صفحات الناسفلورنس غزلان

امرأة الظل ( زوجات الكتاب والمفكرين مثالاً).

null
فلورنس غزلان
نادرا ما يأتي أحد على ذكر زوجة لكاتب أو شاعر أو أديب أو مفكر، اللهم إلا إذا كانت من ذوي المهنة أو قريبة منها أو تملك شهرة أخرى في حقل آخر، كما كان الحال عند المفكرَين والفيلسوفين العظيمين” جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار” لكن معظمهن يعيش في الظل، ويرتضي لنفسه هذا الدور، معظمهن يسير في الخلف المعنوي، ونادراً ما يأتي صاحب الشهرة على ذكر الحبيبة الزوجة ويخصها بجملة أو إهداء في كتاب، فتكون له من الشاكرين وتذرف دمعة امتنان لأنه اعترف لها بدورها في صناعته، أو بعض أبيات من الشعر تبدي تولهاً وحبا فيها تمنحها الاندفاع أكثر في استمرار العطاء وإنكار الذات وتقديم كل مايلزم ليشتهر هذا الزوج ويصعد سلم الانتشار،وهناك من وصلت شهرته إلى محافل دولية ومراكز قرار أو جامعات كبرى ومعاهد ودور علم وفكر يحاضر هنا ويحاور هناك ، تهرع وراءه عدسات المصورين ومبرمجي التلفزيون للحصول على لقاء أو للحوار المشترك مع مفكر آخر وكاتب من نفس النمط أو المعاكس لما يطرح بينما تظل هي في المنزل، وإن تكرم عليها ورافقته في رحلة من رحلاته، فإنها تغتنمها للتعرف على الدولة الداعية أو تلتقي بنساء المدعوين في عشاء يضم الكثيرين ولا يتعدى دورها الاطراء والموافقة والتأييد لمايقوله الزوج، وهل يعقل ألا تكون متوافقة معه ومؤيدة له؟! ولو حصل وأبدت بعض الأفكار المغايرة والمخالفة فلن يكون هذا على الملأ وأمام الآخرين، ــ ما أعنيه يخص عالمنا العربي وليس غيره مع أن تفاوت النسب ليس شاسعاً ــ بل غالبا ما يدور الحديث بينه وبين المدعوين وتلزم هي ومثيلاتها الصمت أو الحديث النسوي الجانبي والمتعلق بهموم أخرى وأمور ربما مغايرة ، ولو شاركن فلن يتعدى رواية نادرة من نوادر حياتهما وعلاقاتهما تتمحور حول عمله اليومي وما يتعرض له من هفوات وقصص تدلل على مدى تكريسه لوقته وحبه للقراءة والكتابة على حساب أسرته ووقتها..
هذه المرأة لها الفضل الأول والأهم في كونه وصل لما وصل إليه وأنتج ما أنتجه من كتب ومقالات وحوارات …الخ فهي المسؤولة الأولى عن حياته ووقته وتهيئة الجو الملائم له كي يشعر بالطمأنينة ويشعر بالهدوء والسكينة والراحة النفسية ليتمكن من الابداع ومتابعة العطاء…وفي هذه الحالات ، غالبا ماتكون هي مدبرة المنزل ومربية الأولاد ومسؤولة حتى عن قمصانه واختيارها بذلاته وألوانها، لأنها تأتي كأمر ثانوي بالنسبة له..وكم ترضى لحياتها أن تُختَزل ووقتها أن يَتمركز حوله وحول وقته وتغير من برنامجها وتدوره وتحوره كي يصبح ملائماً ومواتيا لذوقه وبرامجه الكتابية ورحلاته وحواراته حتى لو كانت امرأة عاملة ولها شأنها الاقتصادي فعليها ترتيب أمورها حسب مقتضيات الحاجة الزوجية …أي أنها تبقى امرأة الظل.
قالوا أن وراء كل عظيم امرأة! لكن هذا الوراء يعني أن تقبع في الخلف وتدفع به للأمام ، هو الواجهة والصورة وهي الخيال الذي لا يُرى..أما كان من الأجدر أن نُكَّرمها فنقول مع كل عظيم امرأة ، أو تشارك كل عظيم امرأة تساهم يوميا في سطوره وكتاباته ونهجه ، ومشاركتها إن لم تكن فعلية وعملية فهي نفسية ومعنوية ، هي من يمنحه الحب ويهيء له كل وسائل الراحة ، هي الصدر الحنون المتفهم والكتف الذي يلجأ إليه حتى عندما تعاكسه الأيام وتقفل بوجهه سبل الانتشار وحين يُحارب بفكره..أليست هذه حال الكثيرات؟ أننسى كيف أرادوا تطليق زوجة حامد أبو زيد وفعلوا مع أنها مدرسة اللغة الفرنسية في الجامعة، فأبت ووقفت معه وتمسكت بزواجها منه وحبها له…وكان ماكان..سيقفز البعض للقول أن العائلة والزوجة خاصة، هي حياته الخاصة، وهناك الكثير من الكتاب مما لايحبذ أن يكشف أوراق حياته الخاصة على الملأ ولا أن تُعرف أسرته من أجل تجنيبها الكثير من المتاعب!، يحصل هذا في عالم الفن أكثر منه عالم الكتابة والفكر، ولا نقول أنه يجب أن تكون الزوجة حاضرة على الدوام، لكن عليه هو أن يذكرها ويعترف بدورها وألا يخدعها أو يبدلها كقميصه حين يصيب شهرة وتكون هي من ضحى وتعب وربى وسهر وعلى حساب صحتها مهدت له السبل ليصل، وعندما وصل صارت قصة قديمة!…حدث هذا ويحدث …ومن أجل الحقيقة ومن أجل المرأة وحقها نريد أن ننصفها كي لا تظل قابعة في الظل.
كم من نساء المفكرين الكبار والذين يقبعون خلف القضبان نتيجة موقف فكري ومبدئي وايمان بالحرية وهواء الكلمة وحرية القول في بلاد تُحَّرم على المرء حتى أن يقول ويكتب ويعبر..يصبرن ويرضين بالهوان وعسف الزمن ويقضين جزءا لا يتجزأ من عمرهن بين السجن وواجبات المنزل ومواقف الأهل والمجتمع ، كم من نساء الصحفيين والكتاب بذلن ويبذلن الكثير ، لكن اسم الكاتب السجين فقط هو من تذكره العناوين، لكن اسم المفكر المحروم من الحرية هو من تذكره المحافل ومنظمات حقوق الإنسان…وغالبا ما تدفع لكونها زوجته ثمناً غالياً ، ألم تُسَّرح من وظيفتها وعملها الذي تعيش وأولادها منه( غيداء ) زوجة المحامي والكاتب والمدافع عن حقوق الإنسان أنور البني، وقد صرح الوزير أن تسريحها جاء لأنها زوجة أنور البني!
كم تحملت وتتحمل( وديعة)، أم أيهم وزوجة الكاتب والمفكر ميشيل كيلو وللمرة الثانية وفي سن الكهولة؟!…ماذا نقول( لأم محمد ) زوجة علي العبدالله وأم عُمَر السجين أيضا في سجن صيدنايا ولا تعلم عنه شيئا حتى الآن؟ ماهو موقفنا من زوجة فايز سارة والفنان طلال أبودان؟ ومن( روزيت )زوجة الكاتب والصحفي أكرم البني والذي قدم من عمره خمسة عشر سنة في السابق وهاهو يحكم بثلاث سنوات للمرة الثانية! والتي كانت بدورها سجينة فترة الثمانينات! …لن تكفي الصفحات ولن تفي بحقهن أمهات الكتب والجرائد…وقد سبق ووعدت نفسي أن أخصص حلقات لزوجات المعتقلين للتعرف على تضحياتهن وأنهن قدمن للوطن والأسرة أكثر مما قدم السجين نفسه…لن أنسى حقهن ، لكني عرجت على البعض فقط كونهن زوجات لمفكرين وكتاب.
هذا غيض من فيض معاناتهن، فهناك الكثير من العقبات والمشاكل التي تعترض الأسر وتؤدي أحياناً لتقويض دعاماتها، فقد يفسح مجال السفر والاختلاط والشهرة طريقاً أمام الكاتب او المفكر للتعرف على الكثير من النساء، أو حتى ملاحقته من المعجبات بكتاباته،” ونفس الانسان أمارة بالسوء”والضعف الانساني من طبيعة البشر، فقد تكتشف الزوجة أو تشعر بعلاقة ما تربط إحداهن بزوجها…أو تبعده عن بيته لبعض الوقت…وربما تحطم حياتهما..وهذا يتبع الحالة ونوعها وكيفية تعامل الطرفين معها…لكني أعرف أن الكثيرات عضضن على النواجذ وغفرن الذنوب لانقاذ أسرهن ولو على حساب كراماتهن الأنثوية ومشاعرهن وعواطفهن التي تم التلاعب بها..سيقول البعض أنها مجرد حالات نادرة…لكني أعلم وتعلمون أن عالم التأليف والكتابة عالم رحب ومفتوح على الكثير من العلاقات والروابط…ومهما ندرت فإنها تكاد تطول الربع أو النصف ..في أحسن أو أسوأ الحالات.
الأمر الذي يجعلنا لا نغفل ماذا يكون موقف الرجل حين يكون الوضع معاكساً، أي أن الشهرة تتعلق بالزوجة لا بالزوج؟ وهل تلعب الغيرة دورها وتؤثر على حياتهما؟ وكيف يتقبل ويتلقى تسميتة بزوج الكاتبة فلانة أو زوج الشاعرة فلانة ..أعتقد أن من يتزوج بواحدة من هؤلاء النسوة في مشرقنا خاصة، يمتلك مسبقاً الكثير من الوعي والثقافة والاحترام والحب لزوجته والايمان بمساواة المرأة له، وإلا فلا أعتقده يقدم على زواج من هذا النوع، وعلى سبيل المثال الكاتبة والدكتورة نوال السعداوي والأديبة أحلام مستغانمي ، وفي أحيان كثيرة لا تصمد مواقفه فتكون النتيجة تقويض الحياة المشتركة أو وهذا موجود بكثرة، فمعظم حالات العزوبية نجدها عند المرأة المعروفة والتي حققت نجاحا وشهرة ، وتفضل غالبا العزوبية وتختارها لأنها نادرا ما تجد في طريقها من يفهمها ويتفهم وضعها.
الحديث عن قضايا المرأة سيظل شائكاً، طالما أن هناك قوانين تهضم حقها وتُشَيئها سواء كانت وضعية أم دينية، وطالما ظلت مجتمعاتنا خاضعة ومسلوبة للإرادة والثقافة البطرياركية” الذكورية”.
وللحديث بقية.

باريس 4/4/2009

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى