجمع واسع لليسار كما هو مفترض ،حيث استخدم الطرف الشيوعي الوحيد بالاسم صراحة فيه ( المكتب السياسي )، حق الفيتو في مشاورات تشكيل التجمع ، ولاحقا بعد قيامه ، ضد حزب العمل الشيوعي (بحسب تصريحات كل أطراف التجمع الأخرى لحزب العمل )، ليس هذا فحسب، بل جرى ويجري العمل على تهميش دور هذ ليس هذا فحسب، بل مّد هذا النهج والتاريخ نفسه، إلى إطار التجمع الوطني الديموقراطي، كتجمع واسع لليسار كما هو مفترض ،حيث استخدم الطرف الشيوعي الوحيد بالاسم صراحة فيه ( المكتب السياسي )، حق الفيتو في مشاورات تشكيل التجمع ، ولاحقا بعد قيامه ، ضد حزب العمل الشيوعي (بحسب تصريحات كل أطراف التجمع الأخرى لحزب العمل )، ليس هذا فحسب، بل جرى ويجري العمل على تهميش دور هذا الإطار التحالفي لصالح إطارات أخرى ، فعلى مدى سنوات يتلقى هذا الإطار وبعض من قيادته النقد التجريحي من أهم قياديي حزب المكتب السياسي، أو حزب الشعب لاحقا( وهذا موّثق في العديد من وسائل الإعلام)، كما أبطلت ” القيادة التاريخية ” لحزب ـ المكتب السياسي ـ قبل تحولاته الأخيرة الفكرية والسياسية بزمن طويل ، مشروعا لتحويل التجمع الوطني الديموقراطي بجماعه إلى حالة أرقى من تجمع وباتجاه حزب موّحد ، بحجة ضرورة التميز الحزبي ” الشيوعي ” !؟ ( معلومات من داخل صفوف التجمع ، كما وردت في العديد من وسائل الإعلام ، أهمها ما ورد في مقال كتب قبل أكثر من ست سنوات للسيد شمس كيلاني ) .

2 ـ على الرغم من غياب التطابق بين الادعاء المنهجي وبين الممارسة في صفي القوى المعنية ( موالية للنظام ومعارضة له ) إلا أن الخلاف على أولوية المهام السياسية ، وما تفترضه من مواقف وتحالفات ، قد خلقت خندقا عميقا بين الاتجاهين ، ولا يزال يمثل واحدا من العقبات الأساسية في أي اختراق ايجابي ممكن مستقبلا.

3 ـ ذلك الخلاف ، أو الانشقاق الأساسي في وسط القوى الشيوعية واليسارية ، عمل على إيجاد إطارات تحالفية وتفسيرات ، أو مبررات ، أو تسويغات لها ، مما يجعل قيام اختراقات متجاوزة داخلها أمرا معقدا ،أو صعبا ، أو مسببا للحرج السياسي ، وضرورة إجراء حسابات معقدة . 4 – كما أن ذلك الخلاف ، أو الخندق الفاصل قد خلق عبر تاريخ طويل روحية خاصة في العمل السياسي ، فخلق حساسية في صف المعارضين تجاه النظام والاستبداد والديكتاتورية ، والقمع الشديد الذي مارسته السلطة عليهم وعلى بعض فصائلهم بصورة متميزة ، مع غياب تاريخي لأي موقف تضامني ولو بحده الأدنى من قبل الموالاة . فخلق هذا مع أشياء أخرى غيره مرارات ، وعمّق الخندق .

5 ـ لكن ،وعلى الرغم مما يفترض أنه يجمع المعارضين ، فمرارات مشابهة ، بل ربما أكثر سوءا قد وصلت صفوفهم ، فالباحث المدقق مثلا ، لن يستطيع أن يرى أي دفاع تضامني في أدبيات الحزب الشيوعي السوري ـ المكتب السياسي عن حزب العمل الشيوعي والقمع الشديد والاعتقالات الطويلة التي وقعت على الآلاف من مناضليه ، على عكس ما سيجد في أدبيات حزب العمل الشيوعي ومذكراته المركزية لمنظمات حقوق الإنسان بهذا الخصوص ، كما يمكن التأكيد أن بعضا من القيادة التاريخية للمكتب السياسي ، أو حزب الشعب لاحقا لم تقم بأي زيارة لأي سجين أطلق سراحه من حزب العمل ، ولم تتضامن مع بعضهم في المحاكمات التي تعرضوا لها

مع تأكيد معاكس بأن مثل هذا لم يكن نهجا عند مجموع قياديي أو رفاق حزب العمل .

6 ـ الأوضاع الداخلية الذاتية لغالبية هذه الأحزاب غير مستقرة، فتناقضات البنية ، والفكر السياسي ، ومستوى الاستعداد لعمليات التنسيق ، كلها ساهمت في غياب الاستقرار، وخلقت انشقاقات ،مما ساهم في التأثير السلبي على مستوى الإرادة والقرار السياسي والحزبي ، والأولوية فيما يتعلق بقضايا الاندماج والتنسيق المشترك .

7 ـ إن مآلات البنية الداخلية لغالبية هذه القوى ، وتحولها إلى تركيبات غير ديموقراطية ، تحت تأثير الفكر السياسي المعتمد، وتأثيرات التربية ، والدور السلبي لطواقم القيادات التاريخية ، كل ذلك لم يخلق أي تاريخ جاد للحوار الفكري والسياسي ، وخلق بالمقابل عقلا أتهاميا وتصفويا ، خلق وضعيات انتفاخ ، وتوحدا على الأنا الصائبة دائما، بينما الآخر مخطئ على طول الخط ، وخلق حالات عبادة وتقديس للقيادة التاريخية ، حتى بعد كل انشقاق . وبدلا من النهج والعقل والبنية والتاريخ الديموقراطي، وروح التعايش والاندماج مع الاختلاف ، سادت روح التصفية والتشطيب على الآخر، والانشقاق ، وسادت الروح الكواليسية ومفهوم المجالس الآمنة والثرثرة على الغائب (بالتغاضي أحيانا عمن هو الغائب) ووصلت الاتهامات والشكوك حدودا لا أخلاقية في الكثير جدا من الحالات ،ولم تتوقف عند حدود الانقسام بين معارضة وموالاة ، بل أساسا داخل الصف الواحد ، وكان الاتهام مثلا ،بالعمالة للامبريالية أو للنظام أو للمخابرات ـ أي جهاز مخابرات ـ بمثابة الشهيق العادي ( هناك تفاصيل ووقائع مخزية على هذا الصعيد ، داخل صفوف الموالاة ، وداخل المطبخ الواحد في أي صف ، كما داخل صفوف القوى المعارضة وربما كانت هنا أكثر خزيا ولا أخلاقية) .

بعض الحقائق والوجوه الايجابية على الصعيد الذاتي :

ملاحظة : إن التطورات الدراماتيكية والعميقة على الصعيد العالمي ، هزيمة الاشتراكية المتحققة بسقوط المنظومة السوفييتية ، وانتصار الرأسمالية ، خلق بدوره وفرض تغييرات وانزياحات مختلفة ، وهذا شمل القوى الشيوعية واليسارية في الوطن السوري ، فبعضها غدا أقل قمعية وتصفوية ، وأكثر استعدادا للتعايش مع الاختلاف ، وبعضها استبدل الفكر والبرنامج الاجتماعي والطبقي بنقيضه.. الخ ، وخلق هذا بدوره وقائع تنظيمية وفكرية وسياسية جديدة ، لعبت وستلعب دورا ايجابيا أيضا .

1 ـ من أهم العوامل الايجابية وجود بنية فكرية وتربية خاصة ، بوصلتهما الأساسية الدفاع عن مصالح قوى صف العمل والطبقات المضطهدة ،في مواجهة صف قوى الرأسمال ، وحليفه العضوي ـ الامبريالية ـ

2 ـ وجود تركيبة وطنية نظيفة ، صريحة وواضحة في انتمائها الوطني ، واعية لضرورة إبقاء التطورات في الحقل الديموقراطي والوطني العام داخلية في الجوهر ، بمعنى آخر، هي مدركة لحدود المخاطر الخارجية واستراتيجيات التدخل الخارجي ، خاصة الأمريكي . ليس بصفته شيئا امبرياليا معاديا على طول الخط ، بل بصفته شيئا مؤثرا بصورة سلبية جدا على المسار الديموقراطي ، وعلى الوحدة الوطنية ، وعلى السلم الأهلي والوطني ، دروس الساحات المجاورة تكذب أي ادعاء مخالف .

3 ـ مجموعها عموما ، ينظر بحساسية متقاربة ، أو متشابهة لأهمية المسألة الوطنية ، بخاصة احتلال الجولان والأراضي الأخرى ، والانعكاسات الوطنية سورياً للقضايا القومية المحيطة ، مع الاختلاف في النهج والوسائل والتحالفات ، في حالتي المعارضة والموالاة .

4 ـ في التاريخ الماضي البعيد ، والقريب بخاصة ، حصلت اختراقات لما بدا مستحيلا ، ووقائع عديدة ايجابية، ستشكل “التراكم الأولي ” في تحقق الخطوة الأولى ، وبعض أهم هذه الوقائع :

ـ قبول الحزب الشيوعي السوري ( بكداش ـ فيصل ) قبل انشقاقه ، بعملية الحوار العلني مع حزب العمل الشيوعي ، بعد إطلاق سراح معتقليه في شباط 1980 وشروط الصراع بين النظام والحركة الدينية، بقي ذلك الحوار طويلا ، ومّثل ذلك شيئا ايجابيا على الرغم من اعتباره من جهة الحزب الشيوعي السوري غير رسمي ، وأنه يجري على مسؤولية بعض القياديين في المكتب السياسي ( الرفيق يوسف فيصل والكادر المقرب منه ) ، إذ عرفنا بهذه الحقيقة من فترة قريبة .

ـ عملية عودة واندماج منظمات القاعدة ، واتجاه الرفيق يوسف نمر،ومجموعات أخرى ، إلى صفوف اتجاه الرفيق يوسف فيصل ( النور لاحقا ) وتحولهم إلى إطار واحد .

ـ قبول اتجاه ( النور ) بالتضامن الجزئي مع معتقلي حزب العمل الشيوعي ، أثناء محاكماتهم أمام محكمة أمن الدولة ، وذلك على إثر مراسلة من داخل المعتقل ، حاول فيها بعض قياديي حزب العمل خلق جبهة تضامن سياسي وحقوقي ، والرسالة لقيادة الحزب الشيوعي السوري ( اتجاه فيصل ) ركّزت على ضرورة التضامن دفاعا عن الشيوعية بسبب العداء الصريح لها ، والذي كان ينز من تفصيلات المحاكمة ، وكذلك التضامن من أجل الديموقراطية ،( نرجو أن تصبح الشروط مناسبة لنشر مثل هذه الحقائق ) ، أمّا اتجاه بكداش فإنه رفض حتى استقبال الوسيط ، بقي أمينا لتحالفاته ؟! أمّا السيد المرحوم قنوت ، فيقال بأنه بكى عندما اطلع على الأمر ، واعترف بأنه عاجز عن التضامن ؟!

ـ هناك جديد في خطاب العديد من الأطراف المنشقة عن الحزب الشيوعي الرسمي ، وذلك بالاعتراف أن هناك فصائل وأحزاب شيوعية غير تلك التي جاءت من حزبهم الأم ، ذلك على الرغم من التركيز في نداءاتهم ومشاريعهم ومفاهيمهم الاندماجية والتوحيدية ، على الأطراف المنشقة عن الحزب الأم ، بعد شمول الدعوة لكل الفصائل من أي اتجاه .

ـ صار شعار وحدة الشيوعيين السوريين ، ووحدة عمل اليسار السوري شيئا هاما ومؤثرا في العمل السياسي والنشاط الشيوعي واليساري ، وذلك بالتغاضي عن حدود الجدية ، أو الأهداف المتعددة المتوخاة من استخدام ، أو طرح الشعار . اتجاه قاسيون طرح الشعار، وطرح ما يشبه المبادرة وبعض التصورات العملية ، وقبل حزب العمل بالفكرة ، وجرت حوارات هامة بين الفصيلين من أجل ذلك ، اتجاه النور طرح ذلك وعلى طريقه حاول القيام بعمليات حوار وتنسيق مع قياديين في حزب العمل الشيوعي ، وليس علاقات رسمية مع الحزب بسبب الحرج السياسي التحالفي مع النظام ، فرفض حزب العمل ذلك تماما من سنوات ، لكن أخيرا تقدم اتجاه النور خطوات جادة آخرها وعوده بالقيام بخطوات عملية لمبادرته وشعاره حول وحدة الشيوعيين السوريين ،كذلك توجيهه دعوة رسمية لحزب العمل الشيوعي لحضور احتفالات الذكرى 83 لولادة الحزب الشيوعي السوري .

ـ ولادة تجمع اليسار الماركسي ( تيم ) وطرحه لشعار حزب يساري ماركسي جديد ، كذلك طرحه وسعيه الجاد لتحقيق شعار التنسيق النضالي بين الأطراف الشيوعية واليسارية في القضايا المشتركة .

ـ بعد ذلك بفترة قصيرة عاد اتجاه قاسيون وطرح مشروعا لتشكيل هيأة من كل الأطراف للحوار والتنسيق في شعار وحدة الشيوعيين ،وعلى الرغم من موقف اتجاه قاسيون الخاطئ كليا فيما يتعلق بفرض شروط للحوار ، أو الانضمام إلى صفوف تيم ، تمثلت بانسحاب الأطراف الموجودة من داخل تيم في إطار إعلان دمشق ، على الرغم من هذا الخطأ ، وتذكيرنا بالعقلية القديمة القمعية ، والتصفوية ، إلاّ أن موقف تيم ، وموقف حزب العمل الشيوعي كان خاطئا ، إذ كان يجب القبول بالمبادرة فورا ،دون الدخول مسبقا بحوارات منهجية ، وحوارات تنبش الماضي وموقف ونوايا اتجاه قاسيون ، أو قيادته في مشاريع مشابهة سابقا ، يجب الوصول إلى الطاولة ، وعند ذلك تنكشف المناهج والنوايا والأهداف ..الخ .

ـ أخيرا وعلى صعيد اليسار ، نعتقد أن حزب الاتحاد الاشتراكي بصورة خاصة ، غدا على وعي ومعرفة أكثر دقة بمجموع القوى التي كانت مصنفة يسارية ، معرفة بنهجها وتوجهاتها ، ودقة أكثر بحقائق إطارات المعارضة السورية وعلى رأسها التجمع الوطني الديموقراطي الذي كان الاتحاد الاشتراكي تاريخيا داخله ،حريصا جدا على وحدة العمل ، وعلى الشركاء وتحمل الكثير من الإساءات التي لحقته من بعضهم ، الحزب الذي يتحلى بوضع ديموقراطي داخلي متطور، مقارنة بالعديد من قوى المعارضة ، ويتحلى بخبرة طويلة وعقلانية بمفهوم المعارضة والتحالفات ، كل ذلك سيجعله يراجع نفسه بصورة شاملة ، وربما يدفعه إلى مفاهيم ووقائع جديدة ودور جديد بارز بخصوص وحدة عمل اليسار السوري والتحالفات عموما .

ـ من المؤسف أننا لا نستطيع حتى الآن إيراد أي شيء ايجابي من جهة فصيل ( صوت الشعب ـ بكداش ) لا من التاريخ القديم ، ولا الحديث ، بل على العكس من ذلك ، لا تزال قيادته مصرة على خطاب ومفاهيم قديمة متخشبة ، مصرة على حالة موميائية ، والأكثر سوءا أنها لا تزال تستغل بعض الحالات الرفاقية القديمة من حزب العمل للتهويش عليه والكذب بخصوص تاريخه ، وتاريخ بعض قيادييه ، حولتهم بذلك ، أو ربما حولوا أنفسهم من صقور محلقة تستطيع كل أشكال الطيران ضد الرأسمالية والديكتاتورية والقمع ، إلى دجاجات بالكاد ترفرف فوق الأرض ، وتوقوق حتى بدون بيض ، وتعرف أن قيادتها البكداشية ، لا تجرؤ حتى على نشر أي رد في نفس الوسيلة التي ينشر فيها الحوار ، أو الكذب والتهويش ، ونرجو من مجموع الرفاق ، وخاصة القواعد في هذا الحزب، ممارسة دورها لتجاوز هذه الحالة الموميائية ، والعمل الجاد على شعار وحدة الشيوعيين السوريين .

الخطوة الأولى .. إمكانية التحقق ؟

باختصار شديد ، وبدون فذلكة ، الخطوة الأولى هي اللقاء الأول بتلبية أي دعوة من أي جهة جاءت ، الآن هناك مبادرات ومشاريع دعوات ذات طابع أكثر من نظري أو تأملي بقليل ، لمن سيكون السبق في الفعل الحي ؟ لمن سيكون السبق في الخطوة الأولى الجادة في مسار وحدة الشيوعيين السوريين ووحدة عمل اليسار السوري ؟ تيم طرح مشروعا عمليا جادا ، بقي أن تستجيب بقية الأطراف ، فصيل النور وعد بخطوات عملية وكأنه كان يرد على دعوة وخطاب الرفيق خالد حدادة في الذكرى الثالثة والثمانين ، حول ضرورة وأهمية وحدة الشيوعيين ، و فصيل قاسيون لديه مبادرته الخاصة ، مع اعتقادنا بضرورة تخلصه من الاشتراطات التي طرحها ، فتيم ، أو حزب العمل لم يطرحا على قاسيون أي اشتراط ، يتعلق خاصة بالموقف من السلطة ، ترك كل ذلك للحوارات بعد الخطوة الأولى ، والتي ببدئها يصبح على الجميع حمايتها وتطويرها ، وفي حينه لن يخجل ، ولن يخاف أحد من طرح كل الخلافات ، أو إمكانية التغلب عليها والسير معا بخطوات التنسيق الممكنة . وفي هذا السياق يستطيع الاتحاد الاشتراكي لعب دور جديد كبير بمفهوم التنسيق في وحدة عمل اليسار السوري . هل الخطوة الأولى قريبة ؟ وهل الشروط الذاتية في محصلتها التي حددناها تستطيع التفاعل مع الشروط الموضوعية المهيأة وإنجاز الخطوة الأولى ؟ بين الأمل والخوف يتأرجح تفاؤلي وتتأرجح قراءتي ، والمشكلة هي في تأرجح كامل الشرط الذاتي !اعملوا على إنهاء هذا التأرجح وستتحقق الخطوة الأولى .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى