خلف علي الخلفصفحات سورية

العم النبيل بوش نكرر لك يأسنا

null

خلف علي الخلف

وبمناسبة زيارتكم للمنطقة؛ والتي لا استطيع وصفها بالتاريخية لأنكم لستم حاكم عربي؛ فهم وحدهم أصحاب “التحركات” التاريخية (أرجو أن يكون هذا مفهوماً لديكم وتقبلوا عذري). تلك الزيارة التي آزرتها الطبيعة فعم الخير في المنطقة فتساقطت الأمطار ونزل الثلج في بغداد وعرعر وهي مدن لم ترَ الثلج إلا في الصور، وحل البرد الشديد ذلك الذي يجلب الخير لكل باعة وتجار الألبسة الشتوية عامة والجوارب على وجه الخصوص.

وبمناسبة قربكم منا (علّ صوتنا يصل) أتوجه لكم ببعض الهواجس البسيطة باسمي شخصيا وباسم فئة قليلة من العرب توصف دائماً من قبل الكتاب الغيارى على مستقبل الأمة بأنها شرذمة! ونحن نَصِفُ أنفسنا “العرب الماضون نحو الـ بائدة”. ولعلكم تعلمون أن العرب ينقسمون إلى العرب المستعربة والعرب العاربة والعرب البائدة. وهم قوم من العرب لم يعد لهم وجود إلا في بضع سطور من التاريخ.

نود أن نكرر لكم يأسنا العميق وخيبة أملنا بكم وبسياستكم وبإدارتكم وبنهجكم وتصريحاتكم وبأركان إدارتكم وبطريقة تعاملكم مع المنطقة وحكوماتها ومعارضيها..

وسأبتعد أيها العم النبيل عن الخوض في فشلكم في العراق وفشلكم في فلسطين وفشلكم في قضايا حقوق (الإنسان العربي)! لأن ذلك يحتاج إلى سنوات عديدة لسرده؛ ولن أكيل لكم التهم بازدواجية المعايير والمكاييل وما شابه ذلك تلك التي يرددها العرب (من البطون التي نجت من الإبادة) في غثائهم الأحوى ليس لأنها طويلة فقط؛ لكن لأن العرب بفروعها الثلاث (ولأعترف لكم بهذا) أكثر من يمارسها من الطفل الرضيع إلى القائد الحكيم ومنذ ماقبل داحس والغبراء وحتى فجر دولة غزة التليد.

اسمح لي أيها العم النبيل أن أطلب منك أن تكف بلاك (ويكتبها العرب العاربة بلاءك) عن المعارضين السوريين فكلما تدخلت من أجل أحد منهم رمسه النظام أسفل سافلين وأنت لا تحرك ساكناً، لنكن صريحين أيها العم النبيل ماذا سيفعل بضعة معارضين سوريين لا حول لهم ولا قوة أمام نظام عجزت أنت وأركان إدارتك والعالم العربي وشيراك وساركوزي عنه! إذ لا يخفى على متبصر أو حتى أعمى عجزكم أمامه ليس فقط فيما يخص المعارضين المساكين؛ بل وأنتم ترونه هو وحزبه اللهوي اللبناني يبتز لبنان حكومة وبرلمانا وشعباً؛ بل يبتز العرب والعالم جميعاً، ولو جمعت ما صرحتموه عن لبنان ودعم لبنان ودعم القادة اللبنانيين لأصبح لدينا مجلدات يفوق عدد صفحاتها مجلدات الخطب التاريخية لقادتنا ومع ذلك وبدون أي تحليل سياسي أو مجهري فإن فشلكم يرى بالعين المجردة. بل ويمكن لنا أن نعيركم أنتم وأركان إدارتكم بتملق النظام السوري لحضور أنابوليس الذي لم يتمخض سوى عن ابتسامة صفراء لمنظري هذا النظام. وإذا كنت لا تعرف ماذا تعني هذه الابتسامة سنشرحها لك وفق المنطلقات النظرية لحزب البعث التي أعادت طباعتها شركة الشام القابضة المملوكة لابن خال الرئيس (وآخرين لزوم الديكور) ووزعتها سيرياتيل العائدة لنفس الملكية. فقد ورد في الصفحة 67 ” هاقد أثمرت سياسة الممانعة أيها العرب؛ وثبت بالقطع حكمة قيادتنا التاريخية…” رغم أن النظام قال في أنابوليس قبل أن يتأكد من تملقكم (والتي نصر عليها) له للحضور ما لم يقله مالك في الخمر وربما لم يهمكم الأمر حينها لأنكم لا تعرفون من هو مالك وكذلك لم تعودوا تشربون الخمر أيها العم نبيل.

نعم عمي وإلا ماذا تفسر أن النظام السوري وبعد أن تحدد موعد قدومكم للمنطقة وبعد تصريحكم الذي يؤيد إعلان دمشق لم يبق أحداً منهم ( أي جماعة الإعلان) إلا وجرجره نحو فروعه الأمنية ومنهم من أطلق سراحه بعد أن لقنه درساً في الوطنية ومنهم مازال ينتظر وما بدل هذا النظام تبديلا.

سأوضح لكم أيها العم النبيل ماذا يعني هذا؛ إذ يتهمكم الكتاب العرب (مقارنة بقادتهم النوابغ) أنكم لا تفهمون كثيراً بالتحليل السياسي. هذا يعني ببساطة “أنتم تقولون ونظامنا يفعل” لا أكثر ولا أقل. ومنذ أن توترت علاقتكم معه أصبحت هذه قاعدة أساسية لديه في الرد على كل تصريح لكم بفعل على الأرض. وأظنه أصبح يدرّس هذا في مناهج فرع العلوم السياسية الذي أصبح تابعاً للقيادة القطرية بعد أن ماتت القومية في أرذل العمر

هذا واضح حتى لرعيان منطقتنا الأميين الذين رضعوا السياسة من أجهزة الراديو منذ الأستاذ أحمد سعيد وحتى الأستاذ فاروق الشرع! نعم إنه واضح من سوريا إلى لبنان إلى العراق إلى فلسطين فمطالبتكم لهذا النظام بالديموقراطية لم تؤد إلا لمزيد من التضييق والاعتقالات ومطالبتكم له بضبط الحدود مع العراق لم تسفر إلا عن مزيد من السيارات المفخخة والانتحاريين الذين تقولون إنها قادمة أو مدعومة منه ومن إيران (وهذه شأن آخر سنترك طابقه مستوراً كما تقول العرب المستعربة) ومطالبتكم له بطرد قادة حماس الإرهابية كما تصفونها أسفر عن إقامة دولة حماس الإسلامية في غزة وطردت أركان السلطة منها في انقلاب جرى أمام العالم ونقلته شاشاتكم ولم تفعلوا شيئا لاستغاثات صديقكم محمود عباس(وبالمناسبة فـ “صديقكم” تهمة لدى العرب أصبحت أقتنع بها)

أما إذا خطفنا أرجلنا أنا وأنت يا عمي النبيل إلى لبنان فهناك سنرى شيء يندى له الجبين حقيقة: أقلية انتخابية في البرلمان تريد أكثرية في مقاعد الحكومة وتريد رئيس منها أو ترضى عنه (وهو ببساطة ما سيفرضه النظام السوري رغم أنوفكم؛ وقول قالها خلف) وهو ما لم يحدث في العالم قط سوى بالانقلابات وهو يجري أمام أعينكم ولم ولن تفعلوا شيئاً للأكثرية التي صدقتكم والتي دعمتموها بتصريحاتكم فقط؛ تلك التي لم يكن لها مردوداً عملياً سوى الحصول على لقب عملاء الأمريكان؛ عملاء الخارج! وبالطبع فسوريا وإيران بالنسبة للأقلية البرلمانية في لبنان هي ” داخل” يجوز قبض الرواتب منها والسلاح لرهن لبنان لهما.

إن ما وصلت له أنا وأمثالي من العرب الماضون نحو الـ بائدة بخطى حثيثة هو: حقاً أن تأييد سياساتكم في المنطقة لن تجلب لنا سوى تلطيخ السمعة تلك التي يجيدها الكتاب البعثيون والعروبيون والقوميون والإسلاميون المعتدلون منهم والمتطرفون ومؤخراً أصبح يجيدها كل القراء الذين أصبحوا يعلقون على ما نكتب. فنحن لم نحصل من التعويل (لاحظ فقط التعويل وليس تأييد) على سياستكم سوى تهم العمالة والتخوين و “القبض” تلك التهم التي لم ينجوا منها رجل كبير مثل رياض الترك أمضى عشرين عاماً من عمره في زنزانة في سجون النظام السوري إخلاصاً لمبادئه السياسية سواء اختلفنا أنا وأنت وهو حولها أو اتفقنا أنها ذهبت أدراج الرياح. وتطاول عليه “بلطجية” منحطون أخلاقياً وسياسياً، بهذه التهم، لأنه وصف تصريحكم بدعم إعلان دمشق أنه تصريح نبيل. هذا ما يجلبه التعويل على سياستكم وتصريحاتكم ومواقفكم أيها العم النبيل! وكما ترى أن التعويل على النظام السوري والارتهان له يجلب دولة حتى لو كانت صغيرة ومقطوعة عن العالم كما في غزة ويجلب مناصب رئاسية؛ فقد فاز لحود بهذا المنصب مرتين رغم أنفكم وأنف شيراك، ويجلب كذلك رئاسة حكومة وكراسي وزارية و… شركااااات تدر أموالاً لا تأكلها النيران لأن هذه الشركات تعمل وفق آليات اقتصاد الفساد الذي يراكم الثروة سريعا

وانظر بالمقابل ماذا جنى من عوّل على سياستكم في المنطقة وحتى من دعمها!!…

إنني أستغل زيارتكم هذه لأعلن لكم أيها العم النبيل ليس يأسنا فحسب بل لأدعو جميع أخواني من العرب الذين سيصبحون بائدة بعد قليل ( إن لم يطيعوا شوري) أن يكفوا عن التعويل على سياساتكم في المنطقة ويلتحقوا بركب النظام السوري الذي أثبت على الأرض أنه القوة العظمى متقمصاً بنجاح منقطع النظير على المسرح الدولي شخصية الاتحاد السوفييتي السابق؛ لأنه ببساطة كما نرى بأم وأخت أعيننا هو من يقرر ويرتب أوضاع وأحداث المنطقة وليس دولتكم ولا أصدقاءكم من القادة العرب الذين تصفونهم بالمعتدلين و أثبت هذا النظام السوفييتي المعاصر لكم وللعرب (ومؤتمرهم الأخير شاهد) وللعجم ولعمرو موسى أنه قول وفعل وانتم ليس لديكم لنا ولأصدقائكم المعتدلين سوى التصريحات التي تلطخ السمعة.

خلف علي الخلف

2008 الأربعاء 16 يناير

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى