سمر يزبكصفحات الناس

طيور … في أقفاص فضائية!

null
سمر يزبك
«لما نستشهد منروح الجنة» واحدة من الأغنيات التي تبثها، على مدار الساعة قناة «طيور الجنة» المتخصصة للأطفال ذات التوجه الديني الواضح.
«دمعي على الخدين» أغنية أخرى، يبكي فيها أطفال على أطفال راحلين، ما هاتان الأغنيتان سوى نموذجين من أغنيات أخرى، تدور حول الموت والشهادة، وسط ديكور متقشف وخشن.
لا نعرف ما أهمية أن نضع هذا الترحيب بالموت، على لسان أطفال لا يكادون يدركون معنى ما يرددونه. أطفال يستشهدون في فلسطين، لأن نار اسرائيل لا تفرق بين شيخ وشاب وفتاة وطفل. هذا الواقع إكراه يقع على الأطفال، وينبغي أن يعمل البالغون على فضحه، إن لم يكونوا قادرين على منعه، لكن لا يحق لأحد أن يضع على لسان الأطفال هذا الترحيب المجاني بالموت، فالأطفال مخلوقون للحياة، هذا هو الأساس.
الموت عابر، ويجب أن يظل حدثاً استثنائياً في حياة الأطفال. الذين يدخلون الجنة إذا ماتوا لأي سبب، تكون شهادتهم زائدة على الحاجة، ولا يجب أن تكون موضع ترحيب، فهي بلا معنى بعكس استشهاد الكبار.
لدى من سيواصل الحياة من أطفالنا الوقت الكافي كي يحزن على ما تقترفه اسرائيل، وكي يستنكر موت الأطفال. ولدينا من الألسن والوسائل ما يكفي لفضح عدو يترصد الحياة ويقتل أطفالاً خلقوا للحياة لا للموت.
الغريب أن تختلط هذه الرسائل بالرغبة في الربح، مثل كل الفضائيات، بالاعلانات التجارية، وتشجيع الأطفال على الرسائل الهاتفية القصيرة، التي تحتل شريطاً دائماً أسفل الشاشة!
لا تقف المشكلة في قناة «طيور الجنة» عند هذا الخطاب الذي يمزج بين التدين والموت والدموع، أو في الاستغلال التجاري للمشاهدين من الأطفال، بل في استغلال الأطفال المؤيدين. وهـــذه قضــية تنطبق على هذه القناة وغيرها، وعلى المواد الدرامية والبرامج التي تتـــوسع يوماً بعد يوم في تشغيل الاطفال، من دون أن ندينها مثلما ندين تشغيل الأطفال والصبية لدى الحرفيين من الكهربجية والميكانيكية والسمكرجية»!
من المؤكد أن عمل الأطفال، في الإعلام يقل من حيث الجهد، عن العمل لدى الحرفيين، ومن المؤكد أنهم لا يتعرضون للضرب من المخرج أو صاحب القناة، لكن من المؤكد أيضاً أن انتهاك الطفولة الذي نستنكره في الورش والمشاغل هو نفسه الذي يتعرض له أطفال الفن!
أطفال يُستخدمون كالببغاوات، يرددون كلاماً أكبر من أعمارهم، وكثيراً ما يخطئون في نطقه، ولا بد أن نفكر ليس في معنويات ووجدان الأطفال الذين يستقبلون هذه الرسائل الحزينة فقط، بل كذلك في معنويات الأطفال الذين يؤدونها، سواء من حيث تشربهم لهذه الرسائل أو من حيث احساسهم بأنفسهم في ظل النجومية الزائفة في هذه السن المبكرة.
هل يقل العدوان على طفولة أطفال الفن، عن العدوان على صبية الورش والمشاغل اليدوية؟
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى