الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالمهوشنك أوسي

عن إيران وثورتها ونظامها ومعارضتها

هوشنك أوسي
بعد مرور ثلاثة عقودٍ عليها، من المفترض أن تكون الثورة الخمينيّة في إيران، قد تجاوزت سن الرشد، واكتمل نضجها. وليس كشفاً عظيماً القول: إنَّ “الثورة”، قد باشرت مرحلة قطف الثمار. وأبرز ثمرتين قطفتهما إيران الخيمنيَّة، هما انهيار نظام “طالبان” في أفغانستان، ونظام صدّام حسين، في العراق. وفي كلتا الحالين، تداخلت وتشابكت مصالح دولة “ولاية الفقيه” مع إمبراطوريَّة “الشيطان الأكبر”، ما استدعى فتح قنوات ارتباط، وتبادل الخدمات، غير المجَّانيَّة بين الطرفين!. وليس سرَّاً القول: إنَّ حدود إيران، صارت تجاور إسرائيل، عبر “حزب الله” اللبناني، وحركة “حماس” الفلسطينيَّة!. وليس سرَّاً أيضاً القول، إنَّ إيران، تترصَّد للرياض من اليمن والبحرين والكويت والعراق!. وإنَّ دمشق صارت في جيب طهران الأيمن، وبغداد في جيبها الأيسر، وعينها على القاهرة!. وعليه، هل من المجازفة القول: إنَّ الجدار الفولاذي الذي تنوي مصر إنشاءه، هو في مواجهة إيران، وليس لحصار غزّة، كما يسوّق ويروّج له!.
بامتلاكها النووي، يكون قد اكتمل نصاب أسلحتها غير التقليديَّة، إلى جانب النفط والغاز، والورقة الطائفيَّة _ الشيعيَّة التي تجيد تحريكها طهران، كي تقلب الطاولة على واشنطن وتل أبيب وأنقرة في الشرق الأوسط!. لكن، “الثورة” الخمينيَّة، وهي تدخل عامها الحادي والثلاثين، تخيّم عليها أجواء خريفٍ مبكِّر، أو شيخوخة مبكِّرة. تدخل عامها الحادي والثلاثين، وهي أعمق وأشدّ انتقساماً. فالنظام الإيراني الآن، ما أشبهه بنظام الشاه، إبان قيام الثورة عليه. وإذا كان شعار؛ “الموت للدكتاور” يُقال في الشاه، نهاية 1979، فإنَّه يُقال الآن في علي خامنئي، نهاية 2009!. وهذا ما أشار إليه، المعارض الإصلاحي، وأحد أقطاب الثورة السابقين، والرئيس السابق للبرلمان الإيراني، مهدي كرّوبي، في تعليقه على أحداث الاحد الدامي، يوم عاشوراء 25/12/2009!.
ليس من المستبعد أن يسحق محور خامنئي _ نجاد، الحركة الإصلاحيّة. لكن هذا المحور، يكون ساهم بذلك السحق، في غرس جذور المعارضة في التربة السياسيَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة والنفسيَّة الإيرانيَّة عميقاً عميقاً. لقد بلغ الغرور والاستكبار بمحافظي طهران، مبلغ الصانع لأعدائه الخارجيين والداخليين!. فالإصلاحيون، اليوم، لا زالوا يعتبرون أنفسهم تلاميذ الخميني، ومن أنصار “الثورة الإسلاميَّة”. ويعتبرون أن “الثورة” قد انحرفت عن جادّتها، وفلسفتها. ويدَّعون؛ أنَّهم يريدون تخليصها من الدوغما والتحجُّر واليباس السياسي والفكري، ويعيدون إليها الحيويّة، بتحديثها وإصلاحها…الخ. لكن، زيادة منسوب القمع الوحشي الذي يمارسه المحافظون “الخامنئيون والنجاديون” على الحركة الإصلاحيّة، سيزيد من تطرّف الحركة الإصلاحيّة، وربما خروجها من دائرة الخمينيّة، وتبرُّها من 30 سنة من المشاركة والدعم، لما كانوا يظنونه “ثورة المستضعفين” في الأرض!.
المعارضة الإيرانيّة في الخارج، شبه مشلولة. فصائلها الكرديّة، المتمثّلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني، وحزب كوملة، يقوم الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة الرئيس العراقي الحالي، جلال طالباني، بلجم وتقويض نشاطيهما العسكري والسياسي، نزولاً عن رغبة، وبل أوامر طهران. وتتكفّل حكومة نوري المالكي، بمحاصرة وتقويض ونسف منظمة “مجاهدي خلق”، أيضاً نزولاً عند أوامر وتعليمات خامنئي!.
حزب الحياة الحرّة الكردستاني PJAK، توقّف عن نشاطه العسكري بشكل مفاجئ، وغير متوقّع، ضدّ إيران، لأسباب غير معروفة!.
عرب الأهواز، السنّة، لا يلقون أيّ دعم من الدول العربيّة، بنفس القدر الذي تقوم به طهران بدعم الحركات الإسلاميَّة الشيعيّة في البلاد العربيّة كـ”حزب الله” اللبناني، “حركة الحوثيين” في اليمن، “الجهاد الإسلامي”، الذي يغلب عليه الصبغة الشيعيّة، في فلسطين. ناهيكم عن دعمها للحركات السنيَّة العربيّة، كحركة “حماس” في فلسطين.
وعليه، فالمعارضة المتناميّة والنشطة حاليّاً في إيران، هي داخليّة، وشعبيّة، وأكثر جماهيريّة، وذات صبغة وطنيّة، وغير مدعومة من الخارج. ولا زالت تعوّل على تغيير النظام لسياساته. ولا تسعى للتنسيق مع الفصائل المعارضة الأخرى، لتكشيل جبهة معارضة اوسع، اكثر تنظيماً، وذات برنامج واضح، يمكن أن يكون نسخة معدَّلة لتحالفات الخميني مع الليبراليين واليساريين والقوميين الديمقراطيين، والأكراد، والعرب، والسنّة…، إبان “ثورته” على نظام الشاه سنة 1979. دون أن تتكرر في هذه الجبهة المفترضة، ما يشبه مؤامرة الخميني في الالتفاف على شركائه في الثورة، وتصفيتهم تباعاً، والانفراد بالسلطة. وفي حال، عدم وجود هكذا برنامج أو سيناريو ومخطط بين المعارضة الإيرانيّة في الداخل والخارج، يستحيل على الحركة الإصلاحيّة “الخضراء”، أن تجبر النظام الإيراني الكالح، على التغيير، نهايكم عن استحالة طرح هذا النظام أرضاً. على العكس من ذلك. فمع تجاهل الحركة الإصلاحيّة، التنسيق مع المعارضة في الخارج، ستعزز من فرص تصفيتها، في زمن قياسي. فنظام ديني، طائفي، قومي، اتوقراطي، توتاليتاري، من طينة النظام الإيراني، يستحيل أن يتّجه للإصلاح والتغيير والانفتاح والمرونة، ويكفّ عن خنق الداخل الإيراني، وتهديد محيطه الإقليمي، بسلسلة المظاهرات والاعتصامات التي تنظّمها الحركة الإصلاحيّة، مهما طالت مدّتها!. الحركة الإصلاحيّة، ورموزها، بيدهم اختصار مدّة بقاء هذا النظام، بصيغته هذه، وبيدهم تمديده. وذلك، بالاتجاه نحو الخارج، بغية فكّ الحصار والخناق على الداخل. وإنْ استمرّ الوضع على ما هو عليه، فإن الحركة الإصلاحيَّة، تقترب من نهايتها، بسرعة. والنظام الإيراني، يقترب من نهايته ببطء. بيد الحركة الإصلاحيّة الإيرانيّة أن تجعل من كلفة التغيير في إيران إقلّ على الشعب الإيراني. وإذا لم تبادر هذه الحركة نحو ما سلف ذكره، ولم تنتهز هذه الفرصة للتنسيق مع المعارضة في الخارج، فينبغي على الأخيرة، ألا تقف متفرّجة، منتظرةً المآلات، والمواقف الدوليّة. بل عليها، أن تتحرّك، وبأقصى سرعة، وبشكل شامل، وعلى الصعد كافّة، لانتشال إيران مما في تتمرّغ فيه.
إن النظام الإيراني، يعاني من حالة انسداد، وأزمة الدوغما الملتهبة، المتأهِّبة للانقضاض على أيّ من يهدد مصالحها. وكذلك المعارضة الإيرانيّة، الداخليّة والخارجيّة، فأنها تعاني من حالة انسداد، وشلل، وعجز كبير في “حرق زمن” إنقاد إيران من طغمة الاستبداد، والاستكبار الديني، والسير بها نحو العصر، بما يلق بتاريخ إيران وشعبوها.
إنّ قطار الثورة الخمينيّة، يوشك على الخروج عن سكَّته. وإذا زوَّد هذا القطار نفسه بالوقود النووي، فعلى الشرق الأوسط “السلام”.
النظام الإيراني، يحتضر. لكن، ليس كل احتضار يعني نهاية ويشكة. وكم سيكلِّف هذا الاحتضار على راهن إيران ومستقبلها، هذا هو السؤال الذي ينبغي على المعارضة الإيرانيّة في الداخل والخارج، الإجابة عنه. وإذا خرج النظام الإيراني من هذا الاحتضار، “منتصراً”، فإنَّ منسوب الغطرسة والطغمة والاستكبار والعنجهيّة لديه، ستصل الى مستوى قياسي، يهدد الشرق الأوسط برمّته. وتصبح هذه المنطقة، طاولة المكاسرة بين طهران وواشنطن وتل أبيب وأنقرة، بشكل علني. أمّا شعوب هذه المنطقة، ستكون حطباً لللنزاعات بين هذه القوى. وفي أفضل احوالها، ستكون حشود متفرِّجة، تصفِّق لهذا الفريق أو ذلك، وهي لا تعلم أنها الخاسر الاكبر في هذه المباريات!. ستكون متخبِّطة بين الخيار الخمينوي أو الأميركي أو الإسرائيلي، الذي يتكثّف بشكل غير مباشر، في الخيار التركي الناعم والسلس، الذي لا يجاري الخيار الإيراني فجاجةً ووقاحة!.
قصارى القول: إيران، بنظامها المتأزِّم، ومعارضتها المشتتة، على مفترق طرق، وتمرّ في اختبار وامتحان مصيري. وإذا كان لا زال من المبكِّر قراءة سورة الفاتحة على النظام الإيراني، فمن المبكِّر أيضاً، قراءة الفاتحة على الآتي من حركات المعارضة في إيران. والأكثر مجاورة للصواب، أن نبدأ بقراءة صورة على الفاتحة علينا، نحن الشعوب الشرق أوسطيّة، حال خروج النظام الإيراني منتصراً من هذا الامتحان!.
كاتب كردي سوري
ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى